عدد رقم 4 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
القدوس والمقدسات العجل الذهبي (خر32: 1-6)  


   وقعت حادثة العجل الذهبي بينما كان موسى مع الرب على الجبل يتلقى التعليمات التفصيلية عن خيمة الاجتماع، والتي تُعبِّر عن رغبة الرب للسكنى وسط شعبه (خر25: 8).  ولكن بالأسف ها هو الشعب أسفل الجبل يتحول عن الرب، ويسعى في طريق فساد قلبه، مطالبًا هارون بأن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم، لمجرد أنهم رأوا موسى قد أبطأ فوق الجبل، متأثرين بما رأوه في مصر.  ويا له من قلب منحرف، يميل نحو المحسوس والملموس!  

    إن حادثة العجل الذهبي الذي صنعه هارون تلبية لرغبة الشعب، تعطينا صورة واضحة عن القلب البشري وسرعة تحوله، وعما يكمن فيه من فساد، ولقد قصد الروح القدس – روح الحكمة - من تسجيل مثل هذه المواقف المخزية على صفحات الوحي كعلامات تحذير وإنذار لنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (1كو10: 11)، حتى إذا تنبهنا نجت أنفسنا من فخ الصياد وشراك العدو، في زمن اختلطت فيه الأمور، ولم يعد في طاقة الناس، حتى الذين من عائلة الله، تمييز الثمين من الغث.  أما إذا لم ننتبه ونتحذر، سيضرب العطب نفوسنا ويجعلنا أسوأ حالاً من أولئك الذين ضلوا وراء العجل الذهبي. 

    لذا وجب علينا أن نأخذ لأنفسنا العبرة كي نسير في طريق رضى الرب ومسرته، ونكون أهلاً للشهادة الصحيحة، في المكان الصحيح، فلا تفلت ضمائرنا من تأثير الحق عليها، حتى لا نستمرئ الشر ونستهين به ونجلب الإهانة على مجد إلهنا، فنستوجب التأديب ونخسر شهادتنا له، وعندئذ ماذا سيبقى لنا بعد؟ 

  ولكن ترى ما الذي دفعهم نحو هذه الوثنية بهذا الشكل المهين، بعد أن رأوا الفعل العظيم الذي صنعه الرب معهم في البحر الأحمر، حيث لم يمضِ على عبورهم وخروجهم من أرض مصر سوى ثلاثة أشهر؟  هل البديل عن يهوه هو "ثور آكل عشب" (مز106: 20)؟  لا شك أن هناك أسبابًا دفعتهم لذلك وهو ما سنتناوله الآن في النقاط التالية:

أولاً: التسرع وعدم الانتظار 
   يقول الكتاب: "وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ" (خر32: 1).  لقد توهموا أن موسى أبطأ، وكان تقديرهم في ذلك خاطئًا ورؤيتهم غير صحيحة، وهذا أمر طالما سقط فيه كثيرون فطاش سهمهم ولم يبلغوا الحقيقة.  فمثلاً قال داود: "إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْمًا بِيَدِ شَاوُلَ" (1صم27: 1)، وذلك عندما طال انتظاره، فالرؤية الخاطئة تقود لتصرف منحرف مضاد لمشيئة الله وقصده.

ثانيًا: السير بالعيان  
   كثيرون في هذه الأيام يرون بحسب تقديرهم أن مسألة حضور الرب في وسط قديسيه ورئاسته وقيادته للجماعة أمرٌ عفا عليه الزمن، فراحوا يستبدلون الذهب بالنحاس، وحق الرب بالفلسفة البشرية، والفكر الإلهي المعلن على صفحات الكتاب بأقوال الناس الذين ليست لهم معرفة بالله، وهل لمثل هؤلاء فجر، وهم قصدوا حجب النور عن أنفسهم، وأعطوا ظهورهم لمحضر الله المهيب؟  فالعجل الذهبي صورة لما نراه حادثًا في بعض الدوائر المسيحية، حتى المستنيرة بعض الشيء، ممن كان يجب أن يظلوا بجانب الحق، لكنهم استحسنوا لأنفسهم طريقًا آخر، لا لشيء إلا لكي يكونوا كسائر الشعوب، ويتمثلوا بمن حولهم في أسلوب العبادة والخدمة، منبهرين بكل ما هو جديد ويحظى بإعجاب الناس.  إنهم يسلكون بالعيان وليس بالإيمان، فيريدون شيئًا منظورًا أمامهم يروق لأعينهم، لأنهم لا يُقدِّرون ولا يشعرون بحضور الرب غير المنظور.

   لقد أراد الشعب عمل ما يشعره بالأمان ويرضي رغباته، فسقط في شرك الوثنية.  وماذا عنا نحن؟  إلى أين يطوح بنا تسرعنا ونحن في نور الإعلان الكامل وسكنى روح الله القدوس فينا؟  ألا نحتاج أن نفحص ذواتنا في نور حضرته لئلا يكون قد تسرب للقلب شيء من هذا القبيل؟  إن الألم الناتج عن وضع قلوبنا للفحص في نور قداسة الله والحكم عليها لهو أفضل بكثير جدًا مما نعانيه من حرمان رضى الرب علينا الناتج عن وثنية قلوبنا وانحرافها عنه.  
ثالثًا: ميل القلب البشري 
   بصفة عامة القلب البشري يميل للتجاوب مع الأمور الحسية، ويُعجب بنتاج الفكر وإعمال العقل، حتى فيما يخص الله وأموره، غير عالم أن الله وأموره تحتاج فقط لروح الله وعمله في المؤمن، ليحقق به شهادة حقيقية عن الله بما يتناسب مع قداسته وبره.  ولا عجب أننا في هذه الحادثة نجد هارون يتقدم مناشدًا الشعب أن يعطوه أقراطهم، ثم يصور بالإزميل عجلاً مسبوكًا، ثم يهتف بأنه هو الذي أخرج الشعب من مصر، ثم ينادي بعيدٍ له في الغد.  فالأمر تحول إلى إقامة نظام متكامل منحرف عن الله.  وبالأسف لقد أخذ العجل شرعيته من هارون رئيس الكهنة.  آه يا هارون يا من كنت مرة متكلمًا بأمور الله أمام فرعون! هل بهذه السرعة تحول قلبك وتبدل فكرك؟!  هل لهذه الدرجة أنت تهاونت فأهنت الحق ولوثت البر؟!  هل رضيت بمركز آخر يلتف الشعب حوله بدل الرب؟  ثم لاحظ ما يقولون: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (خر32: 4)، فقد نسبوا عمل الله لمسبوكهم، فهم يُقرون بعظمة العمل، ولكنهم ينسبوه للعجل.  أليست هذه حيلة العدو أن لا يمنع الناس من ترديد بعض الحقائق، لكن الحق ذاته يصرفهم عنه؟  أليس هذا أردأ أنواع المكر والضلال؟  

   عزيزي القارئ لا نتعجب إن رأينا وسمعنا عمن كانوا مرة في صف الحق بل في صف الله عاملين معه، أن يتحولوا بهذه السرعة لهذه الدرجة من الانحراف، فالبشر طبيعتهم لا تتغير، والسير وراء الفكر الإنساني لا ينتج أفضل من ذلك، وربما عمل هارون هذا قد أعطى من كان ضميرهم ضعيفًا جسارة للسير في ذات الطريق، وهو عين ما يمكن أن يحدث معنا في هذه الأيام، أن نرى كثيرين يسيرون فقط لأنهم وضعوا ثقتهم في القادة، على اعتبار أنهم لا يخطئون، وكانوا مُستخدمين من الله بقوة في وقت سابق.  كلا يا عزيزي فأهل بيرية فحصوا أقوال الرسول نفسه متحققين من صحتها بما في الكتب، وكانوا بحسب تقدير الروح القدس أشرف من غيرهم، وبولس حذر المؤمنين في غلاطية قائلاً: "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما"! (غل1: 8).

   أعزائي .. بهذه الكلمات القليلة رغبت أن أضع شيئًا من الحق أمام ضمائرنا لا لشيء سوى لننهض عاملين ما يرضي أمامه، مقدرين الحق الخاص بسيدنا، وما يخص مجده في وسط كنيسته كرأس الجسد، موضوع الشهادة وغرض السجود والعبادة الذي ينبغي أن نخضع لسلطانه، له المجد من الآن وإلى يوم الدهر آمين.  
                                                                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com