عدد رقم 3 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جِيل غَير مُصَلِّي  


   سُئل أحد المرسلين الأجانب من أحد الخدام العاملين في حقل الشباب أثناء زيارته لبلادنا: ما هو أكبر خطر يهدد الشباب المؤمنين في هذه الأيام؟  كان هذا المُرسَل متقدمًا في العمر، وقد خدم الرب لسنوات طويلة، وعاصر أجيالاً من المؤمنين في أماكن كثيرة حول العالم.  وقبل أن يجيب أحنى رأسه وظهر الأسى على ملامح وجهه، ثم أجاب إجابة قصيرة بصوت أسيف: «جِيل غَير مُصَلِّي».  كان متوقعًا أن يقول إن الخطر الأكبر هو التمرد والاستقلالية أو تأثير الإنترنت أو مصادر الإباحية أو روح العالم التي غزت قلوب الشباب ... الخ.  لكن لم يكن كل هذا هو التهديد الأكثر خطورة، بقدر إهمال الصلاة.

   بالرغم من أن مصادر المعرفة ازدادت، والرغبة في الخدمة والأنشطة تضاعفت، وقاعات الاجتماعات قد امتلأت، وأصوات الترنيم علت وأخذت أشكالاً جذابة، لكن الجهاد في الصلوات صار مُفتقَداً بين المؤمنين عامة ووسط الشباب على وجه الخصوص.

   فحياة الصلاة مؤشر دقيق لمحبتنا للرب ولشعب الرب، سواء الصلاة الجماعية أو صلاة المخدع.  قال تشارلس ماكنتوش: "إن حب السفر قد يأخذني من لندن إلى إدنبرة لزيارة الإخوة، وحب الكتابة قد يدفعني لإرسال خطابات في كل فرصة تتاح لي أن أفعل ذلك، بينما الحب الحقيقي للمسيح وحب للنفوس يقودني دائمًا أن أصارع وأجاهد مثلما فعل أبفراس من أجل شعب الرب الغالي كي يثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله".

   الصراع المقدس في المخدع هو جهاد ثمين، ولا يتطلب موهبة خاصة، ولا وزنات مميزة ولا قدرات عقلية فائقة، فكل مؤمن يمكن أن يختبره.  ربما يوجد شخص غير قادر على الوعظ أو التعليم أو الكتابة أو السفر، لكن كل واحد يمكنه أن يصلي.  قال أحد رجال الله: "أحيانًا نسمع عن "موهبة الصلاة !" هذا ليس تعبيرًا دقيقًا أو كتابيًا.  غالبًا ما يُقصد به مجرد التلاوة الفصيحة لحقائق وآيات معينة معروفة ومخزونة ، تذخر بها الذاكرة ويطلقها اللسان، وهذه ليست الصلاة الحقيقية.

   إن الصلاة بالنسبة للمؤمن تشبه عملية التنفس بالنسبة للكائن الحي.  وأصغر طفل فى عائلة الله  يمكن أن يصلى وينتظر وينال الجواب ويعود بالشكر للرب.  مؤمن بدون صلاة مثل غصن جاف بدون عصارة، والحياة التي تفتقر للصلاة هي حياة هزيلة وتفتقر للقوة.

   نحن في حاجة ماسة الى روح صلاة تتلامس مع الاحتياجات الحقيقية للنفوس، بمثابرة وحرارة وجهاد كثير في عرش النعمة.

 "جون ولش" -الواعظ الاسكتلندي-  كان يعتبر أن اليوم الذي لا يقضي فيه ساعات طويلة في الصلاة هو يوم ضائع ومفقود من حياته.  وعندما رأته زوجته فى ليلة شديدة البرودة، وهو راكع على ركبتيه يصلي ويبكي، وعاتبته على إهماله لجسده وصحته، قال لها: "آه، لو كنت تعلمين أن آلاف النفوس من البشر سوف تُطلَب مني، وأنا لا أدري كيف يكون مصير الكثيرين منهم، لأتيتي وركعتي بجانبي واشتركتي معي في الصلاة".

   علاوة على أنه لا يوجد شيء يعمق اهتمام الخادم بالنفوس كعادة الصلاة المستمرة من أجلهم.  صلوات من أجل جميع الناس، من أجل القديسين وبنيانهم وثباتهم، ومن أجل البعيدين لخلاصهم.  كان بولس مشغولاً بالمؤمنين في كولوسي ولاودوكية وهيرابوليس وهو لم ير وجوههم في الجسد.  واهتمامه دفعه للصلاة لأجلهم، وصلواته جعلته شغوفًا أكثر بحالتهم ومتابعتهم.  وكان يتمخض بالمؤمنين في غلاطية إلى أن يتصور المسيح فيهم.  وللمؤمنين في أفسس لكي يتأيدوا بالقوة بروحه ويحل المسيح بالإيمان في قلوبهم. 

   وبالإشارة إلى البعيدين وغير المؤمنين، عندما ننشغل بهم ونضعهم أمام الرب، سوف ننظر إلى رجوعهم للرب بكل التقدير والاعتبار، وبامتنان شديد للرب. 

   كل خدمة مؤثرة وناجحة ورائها ركب راكعة وقلوب ضارعة، وإلا ستصبح نحاسًا يطن أو صنجًا يرن. "نحن نصلي قليلاً! وأكثر من هذا فإنه لا يوجد رجاء في حدوث تغيير كبير نظرًا للشعور بأن الصلاة مجرد واجب نؤديه" (أندرو موري).

   يجب أن ترفع الصلوات بمواظبة فى كل الأوقات، وتحت كل الظروف بلا كلل أو ملل.  إن الهزال والوهن يأتيان لا من كثرة الصراع في الصلاة بل من افتقادنا لهذا النوع السامي من الجهاد المقدس مع الرب في المخدع.  فالقلب يمكن أن يفيض في عرش النعمة بالتضرعات في أي وقت في الصبح باكرًا أو في وسط النهار، في المساء أو في منتصف الليل.  وأذن أبينا السماوي دائمًا مفتوحة لتصغي.  وحينما نأتي إليه، سنجده مستعدًا أن يجيب توسلات الضارعين، حتى وإن صعدت من نفوس هشة وضعيفة، وتصاعدت أنات قلوبهم من قلب السجن أو بطن الحوت.  قال واحد: "مَنْ أراد أن يُدْخِل سهمه في كبد السماء، عليه أن يطلقه من قوسٍ مُنحنٍ تمام الانحناء.  وأفضل الصلوات هي التي تحوي الكثير من التأوهات والقليل من الكلمات".

   يارب .. إننا نأتي إليك ضارعين كما طلب التلاميذ قائلين: «عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ».

   ليتك يارب، ليس فقط تقيم بيننا أمثال أبفراس، بل رغبة قلوبنا أن تصنع من كل واحد منا رجل صلاة.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com