عدد رقم 4 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
سبيل الصديقين (تك26)  

« أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِق، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ» (أم4: 18)

     تميَّزت حياة إسحاق بالإقامة عند الآبار، وهي ترمز إلى الروح القدس الذي يقود المؤمن السماوي في سبيل الصديقين، الذي هو كنور مشرق، يتزايد وينير إلى النهار الكامل.  لقد تغرب إسحاق في بلاد الفلسطينيين عندما حدث جوع في الأرض، بناء علي قول الرب له: «لا تنزل إلى مصر...  تغرب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك» ( تك26: 2).  «وزرع إسحاق في تلك الأرض، فأصاب في تلك السنة مئة ضعف، وباركه الرب.  فتعاظم الرجل ... حتى صار عظيمًا جدًا.  فكان له مواش من الغنم والبقر وعبيد كثيرون» (تك26: 12- 14).  وفي هذا نرى نجاحًا مـاديًا على أعلى مستوى.  لكن النجاح المادي ليس دليلاً على النجاح الروحي والرضى الإلهي.  كما أنه يوجد فرق، بين بركة الرب وحضور الرب، وبين أعمال العناية .  والعدو يعمل جاهدًا على إعاقة تقدمنا الروحي، فيطم جميع الآبار ويملأها ترابًا (تك26: 15).  والملاحظ أن الفلسطينيين قد طموا هذه الآبار بعد موت إبراهيم ( تك26: 18)، أي بعد استلام إسحاق مسؤولية الشهادة على الأرض.  وبهذه الطريقة أعاق العدو تقدم إسحاق الروحي.
  ولكن الرب بطريقة أو بأخرى، يعمل معنا ليرجعنا إلى الوضع الصحيح.  فنرى أبيمالك يقول لإسحاق: اذهب من عندنا لأنك صرت أقوى منا جدًا .

  «فَمَضَى إِسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ، وَنَزَلَ فِي وَادِي جَرَارَ وَأَقَامَ هُنَاكَ» ( تك26: 17).  والوادي يتكلم عن الاتضاع، وكلمة جرار تعني: "اجترار وتعني أيضًا إقامة مؤقتة"، فلقد أدرك أنه غريب ونزيل.  وهذا التقدم في المستوى الروحي، جاء من عمل الإيمان، كما قيل عن إبراهيم: «بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ» (عب11: 9).  وبوصوله إلى هذا المستوى الروحي، «عَادَ إِسْحَاقُ وَنَبَشَ آبَارَ الْمَاءِ الَّتِي حَفَرُوهَا فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، وَطَمَّهَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَدَعَاهَا بِأَسْمَاءٍ كَالأَسْمَاءِ الَّتِي دَعَاهَا بِهَا أَبُوه» (تك26: 18). 
 وهو بذلك يمثل المؤمن الذي يُقدِّر الحق ويجتر على كلمة الله ويطبقها على حياته بكل اتضاع.  والبئر الأولى التي حفرها عبيد إسحاق.  دعوا اسمها "عسق"، وكلمة عسق تعني: "خصام".  وهنا نرى العدو، ينازع إسحاق بشدة لأنه نبش الآبار، فلن يقف العدو مكتوف الأيدي أمام النجاح الروحي الحقيقي، ولا سيما العودة إلى كلمة الله والاجترار عليها، بينما لا يقلقه أي نشاط جسدي في الأوساط الروحية.  وفي تقدم رائع يحفر عبيد إسحاق بئرًا ثانية، والعدو يشن هجومه الثاني، لذلك دعوا اسمها "سطنة" التي تعني: "شكاية".  لكن من سيشتكي على مختاري الله؟  الله هو الذي يبرر ( رو8: 33).  وبعدها نقل إسحاق من هناك، وحفر بئرًا ثالثة ودعا اسمها "رحبوت" التي تعني: "اتساع" وقال: «إنه الآن قد أرحب لنا الرب وأثمرنا في الأرض» ( تك26: 22).  واستمر إسحاق في طريق التقدم الروحي حتى وصل  إلى بئر سبع.  ويقول الكتاب: «ثم صعد من هناك إلى بئر سبع» (تك26: 23)، لقد انفصل كلية عن أرض الفلسطينيين، وعاد إلى أرض كنعان، وبوصوله إلى بئر سبع نرى قمة النجاح الروحي ويُميِّزه الآتي:  

ظهر له الرب في تلك الليلة وقال له: «أنا إله إبراهيم أبيك.  لا تخف لأني معك، وأباركك وأكثر نسلك من أجل إبراهيم عبدي» ( تك26: 24).

بني إسحاق مذبحًا، ودعا باسم الرب، ونصب هناك خيمته (تك26: 25).  و”المذبح“ يكلمنا عن السجود والعلاقة بالله، وعبارة «دعا باسم الرب» تعني أنه أقام شهادة للرب في هذا المكان.  و”الخيمة“ تكلمنا عن حياة الغربة.

حفر إسحاق البئر الرابعة، ودعا اسمها "شبعة" ( تك26: 33)، أي "سبعة"، لذلك دعي اسم المدينة ”بئر سبع“، وعدد سبعة هو عدد الكمال، ويصل إسحاق إلى قمة الحالة الروحية،  في سبيل الصديقين، ليرتوي من هذا الينبوع الصافي.

انفصل إسحاق عن العالم، فصارت له الشهادة القوية والمؤثرة على الآخرين، إذ أتى إليه أبيمالك ملك جرار وأحزات من أصحابه، وفيكول رئيس جيشه، ليقطعوا معه عهدًا، وشهدوا عنه قائلين: «رأينا أن الرب كان معك ... أنت الآن مبارك من الرب» (تك26: 28، 29)، ويا لها من شهادة رائعة أمام الأعداء الوثنيين!

  هكذا سار إسحاق في سبيل الصديقين، يتزايد من نور إلي نور، فتمتع بالشركة مع الرب الذي ظهر له، وتذوق لذة السجود، وعاش مبرهنًا على أنه غريب ونزيل، ووجد ينبوعًا صافيًا يرتوي منه، وأصبح مؤثرًا على قلوب وضمائر أهل العالم، بالانفصال عنهم.  فياليتنا في هذا الدرب نسير.                                                                                                 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com