عدد رقم 4 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون بيت جدعون نساؤه وأولاده  

«وَذَهَبَ يَرُبَّعْلُ بْنُ يُوآشَ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ.  وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَدًا خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ.  وَسُرِّيَّتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضًا ابْنًا فَسَمَّاهُ أَبِيمَالِكَ» (قض8: 29-31)

---

توقفنا طويلاً في الأعداد السابقة مع السرد المقدس لمحطات إعداد جدعون للخدمة، ودعوته وانتصاراته، لكن الوحي لم يشأ هنا أن يختم لنا حياته دون الإشارة إلى بيته: الزوجات، والأولاد، وذلك لفائدتنا وتحذيرنا.  فنظير الكثيرين بكل أسف، نجد أن "جدعون" لم يكن موفقًا في بيته بالقدر الذي كان فيه موفقًا في خدمته.  وياله من تحذير قوي لجميعنا.  فو إن كانت بيوت المؤمنين عادة مستهدفة من عدو الخير، فإن بيوت الخدام والمؤثرين مستهدفة بشكل أكبر وأعمق بكل تأكيد.

 

أولاً: نساؤه: 

«كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ» (ع30).  وبالرغم من أن هذه كانت العادة في ذلك الزمان؛ وبالأخص وسط القادة العسكريين في هذه المجتمعات الشرقية، إلا أن هذا ليس هو القصد الإلهي مطلقًا منذ بدء الخليقة.  فالله الذي رتب الزواج وصممه، جعل رجلاً واحدًا لامرأة واحدة.  «يْترُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ» (مت19: 5).  هكذا أعاد الرب يسوع المبدأ الإلهي الواضح والقاطع منذ البداية «من البدء لم يكن هكذا»، أي لم يكن في فكر الله سوى ذلك القصد العظيم الذي يضع ليس فقط أساسًا صحيحًا سويًا لأسرة ناجحة، ولكن أيضًا يتوافق مع كون الزواج نفسه رمزًا رائعًا لعلاقة روحية أسمى وأروع بين المسيح والكنيسة.  ويقينًا أن مثل هذه الكثرة في النساء كان منبعها الشهوة ليس إلا.  كما أنه يستحيل معها السيطرة على البيت بأية مبادئ حتى ولو كانت صحيحة.  ومن أجل ذلك كانت النصيحة للملوك بعد ذلك أن لا يكثروا لهم النساء.  وهذا الفخ عينه وقع فيه حكيم الزمان سليمان بعد جدعون بمئات السنين.  فأملن نساؤه قلبه نحو عبادة الأوثان، ويا للهوان!  وإضافة إلى هذه الكثرة من الزوجات، كانت له أيضًا هناك «سُرية» في شكيم ولدت له ابنًا كان بمثابة الطامة الكبرى على هذا البيت بعد ذلك كما سنرى الآن.  فلماذا هذه السرية يا جدعون؟  ألا تكفيك كثرة نسائك هذه؟!


ثانيًا: أولاده:

ولأن نساءه كن كثيرات، كان أولاده كذلك كثيرين، «وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَدًا خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ» (ع30)، (70) ولدًا بالتمام والكمال!  أهذا بيت أم كتيبة عسكرية؟  كيف يمكن لأي أب في العالم أن ينجح في تنشئة (70) ولدًا ويربيهم في خوف الرب وإنذاره؟  إن القصد الإلهي من وراء تكوين بيوت المؤمنين هو أن تكون شهادة نوعية لله في هذا العالم وليس كمًا رهيبًا من البشر يستحيل أن يتحكم في تربيتهم أب واحد، «خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِه».  والأرجح أنهم جميعًا تركوا لتربية "أمهاتهم" دون سلطان أو توجيه أبوي.

ولعل في تسمية جدعون لابنه من سريته التي في شكيم «أبيمالك» والتي تعني حرفيًا (أبي ملك) ما يعطينا ضوءاً على أحد دوافع إنجاب مثل هذا الكم الهائل من البنين، ألا وهو الزهو والافتخار.  والشيء العجيب والمؤسف معًا أن جدعون الذي رأيناه في حلقة سابقة يرفض دعوة الشعب له لكي يتسلط هو عليهم؛ هو وابنه، وابن ابنه، قبلها بأعداد قليلة فقط (قض8: 22، 23)، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الرب وحده هو الذي له الحق في أن يتسلط عليهم، نراه هنا يُسمي ابنه "أبي ملك" وكأنه هو الملك، وابنه بالتالي هو "ابن الملك"! فماذا كانت النتيجة؟  مأساة مروعة بكل المقاييس يندر وقوع مصيبة نظيرها في بيوت الأشرار بكل أسى وحسرة! إذ قام أبيمالك هذا بعد موت جدعون أبيه، والذي جاء من سريته التي في شكيم، قام بخدعة رهيبة لسائر إخوته السبعين ففرض سيادته عليهم وترأسه لهم، وقام بقتل جميع أولاد جدعون السبعين ولم ينج منهم سوى يوثام الأصغر لأنه اختبأ.  لقد بدأ أبيمالك الخدعة بأن يتسلط رجل واحد (هو طبعًا) خير من سبعين يتسلطون!  وأنهاها بمذبحة إرهابية غادرة وشنعاء!  بدأها بالحكم والتسلط، وأنهاها بالإرهاب والدماء!!

حقًا يا لمأساة بيت جدعون! ويا لمأساة كل بيت يخرج عن الترتيب الإلهي منذ البداية: رجل واحد لامرأة واحدة، كلاهما من عائلة الإيمان؛ عائلة الله.  ينجبان –إذا سمح الرب ومنح- نسلاً يشهد لله.  وخلاف ذلك لا يوجد سوى الحصاد المرير والأسى، وربما بسبب هؤلاء الأولاد عينهم، حتى ولو كان هذا البيت هو بيت جدعون، جبار البأس!

أحبائي

إن بيوتنا: أزواجًا وزوجات، أولادًا وبنات، ينبغي أن توضع في مقدمة أولوياتنا الروحية والزمنية بعد الرب مباشرة، وقبل أية خدمة، أو نشاط، أو عمل.  ويقينًا لن يتمجد الرب مطلقًا عندما نهمل بيوتنا بداعي "خدمته"، أو بداعي "تحسين مستوى الأسرة" وفي الحالتين نخسر الأسرة كلها، بعد أن نكون (ربما) نجحنا كخدام، وكوَّنا الثروات كرجال أعمال:  فليحفظنا الرب.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com