عدد رقم 3 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نتائج وحصاد السقوط في الخطية  


لم يكن يدري داود أن الخطية التي تساهل فيها سيكون لها الحصاد المرير بهذا الكم، فبدءًا من أصحاح السقوط حتى نهاية حياته، حصد داود الكثير من النتائج منها:

1-  الحصاد من نفس نوع الزرع:  وإن كان الحصاد أكثر.  فهو فعل في السر وحصد في ضوء الشمس، فعل مرة وحصد ذات الخطية أكثر من مرة (زنَى أبشالوم مع سراريه على السطح، وزنَى أمنون مع ثامار)، حتى القتل رد كما حكم على نفسه أربعة أضعاف؛ فمات له أربعة أولاد، ثلاثة في حياته وواحد بعد رحيله، وثلاثة منهم قتلوا.

2-  فُقدان التعزية: احتضن داود الشَّر مدة لا تقل عن عام، فلم يعترف كما نرى في مزمور 51 إلا بعد أن جاء له ناثان النبي، وبحسب مزمور 32 عندما سكت ولم يعترف بخطيته، بليت عظامه من زفيره اليوم كله، وتحولت رطوبته إلى يبوسة القيظ (رطوبته بمعنى تعزياته)، فَقَدَ التعزيات.  فإن كان المؤمن يُحْزِن الروح الذي يقود للفرح، فكيف يفرح بعد ذلك؟!

3-  فقدان الهيبة: أرسل خطابًا مكتوبًا إلى يوآب بخصوص وضع أُوريَّا في وجه الحرب الشديدة، وربما احتفظ يوآب بهذه الورقة كحجة ضد داود، وأعتقد أن كلام يوآب الصعب وتهديده لداود يوم مقتل أبشالوم، يُفْهَم منه أن داود كان صغيرًا في عيني يوآب، وربما الموقف الذي نحن بصدده هو السبب.

4-  تبلد المشاعر: تخيل يوآب أن داود بمجرد علمه بمقتل بعض الجنود سيثور، لكن ما يدعو للأسف أن داود كان رده في منتهي البلادة «لا يسوء الأمر في عينيك، السيف يأكل هذا وذاك»، لهذه الدرجة كانت دماء شعب الرب رخيصة عند داود؟ لهذه الدرجة داود - الذي في يوم من الأيام حافظ على شاة من القطيع وأنقذها من فم الأسد، وقتل الأسد والدب مخاطرًا بنفسه - هو بنفسه يضع بعض رعية الشعب في فم الأسد والدب؟!  لكن هذا هو حال المؤمن عندما يفقد الحواس المُدرَّبة، وفي تبلده لم يؤثر فيه كلام أُوريَّا عندما ضحَّى بحقوقه المشروعة؛ وذلك لأن مشاعر أُوريَّا كانت في الحرب مع يوآب ورجال إسرائيل، حتى بعد أن أسكره، وبدلاًً من التأثر بسمو أخلاق هذا البطل، نراه يكمل جريمته بخطية أخرى؛ وهي القتل.  ومن العجيب أن تكريس أُوريَّا تعلَّمه من داود نفسه عندما سمعه وهو يقول لناثان كلامًا يُفهم منه أنه كيف يسكن في بيت من أرز وتابوت الرب يسكن في خيمة (2صم7).  وكم يحوي هذا التوبيخ لنا عندما ننادي بمبادئ ويأتي يوم نضعف ولا نعيش بها، ومَنْ سمعوها منا وتأثروا بها يعيشونها!

5-  جلب المشاكل والمتاعب: فلسبب سقوط داود في الخطية جلب على نفسه عداوة مع مشيره وهو أخيتوفل، ومن المعروف عنه أن مشورته كانت صائبة، وكانت كمَنْ يسأل الله (2صم16: 23).  فانقلب عليه وصار مع أبشالوم، ولولا السياج الإلهي وإبطال الله لمشورته، لكان تنفيذ المشورة التي أشار بها على أبشالوم كافية لقتل داود.  ويقال إن سبب انقلاب أختيوفل على داود أنه كان جِدًا لبثشبع زوجة أُوريَّا، ولسبب خطية داود أراد أن ينتقم منه بالتحول ضده.  

 

معاملات الرب في رد النفس

تعطَّلت شركة داود مع الرب لسبب الخطية قرابة سنة، وهي فترة بلا شك كانت صعبة، لم يكن له فيها مزامير أو صلوات.  وربما تآلف مع الضعف، لولا تحنن الرب عليه بإرساله له ناثان النبي.  فإن كان الرب أرسل له في وقت سابق صموئيل لمسحه ملكًا، وفي وقت لاحق أرسل الرب له جاد النبي لمساعدته في تقديم ذبائح، ها هو يرسل له ناثان النبي لرد نفسه.  وكم كان تأثير القصة التي سردها ناثان الخاصة بالفقير والنعجة والغني صاحب النعاج الكثيرة الذي عندما جاءه ضيف أخذ نعجة الرجل الفقير، وبحسب القصة: أُوريَّا هو الرجل الفقير صاحب النعجة الواحدة، وداود الرجل الغني صاحب النعاج الكثيرة الذي عندما سيطرت عليه الشهوة (الضيف الذي جاء) لم يضبط نفسه، وكسر ثلاث وصايا دفعة واحدة: لا تشته امرأة قريبك، لا تزن، ولا تقتل.

داود لم يعلم أن الخطية تُفعل أمام الله وهي في حقه أولاً، بغض النظر عن مَنْ أُضير بسببها، سوى بعد رد نفسه.  فيقول في المزمور «إليك وحدك أخطاتُ، والشَّر قدَّام عينيك صنعتُ» (مز51: 4).  وقبل أن يطلب ناثان الحُكم من داود على المُخطئ انفعل داود وحَكم، ظانًا أن هذا الفعل الرديء المُستفز صدر من أحد رعاياه، فقال: «حيٌّ هو الرب، إنه يُقْتَل هذا الرجل الفاعل ذلك، ويردُّ النعجة أربعة أضعاف»، مع أن الوصية أنه يرد المسلوب مضافًا إليه الخُمس، ودائمًا يتبع السقوط في هذا الشَّر القسوة على الآخرين وإدانتهم في ذات الخطأ (الذين رفعوا حجارة على المرأة التي أُمسكتْ في ذات الفعل أيام الرب كانوا متورطين في ذات الخطية).  وهذا ما يسمَّى بالإسقاط.  وعادةً هذه الخطية بالذات النَّجاسة ترتبط بالشراسة (يظهر هذا في حُكم يهوذا على ثامار عندما سمع أنها زنت مع أنه كان شريكًا في الفعل، فقال يهوذا: «أخرجوها لتُحرَق» (تكوين24:38).

وكانت الكلمة التي اخترقت ضميره على فم ناثان النبي هي: «أنت هو الرجل!».  فكان داود يظن أنه القاضي، ولم يكن يدري أنه المتهم، وعندما وقع في قفص الاتهام قال: «قد أخطاتُ إلى الرب»، فسمع من ناثان النبي القول المشجع: «فقال ناثان لداود: الرب أيضًا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت» (2صم 13:12).

فهذه الخطايا الشهوة والقتل والزِّنَى، نُقِلَت على جسد الرب يسوع على الصليب.  نقول هذا بكل إجلال: إن الرب حَمَلَ جميع الخطايا البشعة والكثيرة في جسده الكريم «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شُفيتم» (1بط  24:2).

ومن المعروف أن الذبائح في العهد القديم كانت تصلح للخطايا السهو وليس العمد، مثل الخطايا التي نحن بصددها؛ لهذا قال داود في مزمور التوبة: «لأنك لا تُسرُّ بذبيحةٍ وإلا فكنت أُقدِّمها. بمحرقةٍ لا تَرضى» (مز16:51).  لكن ما فشلت فيه ذبائح العهد القديم، نجح فيه الذبيح الكامل شخص ربنا يسوع المسيح.

والمشجع أن هذه الخطايا مع أنها من الكبائر (مز19: 16)، إلا أنها غُفرت إلى التمام.  فكان لداود أن يتغنَّى: «طوبى للذي غُفِرَ إِثمه وسُترت خطيتهُ» (مز 1:32). ليت الرب ينعم علينا بحياة القداسة العملية، ولنخش الخطية بكل صورها.

              

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com