عدد رقم 4 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الشهادة (3)  

من المقالين السابقين ندرك أهمية الشهادة عند الله منذ أوجد الإنسان على الأرض، ومنذ أن صار له شعبًا، وجميل أن نتتبع أسلوب الرب المتدرج والمتناسق وهو يُرسِّخ فكر الشهادة بين شعبه القديم.  ففي بداية الرحلة في البرية، قدَّم لشعبه عن طريق موسى ”لوحي العهد“، والذي أُطلق عليهما ”لوحي الشهادة“، أو ”الشهادة“، واللذين طلب الرب من موسى أن يضعهما داخل التابوت، ومن ثم أُطلق عليه ”تابوت الشهادة“، والذي وضع في قدس الأقداس، الذي يفصله عن القدس ”الحجاب“، ولذلك دُعي اسمه ”حجاب الشهادة“، وحيث أن المسكن يشمل القدس وقدس الأقداس (حيث يوجد تابوت الشهادة)، فلقد دُعي المسكن ”مسكن الشهادة“، كما أن الخيمة كلها دُعيت ”خيمة الشهادة“، ومن كل هذا ندرك أهمية الشهادة عند الرب، وكم هو مُمتع أن نتتبَّع هذا التدرج المدهش، فنتعرف عن فكر الله كما قصد أن يعلنه لنا.

لوحي الشهادة

بداية من تاريخ الإنسان؛ بداية من آدم وصوت الله يُسمع، ومن خلال كلامه وأحاديثه المختلفة استطاع الله أن يُعبِّر عن نفسه للإنسان، مظهرًا أساس العلاقة معه مُمثَّلة في ”الذبيحة“، وكيفية العلاقة معه (المذبح)، حتى أن إبراهيم دُعي آنذاك ”خليل الله“.  لكن بداية من وجود شعب لله بالفداء، صارت أفكار الله وإعلاناته ليست مسموعة فقط بل أيضًا مقروءة، وأولى هذه الإعلانات المقروءة هما لوحي الشريعة، أي الوصايا العشر، ولأنها تضع أمامنا تصورًا لما يجب أن يكون عليه الإنسان في علاقته مع الله (الوصية الأولى حتى الرابعة)، وفي علاقته مع الإنسان قريبه (الوصية الخامسة حتى العاشرة)، ولأنها تكشف لنا أحكام الله ووصاياه، ولأنها تُظهر لنا شيئًا عن سموه وتجانس صفاته، أُطلق عليهما ”لوحي الشهادة“. 

ولقد ذكرا بهذا الاسم ثلاث مرات، مرتين بالارتباط باللوحين اللذين كانا ”صنعة الله وكتابة الله“، وهما اللذان كسرهما موسى عندما نزل من على الجبل، أسفل الجبل، عندما رأى العجل الذهبي (خر31: 18؛ 32: 15)، إذ وجد الشعب قد كسر على الأقل ثلاث وصايا «لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة. لا تسجد لهنَّ. ولا تعبدهنَّ»، والمرة الثالثة والأخيرة بالارتباط باللوحين الآخرين اللذين صنعهما موسى وكتب عليهما الله (خر34: 1)، والذي عندما نزل بهما موسى كان جلد وجهه يلمع (خر34: 29).

إذًا هناك لوحان أُطلق عليهما ”لوحي الشهادة“؛ اللوحان اللذان هما ”صنعة الله وكتابة الله“، واللوحان اللذان هما ”صنعة موسى وكتابة الله“.  اللوحان الأولان لم يبقيا طويلاً إذ بمجرد نزول موسى بهما، قبل أن يدخل المحلة، كسرهما (خر32: 19)، واللوحان الآخران استمرا مع الشعب، وكان أول ظهور لهما أمام الشعب مرتبطًا بوجه موسى الذي كان يلمع.

ومن هذا نستطيع أن نقول إن اللوحين الأولين يُشيران إلى ذاك الذي أتى ليشهد للحق (يو18: 37)، غير أن شهادته لم يقبلها العالم، بل ولم يحتملها، إذ كان هو النور الحقيقي الذي جاء ليضيء في هذا العالم، لكن لأن الناس أحبت الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة (يو3: 19)، فلم يحتملوا النور وعملوا على إزاحته، وكان لهم ما ابتغوه، وسمعنا الصوت يعلو مدويًا ”اصلبه .. اصلبه“ (يو19: 6). وبهذا اُفسح المجال لظهور اللوحين الآخرين، اللذين صنعهما موسى، واللذين يذكراننا بقول الرب لتلاميذه: «تكونون لي شهودًا» (أع1: 8).

وهذا يذكرنا بحادثة شفاء الرب للمجنون الذي كان فيه لجئون، إذ بعد أن أخرج الرب منه الشياطين رُفض من الجميع ”وابتدأوا يطلبون إليه أن يمضي من تخومهم“. فكان كلام الرب لمن شفاه: «اذهب إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك» (مر5: 17، 19).  إذ بعد أن رُفض المسيح الذي جاء ليشهد عن صلاح الله ورحمته للبائسين، صار للذي قد شُفي أن يشهد عن كم صنع به الرب ورحمه.

ومن كل هذا نستخلص بعض الأفكار:

إن أروع ما شاهدته عين بشر .. وأعظم شهادة لله عُرفت على الأرض لم تستمر سوى أكثر قليلاً من ثلاث سنوات (فترة خدمة الرب الجهارية)، إذ سريعًا ما قوبلت بالرفض الشديد!!

وإن رُفضت شهادة المسيح بصلبه وصعوده للسماء، فشهادة تلاميذه وأتباعه مستمرة إلى الآن بقوة الروح القدس (يو15: 26). 

إن كان اللوحين الأولين كانا من صنع الله والآخرين من صنع موسى، إلا أن كليهما كانا ”كتابة الله“، فما قصد الله أن يعلنه عن نفسه أعلنه لنا المسيح تمامًا، وهو ما علينا نحن الآن أن نعلنه دون إضافة أو تعديل.

إن قوة شهادة المسيح مستمدة من شخصه، إذ أنه ”بهاء مجد الله ورسم جوهره“ (عب1: 3)، وهو ”الكلمة“ المُعبِّر عن الله أكمل تعبير.  «الله ... كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه» (عب1: 1).  أما قوة شهادتنا فمستمدة من مدى قربنا وعلاقتنا مع الرب، وهذا ما يُعبِّر عنه موسى وهو حامل بين يديه لوحي الشهادة وجلد وجهه يلمع.  فلمعان وجهه ارتبط بمدى قربه وارتباطه بالرب.  كما يحتاج إلى قوة وتعضيد الروح القدس «تنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا» (أع1: 8).

ننتقل إلى فكرة أخيرة من جهة لوحي الشهادة. عرفنا أن موسى كسر اللوحين الأولين إذ لم يستطع أن يدخل بهما المحلة وقد تدنست بعبادة العجل، والشعب كما ذكرنا قد تعدى وصايا الرب الصريحة كما هي معلنة في اللوحين، ولذلك قصد الرب قبل أن يصنع موسى اللوحين الآخرين أن يُوجِد مكانًا لائقًا فيه يحفظ اللوحين، من أجل ذلك طلب الرب من موسى أن يصنع تابوتًا من خشب، يضع فيه اللوحين (تث10: 1-5).

وما أجمل هذا الفكر فمن ناحية نرى في وجود لوحي الشهادة داخل التابوت، شخص الرب يسوع، تبارك اسمه، الذي استطاع أن يحفظ وصايا الله وأحكامه، فهو الذي استطاع أن يقول «شريعتك في وسط أحشائي» (مز40: 8).  ومن ناحية أخرى نجد فكر الشهادة يتغلغل في كل حياة الشعب، فكما ذكرنا في مقدمة المقال نقرأ عن ”الشهادة“ نسبة للوحي الشهادة في سبع مناسبات، وعن ”تابوت الشهادة“ في سبع مناسبات أيضًا، وعن ”حجاب الشهادة“ في مناسبة واحدة، وعن ”مسكن الشهادة“ في ثلاث مناسبات، وأخيرًا عن ”خيمة الشهادة“ في ست مناسبات. وهذا ما سنتناوله بمشيئة الرب بشيء من التفصيل في المقالات القادمة.

                                                               


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com