عدد رقم 6 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المحاباة (يع2: 1-9)  


المحاباة .. ماذا تعني؟ 

   إنها تعني التحيز لشخص معين، وكلمة حاباه أي مال إليه واختصه دون الآخرين، دافع عنه ونصره على حساب الحق، وتعني أيضًا مجاملة البعض على حساب البعض الآخر حتى لو كان في ذلك ظلم أو إساءة للآخرين.  وتعني التمييز والكيل بمكيالين اعتمادًا على المظهر أو الثروة أو النفوذ الوظيفي أو المركز الاجتماعي أو الوضع العائلي (يع2: 2-9).

مظاهر المحاباة:

المحاباة والعالم:

   تقدير العالم للناس يقوم على المركز الاجتماعي والمظهر الخارجي، فيحترم الغني وصاحب المركز المرموق، ويقدر من له نصيب وافر من الجمال أكثر من غيره، ويعطي الأولوية لمن له قريب أو صديق في موقع مُميَّز.  إنها سمة تُميِّز العالم الحاضر الشرير.   

المحاباة والعائلة: 

من الخطورة بمكان أن تتواجد المحاباة في نطاق العائلة، الأمر الذي قد يحدث لسبب:

الحصول على منفعة أو للاستلطاف الخلقي مثلما حدث مع إسحاق ورفقة "فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ" (تك25: 28).  وهذا سبَّب حساسية بين الأخوين وشرخ في العلاقة بينهما.

التعاطف لظروف معينة مثلما حدث من يعقوب ليوسف "وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ لأَنَّهُ ابْنُ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصًا مُلَوَّنًا. فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ.  .... احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ" (تك37: 3 – 18).  وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ ثم صار عبدًا فسجينًا إلى أن أكرمه الرب. 

أما في المجال الروحي وهو ما نقصده هنا، فالأمر أكثر خطورة، فإذا كان الشخص البعيد عن الله يعيش بمبادئ العالم، فإن أولاد الله بالأحرى يعيشون بمبادئ أبيهم السماوي الذي ليس عنده محاباة.

 المحاباة والكنيسة:

هل توجد محاباة في اجتماعاتنا؟  بالأسف نعم وهذا شيء مشين.

   - عندما يتم محاسبة شخص على خطأ ويُعفى شخص آخر من الحساب على نفس الخطأ!!  فهذه محاباة.  وعندما يتم تقديم شخص في الخدمة لا توجد لديه مؤهلات أو مواهب سوى أنه ابن فلان، فهذه محاباة.  وعندما يكون لي رأي معين ومعلن ضد المظهر غير المحتشم، ثم يتغيَّر هذا الرأي من أجل أحد أقربائي أو معارفي أو أحد المُعتبرين، فهذه محاباة.  عندما نرحب في اجتماعنا ببعض الأشخاص لأنهم معروفون لنا أو لأنهم أثرياء وفي مراكز مرموقة اجتماعيًا، في الوقت الذي نتجاهل فيه الآخرين من المؤمنين البسطاء، فهذه محاباة. عندما أرحب بالخادم الفلاني وأحرص على استضافته، في الوقت الذي لا يعنيني فيه أمر خادم آخر، لأني لا استلطفه، فهذه محاباة، وهكذا!

خطورة المحاباة

المحاباة خطية: "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ، تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ".  فالمحاباة هي انتهاك للناموس الملوكي الذي يعلمنا محبة القريب كالنفس أيا كان وضعه ومركزه (يع2: 9)! 

المحاباة من صفات البشر الأشرار لأجل المنفعة "هؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ" (يه: 16).

من يزرع محاباة يحصد احتقارًا ومذلة: "فَأَنَا أَيْضًا صَيَّرْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَدَنِيئِينَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ، كَمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا طُرُقِي بَلْ حَابَيْتُمْ فِي الشَّرِيعَةِ" (ملا2: 9). (أي حابيتم في تطبيق شريعتي، وشجعتم الشعب على كسر الشريعة).

المحاباة تشين العابدين وتقلل من قيمة الناس الذيـن مات المسيح من أجلهم، وذلك عند تقديم الوقار لشخص ذو ملابس بهية، واحتقار الفقير بسبب ملابسه المتواضعة، فيقولون لصاحب الملابس الغالية: اجلس في المُتكأ الأول وفي ذات الوقت للتو يدخل الفقير من الباب فيقولون له: اجلس في المجلس المتأخر أو عند قدمي، إننا بهذا التصرف نكون قد أهنَّا الفقير وصرنا قضاة أفكار شريرة، إذ انحرفنا عن فكر الرب (يع2).

المحاباة هي أقوى أسباب فشل الخدمة، فعندما يحابي الخادم أحد المخدومين لأي سبب، ومهما كان المبرر، فإنه يقضي على نفسه وعلى خدمته! 

نظرة الله للمحاباة

 الله لا يقبل المحاباة: 

الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يعلمنا أن الله لا يقبل المحاباة وليس عنده محاباة، إنها أمر مكروه لديه "لأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الرَّبِّ إِلهِنَا ظُلْمٌ وَلاَ مُحَابَاةٌ وَلاَ ارْتِشَاءٌ" (2أخ19: 7)، .."يَامُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ بِالاسْتِقَامَةِ تَتَكَلَّمُ وَتُعَلِّمُ، وَلاَ تَقْبَلُ الْوُجُوهَ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ (لو20: 21)، "وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ،... عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ" (أف6: 9)، "وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ (1بط1: 17).

وإن قلنا إن المسيح سيدنا فيجب أن نعيش كما عاش هو بلا أية محاباة، محبين لكل الناس بغض النظر عن مركزهم وظروفهم! لم نره مرة يحابي إنسانًا، فشهد أعداؤه عنه قائلين: إنّه يُعلّم بالاستقامة ولا يقبل الوُجوه (لوقا20: 21)، وبخ الفريسيين على ريائهم، وتكلم صراحة مع نيقوديموس وهو معلم لليهود بأنه يحتاج للولادة من فوق (يو3)، وبعدها قاد السامرية (الزانية) إلى الإيمان، لم يجامل معلم اليهود ولم يقسُ على السامرية!!.

الوحي المقدس ينهي ويحذر من المحاباة

"يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ" (يع2: 1).  أو يا إخوتي نظرًا لإيمانكم بربنا يسوع المسيح، رب المجد، لا تعاملوا الناس بالانحياز والتمييز! (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس)، أو لا تظهروا محاباة في ممارستكم للإيمان المسيحي (ماكدونالد). 

أمثلة إيجابية تجنبت المحاباة

أليهو:

 عندما تكلم مع أيوب عوضًا عن الله

6"فَأَجَابَ أَلِيهُو .. وَقَالَ: ... 21لاَ أُحَابِيَنَّ وَجْهَ رَجُل وَلاَ أَمْلُثُ إِنْسَانًا. 22لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ الْمَلْثَ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَأْخُذُنِي صَانِعِي" (أي32)، يبدأ أليهو الكلام مخبرًا أنه لا يحابي وجه أحد، ولا يعرف كيف يملث (يداهن) مهما كانت المداهنة مشبعة لقلب أيوب الذي يجب أن يعرف ذاته ويعرف حقيقة حاله، الأمر الذي عجز أصحابه فيه تمامًا، إنه لم يلجأ إلى كلمات الإطراء، فلم يكن يحابي الوجوه مما أهله لأن يتكلم نيابة عن الله.

يوحنا المعمدان: 

لم يحابِ المعمدان هيرودس بل كان يقول له: "لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك" وكلفه هذا حياته (مر 6: 18). 

بولس:

"لكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا" (غل2: 11)، الخطأ هنا كان ضد الحق الإلهي، وترتبت عليه أخطاء كثيرة، وكان علانية، والكثيرون انقادوا وراءه، فتصدى بولس لبطرس بقوة. إنه لم يكن خطأ شخصي يستوجب أن يتعاتبا على انفراد، وبطرس لم يغضب ولم يرد على الرسول بولس، بل كان مصادقًا على كلامه (انظر 2بط3: 16،15).   يا ليتنا نتعلم هذا السلوك الراقي!

    ليت الرب المحب الذي عاش هنا صادقًا، لا يحابي بالوجوه، ينعم علينا بحياة في رضاه، تتميَّز بالبر وخالية من المحاباة في كل معاملاتنا، وفي خدمتنا وعبادتنا، فيؤول هذا لمجده وإكرام شخصه.

                                            

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com