عدد رقم 3 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كنيسة سميرنا  


(رؤ2: 8 – 11)

(من سنة 167م إلى سنة 313م)

   الكلمة الموجهة إلى ملاك كنيسة سميرنا هي كلمة تشجيع وتعزية بما يتناسب مع ظروفها الخاصة، وهي تعلن قلب الرب الحنون من نحو خاصته المتألمة.

   ولقد وقعت أشد الاضطهادات على المسيحيين في سميرنا، ولهذا اتخذها الروح القدس لتمثل عصر الاضطهاد في الدور الثاني من تاريخ الكنيسة النبوي.  وتُعتبر هذه الرسالة هي أقصر الرسائل، لكننا لا نجد فيها كلمة توبيخ أو لوم واحدة. 

   وكلمة ”سميرنا“ تعني ”المر“، وهو صمغ عطري يُفرز من شجيرة صغيرة ويُسحق لكي يُعطي رائحته الجميلة.  وهنا نرى الكنيسة مسحوقة في نار الاضطهاد، وقد تصاعدت منها رائحة بخور عطر إلى الله.

   واجهت سميرنا نوعين من الهجوم: هجوم من الخارج مُمثل في الاضطهاد الشديد الذي أوقعه عليهم الرومان، وهجوم من الداخل مُمثل في ”مجمع الشيطان“ ومحاولة تهويد المسيحية.  فلقد استخدم الشيطان العالم والدين ضد الكنيسة.

   لقد سمح الله للشيطان أن يضطهد الكنيسة، لكي يوقف تيار الانحدار وفتور المحبة الذي بدأ في أفسس.  فالضيقات والتجارب أنتجت أمانة عجيبة للرب، لهذا انتعشت ولمعت شهادة الكنيسة.  بينما كان غرض الشيطان أن يُطفئ هذه الشهادة نهائيًا، مثلما فعل مع أفراد كأيوب وبطرس.

   تتباين سميرنا ولاودكية تباينًا كبيرًا.  فهنا المدح، ولا نجد كلمة لوم واحدة، وهناك لا نجد شيئًا واحدًا يمدحه الرب.  هنا الفقر وهناك الادعاء بالغنى.  وفي الواقع فإن فقر سميرنا هو الغنى الحقيقي، وغنى لاودكية هو الفقر بعينه.

   «هذا يقوله الأول والآخر الذي كان ميتًا فعاش» (ع8).  عندما سقط الرسول يوحنا عند رجلي الرب كميت، وضع يده اليمنى عليه وقال له: «لا تخف، أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين».  وهنا يقدم الرب نفسه لملاك كنيسة سميرنا كمن هو الأول والآخر أي الله الأزلي الأبدي.  كما نرى ناسوته مُمثلاً في حقيقة موته.  هذه الصفة تبعث الراحة والتعزية للمؤمنين في سميرنا الذين كانوا يتوقعون الموت كل يوم، حيث أن الرب قد «أبطل الموت وأنار الحياة والخلود» (2تي1: 10).  ونحن نتذكر كلمات الرب للتلاميذ: «أقول لكم يا أحبائي: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد» (لو12: 4).  والرب يحول أنظارهم إليه كمن مات وقام وانتصر على الموت والشيطان.

   «أنا عارف أعمالك وضيقتك وفقرك مع أنك غني» (ع9).  لا شيء يغيب عن عينيه.  وهذا ما حدث مع التلاميذ في السفينة إذ رآهم من قمة الجبل وهم معذبون في الجذف.  لقد اجتاز المؤمنون في سميرنا في ضيق مر، فكان يُنظر إليهم كأعداء للدولة.  وكان أعداؤهم يحيطون بهم كأسود جائعة، وكان عليهم الهروب إلى مغارات تحت الأرض.  البعض كانوا يُلقون للأسود الجائعة على مرأى من المشاهدين، والبعض يُشعلون فيهم النار مستخدمين إياهم كمصابيح تُضاء بهم الميادين.  كان فقرهم شديدًا جدًا في الزمان، ولكن مع ذلك كانوا أغنياء في الإيمان، وكان مدحهم من الرب عظيمًا.  كلمة فقرك بعد ضيقتك لها دلالتها، فالفقر ربما نتج عن الاضطهادات التي تعرضوا لها، مثل الذين قبلوا سلب أموالهم بفرح (عب11).

   «وتجديف القائلين إنهم يهود وليسوا يهودًا بل هم مجمع الشيطان» (ع9).  إن المؤمنين في سميرنا قد رفضوا رفضًا باتًا أولئك الذين حاولوا تهويد المسيحية.  وهذه المحاولات الشيطانية بدأت مبكرًا منذ العصر الرسولي.  وفي كنيسة أفسس رأينا النقولاويين الذين قسموا الكنيسة إلى قسمين طبقة الكهنة ورجال الدين وطبقة العلمانيين.  وهنا نجد مجمع الشيطان الذين ادعوا أنهم يهود ولهم امتيازات إسرائيل القديمة، لكن الرب يحكم عليهم أنهم ليسوا يهودًا أي أنهم فقدوا حقهم وامتيازاتهم بعد أن رفضوا المسيح.  وهذا ما نراه في أعمال 15 وفي رسالة غلاطية حيث حارب الرسل لحسم هذه القضية.

   «لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به.  هوذا إبليس مزمع أن يُلقي بعضًا منكم في السجن ... ويكون لكم ضيق عشرة أيام.  كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة» (ع10).  هنا نرى تحريضًا وتشجيعًا ونسمع لآخر مرة هذا الوعد «لا تخف».  إنه لم يعدهم بالخلاص من التجارب بل أن يعطيهم القوة للاحتمال.  كان الاضطهاد هو الوسيلة المختارة من الله لإتمام مقاصد محبته لعلاجهم وإنهاضهم.  «إن كان يجب تُحزنون يسيرًا ...»، إلا أنه يقترب منهم ويتحدث إليهم بكلمات التشجيع والتعزية، وهو يعلن شكل التجربة المقبلة قبل أن تحدث.  كان الشيطان مزمعًا أن يلقي بعضًا منهم في السجن لكي ينالوا شرف التألم لأجل المسيح.  إن فترة الضيقة محدودة من حيث نوعها وشدتها ومدتها (عشرة أيام) طبقًا لسلطان الرب وسيطرته.  والعشرة أيام هي عشر فترات من الاضطهاد خلال حكم عشرة أباطرة ابتدأت بنيرون وانتهت بالإمبراطور دقلديانوس الذي استمر حكمه عشر سنوات.

  «كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة» (ع10).  الأمانة تعني التمسك بالرب حتى الاستشهاد لأجل خاطر المسيح وكلمته، مثل استفانوس (أع7) ويعقوب (أع12) وغيرهم.  والذي يجعل الشخص يتراجع هو الخوف من الموت والعار، والهروب من الخسارة، ومحبة العالم.  إنه يُلمِّع أمامهم إكليل الحياة.  هذا الإكليل يُعطى في مناسبتين: الأولى لمن يحتمل التجربة بصبر (يع1: 12)، والثانية للمؤمنين الأمناء للمسيح في شهادتهم حتى الموت.  هذا الإكليل يعني التمتع بالحياة الأبدية بكامل روعتها في محضر الرب نفسه بعد أن نتغير على صورة جسد مجده.  فإن فقد المؤمن حياته على الأرض، فإنه سيتمتع بالحياة في معناها الصحيح متوجة ومكللة باستحسان الرب نفسه في السماء.

   «من له أذنان للسمع فليسمع.  من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني» (ع11).  السمع هنا ليس لما تُعلِّم به الكنيسة بل ما يقوله الروح للكنيسة والكنائس.  هنا المسؤولية لنصغي إلى كلمة الله التي لها السلطة العليا.  «من يغلب» تعني أن يوجد الشخص أمينًا حتى الموت، وكل مؤمن حقيقي لن يأتي إلى دينونة، والموت بالنسبة له هو ربح.

   وعندما نقارن هذا الجزء من رحلة الكنيسة برحلة بولس في السفينة (أع27: 4، 5)، كما أشار الأخ الفاضل يوسف رياض في كتاب ”رحلة الكنيسة“، سنجد مشابهات رائعة لتعليمنا.  يقول المؤرخ الإلهي: «ثم أقلعنا من هناك وسافرنا في البحر من تحت قبرس، لأن الريح كانت مضادة.  وبعدما عبرنا البحر الذي بجانب كيليكية وبمفيلية، نزلنا إلى ميراليكية».  وفيها نرى فكرتين أساسيتين: أولاً: الاضطهاد الشديد: ”قبرس“ تعني ”صفاء وحب“.  لكنهم لم يبلغوها بل مروا من تحتها، لأن «الريح كانت مضادة».  وهنا نجد أول إشارة للريح، وستتكرر 6 مرات.  والريح المضادة تشير إلى قوى الشر في يد الشيطان «رئيس سلطان الهواء»، وهي ما تعكر صفاء المؤمنين.  هذه الرياح أعاقت الرحلة كما قال الرسول بولس للمؤمنين في تسالونيكي: «أردنا أن نأتي إليكم وإنما عاقنا الشيطان» (1تس2: 18).  وما أقسى الرياح التي هبت على الكنيسة في عصر الاستشهاد.

   هذه المرحلة من الرحلة بدأت بلإشارة إلى الرياح المضادة ثم خُتمت بأنهم نزلوا في ميناء ميرا بمقاطعة ليكية.  ”ميرا“ تعني ”مر“، و”ليكية“ تعني ”شبيه بالذئب“.  وهي تصور عصر الاضطهاد المر الذي ذاقه الشهداء، والعذاب المستعر على أيدي أناس أشرار في شراسة الذئب.

   الفكرة الثانية: تقدم الرحلة (أقلعنا، سافرنا، عبرنا، نزلنا)، رغم قسوة تلك الأيام والمقاومة الشديدة فإن تقدم المسيحية لم يتوقف بل كانت تنمو بثبات.  وهنا لم يوقف هياج البحر تقدم السفينة من تحت قبرس.  ”كيليكية“ تعني ”انقلابًا“ و”بمفيلية“ تعني ”كل القبائل“.  وكأن المسيحية في تلك الفترة وصلت إلى كل القبائل وأحدثت فيهم انقلابًا.  


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com