عدد رقم 3 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أبْطَال وأفْعَال ... ودروسٌ للأجْيَال  


(قراءة في أبْطَال داود)

(2صم23؛ 1أخ11، 12)

(3)

تحدثنا فيما سبق عن بعض الصفات والسمات الأدبية التي يتشارك فيها أبطال داود.  وتكلَّمنا عن:

أولاً: الاجتماع إلى داود (1صم22: 1، 2؛ 1أخ12: 1، 8، 16، 19، 20، 22، 23).

ثانيًا: ترتيب الأولويات والخبرة بِالأَوقَات (1أخ12: 32).

ونواصل في هذا العدد تأملاتنا، فنقول:

ثالثًا: التسلّح للحرب (ع1، 8، 25، 33، 35، 36، 37، 38):

إن القراءة المتأنية للأصحاح الثاني عشر من سفر أخبار الأيام الأول تُعطينا انطباعًا راسخًا عن أجواء ميادين المعارك، وساحات الحرب.

فنلاحظ تكرار كلمة ”الحرب“ ثمان مرات (ع1، 8، 25، 33، 35، 36، 37، 38).

وكلمة ”القتال“ تُذكر أربع مرات (ع19، 23، 24، 33).

وتتكرر كلمة ”جيش“ ست مرات (ع8، 14، 21، 22، 36، 37).

وتعبير ”جبابرة البأس“ يُذكر خمس مرات (ع8، 21، 25، 28، 30).

ونلاحظ أيضًا تكرار الحديث عن ”أسلحة“ هؤلاء الأبطال؛ «الْقِسِيِّ ... الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ» (ع2)، «أَتْرَاس وَرِمَاح» (ع8، 24، 34)، «جَمِيعِ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ» (ع33).

لم يكن داود في زمان رفضه في حاجة إلى أناس يُظهرون إعجابهم به من بعيد، ويُخلصون له في الخفاء، بل إلى أناس يُعلنون ولاءهم له جهرًا، ويتبعونه بكل قلوبهم، ويكونون مساعدين له، باعتبارهم جبابرة بأس مُدرَّبين على الحرب (ع2، 8، 38).

وهكذا في يومنا هذا؛ إن اتباع الرب ليس أمرًا سهلاً، والرب يريد أناسًا لهم صفات الجنود (2تي2: 3، 4).  فالمسيحية ليست ساحة للألعاب، بل ميدانًا للمعارك.  ومع أننا لا نعرف لنا أعداء بشريين، ولكن الأعداء الروحيين، فالعالم حولنا، والجسد فينا، والشيطان ضدنا.  نعم، العالم بشهواته، يريد أن يجذبنا وراءه؛ وكل ما في العالم ”شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة“ (1يو2: 16).  ثم أيضًا الجسد فينا باهتماماته التي هي في مجملها عداوة لله (رو8: 7).  وأخيرًا وليس آخرًا الشيطان علينا، بتشكيلاته المرعبة، وبشرِّه ودهائه وخبثه.  فماذا نحن فاعلون؟

علينا أن ندرك أن الحرب الروحية تتطلب رجالاً وسلاحًا وقائدًا، وغياب أي من هذه الثلاثة لا بد أن تتبعه الكسرة والهزيمة.

أما عن أسلحة محاربتنا فنقول إن «أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ» (2كو10: 4).  ونحن لدينا أسلحة للمحاربة ضد أعدائنا الثلاثة:

(1) في مواجهة الجسد نلبس أسلحة النور (رو13: 12): «قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ.  لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ.  بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَد لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رو13: 12-14).

(2) في مواجهة العالم نحمل سلاح البر (2كو6: 7): «وَلَسْنَا نَجْعَلُ عَثْرَةً فِي شَيْءٍ لِئَلاَّ تُلاَمَ الْخِدْمَةُ.  بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ، فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ، فِي طَهَارَةٍ، فِي عِلْمٍ، فِي أَنَاةٍ، فِي لُطْفٍ، فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، فِي مَحَبَّةٍ بِلاَ رِيَاءٍ، فِي كَلاَمِ الْحَقِّ، فِي قُوَّةِ اللهِ بِسِلاَحِ الْبِرِّ لِلْيَمِينِ وَلِلْيَسَارِ» (2كو6: 3-7 قارن من فضلك 1أخبار 12: 2 مع 2كو6: 7).

(3) في مواجهة الشيطان وأجناد الشر الروحية نلبس سلاح الله الكامل (أف6: 11): «الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.  فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ ...» (أف6: 11-18).

1-     منطقة الحق لكي نتحصن بها من سلاح الزيف والوهم.

2-     درع البر لكي يقينا من سلاح الإثم والفساد.

3-     حذاء إنجيل السلام لكي يحمينا من سلاح الخوف والترهيب.

4-     ترس الإيمان لكي نُطفئ به سلاح الشك في صلاح الله وعدم اليقين.

5-     خوذة الخلاص التي نرتديها لتحفظنا من سلاح اليأس والإحباط.

6-     سيف الروح ليُمكننا مقاومة إبليس وهزيمته بكلمة الله كما فعل ربنا يسوع المسيح.

7-     الصلاة التي هي الوسيلة التي تتحول بها كل البركات التي لنا في المسيح إلى واقع حقيقي في حياتنا، يمدنا بالقوة، ويضمن لنا النصرة.

رابعًا: الشجاعة تُلهم الشجاعة (1صم17: 34-36؛ 1أخ11: 22):

إن الشجاعة مثل الجُبْن، مُعدِّيَّة.  فالشجاعة تُلهم الشجاعة.  عندما نقرأ قصة شاول لا نجد أي ذكر لجبابرة بأس، بل إننا نجده يعتمد على المرتزقة والمأجورين «وَإِذَا رَأَى شَاوُلُ رَجُلاً جَبَّارًا أَوْ ذَا بَأْسٍ ضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ» (1صم14: 52)، ولكن أولئك الجبابرة بالأسف تبعوه مرتاعين «وَكُلُّ الشَّعْبِ ارْتَعَدَ وَرَاءَهُ» (1صم13: 7).  وعلى العكس من ذلك فإن الذين أتوا إلى داود – كما يُخبرنا الوحي – أتوا من تلقاء أنفسهم، وبدافع الحب له.  وهكذا اليوم فإن الرب يسوع لا يُجبر أحدًا على اتّباعه، ولكن أبطاله الحقيقيين يُفضّلون الموت على تركه!

ولا يبدو أن هناك من يُشبه أبطال داود ”الثلاثة الأوُل“ ولا ”الثلاثة ولا حتى ”الثلاثين“، بين الذين تبعوا شاول، بل إن جميع الذين تبعوه «ارْتَاعُوا وَخَافُوا جِدًّا» (1صم17: 11، 24).  لقد كان شاول يفتقر إلى شجاعة داود، والقدرة على جذب وإلهام جبابرة البأس.  قيل عن أبي شاول أنه جبار بأس (1صم9: 1)، لكني لا أرى هذا اللقب يُطلَّق على شاول أبدًا.  حين سخر جليات من شعب إسرائيل ومن إلههم، لم نرى شاول يخرج ليُخرِسه، ولم نجد أيًّا من أتباعه يرغب في فعل ذلك أيضًا.  وحين تراجع شاول للخلف بسبب التحديات، تراجع رجاله أيضًا «َلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ كَلاَمَ الْفِلِسْطِينِيِّ هَذَا ارْتَاعُوا وَخَافُوا جِدًّا ... وَجَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ لَمَّا رَأُوا الرَّجُلَ (جُلْيَات) هَرَبُوا مِنْهُ وَخَافُوا جِدًّا» (1صم17: 11، 24).  ويبدو أن رجال شاول كانوا ميالين للفرار أكثر من الصمود (1صم 13: 5-7).

ولكن داود كان رجل الشجاعة.  حين هدد أسد ودب قطيع أبيه، رفض السماح بأي خسارة.  حين جدف جليات على اسم الرب، حاربه داود وقتله.  فهل من عجب أنه جذب إليه من يحملون نفس الفكر والتوّجه؟  ويا للبطولات التي يمكن إتمامها بإيحاء نفس واحدة!  لقد أصبح الرجل الذي وقف أمام جليات، مُحاطًا برجال شجعان، تحدوا بكل سرور نسل جليات (2صم21: 15-22).  إن الشجاعة تلهم الشجاعة، وداود كان رجل الشجاعة.  فلا عجب أن نجد هذا الكم من الأبطال بين القريبين منه.  بل أن الأعمال التي عملها داود، عمل مثلها أبطاله، بل عملوا أعظم منها (1صم17: 34-36؛ 1أخ11: 22؛ يو14: 12).  

والأمر صحيح اليوم، كثيرًا ما يرعب أصحاب القلوب الضعيفة شعب الرب، هؤلاء الذين لا يرغبون في الثقة في الله، ويخافون من أي لمحة من معارضة أو مقاومة.  ولكن رفقة الشجعان توحي وتُلهم الشجاعة.  وما تحتاجه الكنيسة اليوم، ودائمًا، هو صحبة من رجال ونساء جبابرة بأس، والذين من خلالهم سيضع الله أمورًا عظيمة، ومن خلالهم سيُلهِم الله آخرين أيضًا.

أيها الأحباء: إن أعظم شعور ونحن نخوض معاركنا الروحية أن مَن يُحبنا بجانبنا، بكل عواطفه التي لا تتبدل، وبكل حكمته التي لا تُخطئ، وبكل قوة ذراعه التي لا تعجز أبدًا، فيؤول هذا إلى تشديد إيماننا وإنهاض عزائمنا، فنهتف مع الرسول المغبوط: «يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا» - أي سنُحرِز نصرًا عظيمًا ساحقًا - وذلك «بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رو8: 37). 

                                                                             (يتبع)

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com