عدد رقم 4 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الجسد الواحد وتنوع الأعضاء (1كو12:12 - 27)  

   بعد أن تكلم الرسول عن المواهب الروحية واستخدامها بالروح القدس، حسب توجيه الرب للخادم، الذي بدوره يُظهر كل خضوع لسلطانه وربوبيته، تاركًا النتائج والتأثيرات لله الذي يعمل في النفوس ويضمن الثمار.  وأوضح أن الروح القدس هو مصدر المواهب، وأنه يقسم المواهب لكل واحد بمفرده وليس لفئة معينة، وأنه يستخدمها للمنفعة وبنيان الجسد كله، وأنه يفعل ذلك كما يشاء أي بمقتضى سلطانه وحريته (ع1 – 11)؛ انتقل في الأعداد من 12 إلى 27 ليتحدث عن تنوع الأعضاء في الجسد الواحد.

 ومن المهم أن نفهم أن الكنيسة كجسد المسيح ذُكرت صراحة مرتين فقط في هذه الأعداد: «لأننا جميعنا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد»، «وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا» (ع13، 27).  أما في بقية الأعداد فيتكلم عن جسم الإنسان كوسيلة إيضاح.  وفي ع12 يقول «لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة، وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضًا»، ولم يقل ”كذلك الكنيسة“، مع أنه يتكلم عن الجسد وليس الرأس.  ذلك لأن الجسد يُعبِّر عن الرأس، والرأس مُمثَّل في الجسد.  هذا الجسد تكون بمعمودية الروح القدس يوم الخمسين (ع13)، ولم يكن الهدف منها أن نذهب إلى السماء بل أن يكون للمسيح الرأس، جسدٌ واحدٌ على الأرض.

  هذا الجسد يُظهر أدبيًا صفات المسيح الذي ارتقى إلى السماء وغاب عن العالم.  الروح القدس الموجود الآن على الأرض في المؤمنين، يُعيد إنتاج نفس حياة المسيح وصفاته وأخلاقياته وأعماله أمام العالم، وذلك من خلال كل أعضاء الجسد المتنوعة.  وكأنه يقول للعالم: هذا هو المسيح الذي لم تعرفوه.  ونلاحظ أن معمودية الروح القدس تُنحي جانبًا كل الفوارق الجسدية والعِرقية والاجتماعية (يهود أو أمم، عبيد أو أحرار، مُتعلِّمين أو جُهَّال، أغنياء أو فقراء).  فالجميع بروح واحد اعتمدوا إلى جسد واحد، والجميع سكن فيهم الروح الواحد، ويتمتعون بذات البركات والامتيازات، ولهم نفس المسؤوليات.  ونؤكد أن الجسد يتكون من مؤمنين حقيقيين فقط سكن فيهم الروح القدس، وليس خليطًا من المعترفين بالمسيح اسميًّا.

   من هذه النقطة يبدأ الرسول حديثه عن تنوع الأعضاء ويأخذ تشبيه جسم الإنسان كمثال للتوضيح، مؤكدًا بعض الحقائق العملية الهامة (ع14 – 19):

أولاً: الجسد ليس عضوًا واحدًا بل أعضاء كثيرة، وهذه الاختلافات تحقق التكامل.  وأخطر شيء يُعطِّل وظائف الجسد أن يُهمل العضو وظيفته الخاصة، ويحسد بقية الأعضاء التي تبدو أكثر أهمية.  «إن قالت الرجل لأني لستُ يدًا، لستُ من الجسد.  أفلم تكن لذلك من الجسد؟  وإن قالت الأذن: لأني لستُ عينًا، لستُ من الجسد.  أفلم تكن لذلك من الجسد؟  لو كان كل الجسد عينًا فأين السمع؟  لو كان الكل سمعًا، فأين الشم؟ ...» (ع15 – 17)، وهكذا.  والنتيجة أن هذه الأعضاء التي تشكو وترفض دورها ستتوقف عن العمل، وتزاحم بقية الأعضاء في وظيفتها، والجسد لن يؤدي دوره بكفاءة كما أراده الله، لأجل تعظيم المسيح أمام العالم.  

   وكيف عالج الرسول هذا الأمر والشكوى بين أعضاء الجسد؟  لقد قال: «أما الآن فقد وضع الله الأعضاء، كل واحد منها في الجسد، كما أراد» (ع18).  إن كان هذا في جسم الإنسان فبالأولى في جسد المسيح على الأرض الذي هو الكنيسة.  فالله هو الذي أعطى كل واحد المكان المُحدد والوظيفة المُحددة له، كما أراد، ولا يوجد عضو أسمى من الآخر.

ثانيًا: في (ع20 – 24) يناقش الرسول الخطر الآخر وهو إذا نظرت الأعضاء الأكثر تميُّزًا إلى الأعضاء الأقل بنظرة ازدراء واحتقار، فيقول: «لا تقدر العين أن تقول لليد: لا حاجة لي إليك! أو الرأس للرجلين: لا حاجة لي إليكما!  بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية.  وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل» (ع21 -23).  وقد رأينا أن الحسد يفقدنا بركة التنوع، كذلك فإن الازدراء يفقدنا بركة الوحدة، فكل عضو له أهميته ولا يستغني عن الآخر بل يحتاج إليه، وإلا ستذهب وحدة الجسد ويُفقَد التكامل.  

   وكيف عالج الرسول أيضًا هذا الخطر؟  لقد قال: «الله مزج الجسد، معطيًا الناقص كرامة أفضل، لكي لا يكون انشقاق في الجسد» (ع24، 25).  يجب أن ندرك أن الله هو الذي وضع كل واحد في مكانه بحسب حكمته وقصده، ومزج كل الجسد بهذا الشكل بحيث لا يستغني عضو عن الآخر، وعلينا أن نقبل ما قصده الله لنا دون تذمر، ونقبل الآخر دون حسد، لفائدة الجسد كله.  ولا يستطيع عضو بمفرده أن ينجز كل العمل دون الحاجة الضرورية لبقية الأعضاء.

   وهكذا استعرض الرسول الخطرين اللذين يُهددان وظائف الجسد وهما:

1- الشعور بالنقص وعدم القناعة من جانب الأعضاء الخفية وغير البارزة، بالمكان المخصص لها من الله.
2- الازدراء والتعالي من جانب الأعضاء البارزة نحو الأعضاء الضعيفة والصغيرة، والشعور بعدم أهميتها.
   والعلاج هو استحضار الله الذي عيَّن ووضع كل عضو في مكانه كما أراد، ومزج كل الجسد ليحقق التكامل.  ولنعلم أنه لا يوجد عضو بارز يسمو ويتفوق على بقية الأعضاء، ولا يوجد عضو صغير يمكن الاستغناء عنه.

   وعندما نحترم ترتيب الله، ويأخذ كل عضو مكانه ويؤدي دوره لفائدة الجسد كله، ستكون النتيجة، ليس فقط عدم الانشقاق في الجسد، بل تهتم الأعضاء اهتمامًا واحدًا بعضها لبعض كل واحد للآخر، أي اهتمام تبادلي (ع25).  «فإن كان عضوٌ واحدٌ يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه.  وإن كان عضوٌ واحدٌ يًُكرَم، فجميع الأعضاء تفرح معه» (ع26).
  والرسول لا يقول: هذا ما يجب أن يحدث، بل إن هذا ما سيحدث بتلقائية.  وبالأسف فإن الطائفية والتحزب تضعف هذا الإحساس بالجسد الواحد، وتقود للانعزالية، بينما الاجتهاد للحفاظ على وحدانية الروح برباط السلام عن طريق الاتصال الصحيح بالرأس والخضوع له، سيجعلنا نشعر بالآخرين ونتعاطف معهم لأننا جسد واحد، وننتمي لرأس واحد، وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا.  كذلك فإن الحالة الروحية الهابطة، وتسرب الروح والمبادئ العالمية، والأنانية ومحبة الذات، تُضعف الأحاسيس الروحية فلا نعود نشعر بالآخرين، ولا نرى إلا أنفسنا، بينما السلوك بالروح والقرب من الرب يجعلنا أكثر إحساسًا بالآخرين وتعاطفًا معهم، لكونهم أعضاء الجسد في أي مكان.  وقد ننجح في الامتحان الأول إذ نشارك المتألمين في أحزانهم، ونتعاطف معهم، ولكننا كثيرًا ما نفشل في الامتحان الثاني، حيث لا نفرح بخير الآخرين ونجاحهم وإكرام الرب لهم، وذلك بسبب الأنانية والغيرة الجسدية والتمركز حول الذات.

   وبعد أن استعرض الرسول هذه الحقائق مستخدمًا جسم الإنسان كوسيلة إيضاح لحقيقة جسد المسيح، طبَّق هذا الحق على الكنيسة المحلية باعتبارها جسد المسيح في هذا المكان، فقال للمؤمنين في كورنثوس: «وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا» (ع27).  وكما فهمنا في مرة سابقة أن الرسول لم يستخدم في كلمة «جسد» هنا أداة التعريف، ولا استخدم أداة التنكير، لأنه يريد أن يقول: أنتم لستم كل الجسد، ولستم جسدًا مستقلاً، ولكنكم أنتم المجتمعون معًا في مكان واحد تمثلون الجسد في هذا المكان.  وليس في كورنثوس فقط بل حيثما تجتمع الكنيسة (كل المؤمنين رجالاً ونساءً معًا)، بحسب المبدإ الكتابي الصحيح إلى اسم المسيح، ويأخذ هو مكانه كالرأس والرئيس، فإنهم يُمثلون الجسد الواحد في هذا المكان.  وكل ما قيل عن التناغم والتكامل والتعاطف بين أعضاء جسم الإنسان، فإنه ينطبق روحيًا على هؤلاء المؤمنين المجتمعين معًا باعتبارهم كنيسة الله وجسد المسيح بغض النظر عن عددهم.

وللحديث بقية إذا شاء الرب     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com