عدد رقم 4 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
التحرش  

   اهتز المجتمع بشدة أمام حوادث التحرش التي حدثت في ميدان التحرير ليلة تنصيب رئيس الجمهورية، وقد تصدى الكثيرون لتحليل تلك الوقائع وخلصوا إلى عدة أسباب رئيسية تتلخص في الابتعاد عن القيم الدينية والأخلاقية، وغياب دور الأسرة، الفراغ الهائل، واختفاء دور التربية والتعليم، تأخر سن الزواج، انتشار الفضائيات والمواد التليفزيونية الإباحية واللا أخلاقية، أصدقاء السوء وتعاطي الشباب للمخدرات!! وهناك من ألقى كل اللوم على الجنس اللطيف بصورة مطلقة بسبب ارتدائهم ملابس مثيرة، أو على الشباب المتسيب الذي ترك العنان لشهواته.  

   والمدهش أن هذا يحدث ويتكرر مع انتشار مظاهر التدين لا سيما عندنا نحن المصريين مما يلفت النظر أن هناك خللاً كبيرًا يستحق الدراسة.  وأود أن ألفت نظر القراء الأعزاء إلى أن أول متدين في التاريخ "قايين"، الذي سبق بتقديم القربان، قام على أخيه "هابيل" وقتله! لماذا؟ تجيب على ذلك كلمة الله الفاحصة: "لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة" (1يو3: 12)!  وحتى اليوم تتكرر الخطية بصورة مرعبة من قتل وسلب ونهب واغتصاب، وأيضًا باسم الدين!!

   إن التدين لا يدل على التقوى، فالتدين ممارسات، أما التقوى الحقيقية فقوامها الإيمان، هي علاقة حقيقية حية مع الله الحي الحقيقي، تنشئ مخافة واحترام وتقدير وإكرام لله في القلب، بمساعدة المعونة الإلهية، "كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى" (2بط1: 3).  وما أكثر الذين يرتدون أقنعة التدين الكاذبة المزيفة، وعنهم يذكر الكتاب المقدس: "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها" (2تي3: 5).

   ودعوني، أيها القراء الأعزاء، أصارحكم القول أن التحرش الجنسي - من الجنسين- قديم قدم البشرية، بدءًا من النظرة مرورًا بالكلمة، وحتى الزنا الفعلي!! وينتشر في معظم بلدان العالم، وعلى كل المستويات وإن اختلفت النسبة.  وهل ننسى واقعة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وسكرتيرته الحسناء مونيكا؟؟!! ويكفي أن تكتب كلمة "التحرش" في "جوجل" لتصطدم بهذا الواقع المرير الذي لا يمكن تخيله. 

هل من علاج؟ نعم إذا أردنا!

إن الكتاب المقدس سبق وحذرنا من كل هذا، وأخبرنا أيضًا أن مخافة الله وتقواه هي الحماية الحقيقية من كل مظاهر الفساد، بل إن الشخص المؤمن التقي (من الجنسين) هو أيضًا وسيلة الله لإيقاف انتشار الفساد بل وفضحه!! فقد قال الرب يسوع "أنتم ملح الأرض"، "أنتم نور العالم" (مت5)، وأتمنى من كل قلبي أن نكون كذلك.  وما أروع الكتاب المقدس عندما يوصينا بأن ندقق في كل شيء، حتى الكلام "لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم" (أف4: 29)، "وأما الزنا  وكل نجاسة ... فلا يُسمَّ بينكم .. ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق ... ولا تشتركوا  في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبِّخوها" (أف5: 2-11). 

   الغريزة الجنسية هي غريزة مقدسة، وضعها الله فينا لاستخدامها الاستخدام الصحيح، للغرض الصحيح، في الوقت الصحيح، مع الشخص الصحيح، وحاشا لله أن يضع فينا شيئًا نجسًا كما يتخيل البعض لسبب فهمهم الخاطئ وسوء استخدامهم لها!!

   التحرش بأي وسيلة كانت هو نوع من أنواع الزنا!  فيخبرنا الكتاب المقدس أن "من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه"، وأيضًا: "لا تشته امرأة قريبك".  وعن الزنا الفعلي يقول الكتاب "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا ... أن لا يتطاول أحدكم ويطمع على أخيه في هذا الأمر، لأن الرب منتقم لمثل هذه ... لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة.  إذًا من يرذل لا يرذل إنسانًا، بل الله الذي أعطانا أيضًا روحه القدوس" (1تس4: 3- 8)، يا للهول! من يستطيع أن يقف في مواجهة انتقام الرب نفسه؟! وهذا ما حدث فعلاً مع داود (من فضلك اقرأ القصة كاملة كما وردت في 2صم11، 12).

   وأيا كانت النصائح التي نسمعها من الكثيرين مثل تجنب الأماكن المظلمة والمقطوعة، وعدم الذهاب إلى أماكن غير مألوفة من باب حب الاستطلاع ... وغيرها، ولا شك أن هذا جيد، ولكنني أضيف بعض النصائح من الكتاب المقدس، فالله وحده هو "فاحص القلوب ومختبر الكلى"، ويعرف الدواخل، وعندهلكل داءٍ دواء:

- قراءة الكتاب المقدس والعمل بوصايا الرب "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" (يو14: 15)، ومنها:

- التحريض على الزينة الحقيقية: "ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب. بل إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن.  فإنه هكذا كانت قديمًا النساء القديسات أيضًا المتوكلات على الله يزين أنفسهن" (1بطرس3: 3-5).

- التحريض على الاحتشام "وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن، بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة" (1تيموثاوس2: 10،9).  وليس صحيحًًا بالمرة أن الله يريد للمحتشمة أن تظهر بمظهر غير لائق، فهناك فرق بين الأناقة وعدم الاحتشام، ومن واقع الخبرة كزوج، وأب، وفي مجال عملي في الجامعة أقول للشابات: "مع الاحتشام سوف تحظين باحترام الجميع، كما أن هذا قدام الله كثير الثمن، أما المظهر غير اللائق فسيؤدي إلى التعرض للنظرات غير البريئة والتعليقات السخيفة.  وليست الحرية أن تلبس الفتاة ما تريد، فحريتنا في المسيح فقط وفيما يمجده.

- التدقيق في اختيار الأصدقاء، فالكتاب يقول: "لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة".  ونستطيع أن نرى هذا بوضوح في قصة أمنون وصديقه يوناداب، وهو ابن عمه، وكيف قاده لأن يمارس الخطية في أبشع صورة! ومع من؟! مع أخته!! فكان كأحد السفهاء (اقرأ القصة كاملة في 2صم13)، وإذا حتمت الظروف بالتواجد مع أشرار، فينبغي أن ننفصل في تصرفاتنا عنهم ولنا في يوسف مثلاً.  إن يوسف لم ينفصل عن صديق، أو عن زميل عمل أو دراسة، بل انفصل عن إخوته، فكان لا يشاركهم تصرفاتهم، صحيح أنه تعرض لبعض المتاعب من جراء هذا لكن كم كانت المكافأة عظيمة (تكوين37-42).

- لا تبحث عن أعذار للخطأ ولا تعلق كل شيء على شماعة "الظروف"، فمن هذه الناحية، ما أصعب ظروف يوسف (مثال الطهارة) الذي حرم من حنان الأم وهو طفل، وكان مكروهًا من إخوته، وبيع عبدًا، وواجه التجربة في أبشع صورها وهو في ريعان الشباب، وغير متزوج، من سيدة كانت تستطيع أن تلقيه في السجن، ولكنه قال قولته الخالدة: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله"؟! على العكس من "داود" الرجل الناضج، الملك، المتزوج، والذي كان يمتلك الكثير من الغنى والراحة والرفاهية.  لنتحذر ونحترص فإن الحصاد من نفس نوع الزرع!  ومن يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فسادًا.

- طاعة الوالدين والخضوع لهما في خوف الرب، فهما أحرص ما يكون على مصلحة الأبناء مهما بدا غير ذلك.

- عدم الدخول إلى مواقع بعينها من باب حب الاستطلاع، فإذا كنت تعرف أن في الكوب سُمًا قاتلاً، فهل تجرؤ أن تجرب؟!  فلا تجلس أمام النت من باب تضييع الوقت، فالوقت غالي جدًا وعلينا أن نستغله فيما يفيد.

- وللآباء والأمهات أقول: لا بد أن نتابع أولادنا وبناتنا بحكمة ومحبة ولطف، الثقة فيهم مطلوبة، والحرص والخوف عليهم واجب وضروري، مصادقتهم ومعرفة أين يذهبون ومع من يخرجون ومن يصادقون، وإسداء النصح لهم والوقوف إلى جوارهم وفي صفهم في كل ظروفهم، التي يمرون بها، لا سيما في مرحلة المراهقة، مع الثقة فيهم وتشجيعهم، وإظهار القدوة الحسنة لهم. 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com