عدد رقم 6 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الاجتماع إلى اسم الرب  

«لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» 
(مت18: 20)

    قالت العروس في سفر النشيد، مُعبِّرة عن أشواقها للوجود في محضر حبيبها: «أخبرني يا من تُحبه نفسي أين ترعى، أين تُربض عند الظهيرة؟» (نش1: 7)، وعندما سمع اثنان من تلاميذ يوحنا شهادته عن شخص الرب كحمل الله، تركا يوحنا وتبعا يسوع وسألاه: «يا مُعلم: أين تمكث؟» (يو1: 38)، كذلك طلب منه الرفيقان إلى عمواس بكل اشتياق قائلين: «امكث معنا، لأنه نحو المساء وقد مال النهار» (لو24: 29).  وفي كل الحالات كان الغرض هو التمتع بشخصه في ذاته وليس شيئًا منه.  إن سرور الرب أن يجتمع بشعبه ويكون في وسطهم (مت18: 20؛ عب2: 12)، وهو امتياز لا يوجد ما يعادله في كل الأرض.  وكلمة ”اجتماعنا“ بحسب الأصل وردت في مكانين في العهد الجديد هما (2تس2: 1؛ عب10: 25).  المرة الأولى تتكلم عن اجتماع كل المؤمنين حول الرب في السماء عند مجيئه لاختطافنا، هذا الاجتماع الرائع والمرتقب الذي لن يتخلف عنه مؤمن واحد، والمرة الثانية تتكلم عن اجتماعنا هنا على الأرض حول الرب، ككنائس محلية، حيث يحضر هو في وسطنا كرأس الجسد.

   وما أبعد الفرق بين اجتماعنا حول الرب الآن الذي يقترن بالفرح والتعزية والبركة، عندما يأخذ مكانه اللائق به كالرأس والرئيس في وسطنا، وبين اجتماع الشعب قديمًا أمام الرب لأول مرة في جبل سيناء، عندما نزل الرب عليه في مشهد إعطاء الناموس، فكان الجبل يرتجف جدًا ويضطرم بالنار، حتى قال موسى: «أنا مرتعب ومرتعد» (عب12: 18 - 21).  في هذا الاجتماع قال الشعب: «لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضًا لئلا أموت» (تث18: 16).  أما نحن فنقول مع المرنم: "إذ لا أرى وجه الحبيب .. النور عندي كالظلام"، وأيضًا: "يا مَن بحضوره نفسي تطيب .."، "تحت ظلك حبيبي أشتهي أن أجلس"، وأيضًا: "وجهك المُشرق بالنورِ ضيائي ياحبيب، وعزاءُ الروحِ في دنيا العنا .. صوتُك الحلو غذاءُ الروحِ والماءُ العجيب .. فيك ترتاحُ حياتي في هَنا".

   وفي العهد القديم كان هناك مكانٌ مُحدد قد اختاره الرب ليحل اسمه فيه، وهو يرتبط بالتابوت، سواء في الخيمة أو في الهيكل بعد ذلك، وقد وردت هذه العبارة 21 مرة في سفر التثنية.  وكان الشعب يصعدون ليسجدوا ويقدموا ذبائحهم في هذا المكان فقط وليس في أبوابهم أو في أي مكان آخر.  وهذا ما قالته السامرية للرب: «أنتم (اليهود) تقولون: إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه» (يو4: 20).

   وفي تاريخ إسرائيل، بعد انقسام المملكة جاء يربعام ابن ناباط وعمل مذبحًا وعجلاً ذهبيًا في دان وآخر في بيت إيل، ومنع الشعب من الذهاب إلى أورشليم، أي عمل مركزًا آخر للعبادة والاجتماع خلاف المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه.  وعن هذا الرجل وخطيته هذه سجل الروح القدس 36 مرة أنه «جعل إسرائيل يُخطئ» (1مل14: 16).  أما بالنسبة لنا في الوقت الحاضر فالمكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه هو حيث تجتمع الكنيسة إلى اسمه وهو يكون في وسطها بحسب وعده (مت18: 20).

   وهناك شرطان لحضور الرب في الوسط:

   أولاً: أن الكنيسة هي التي تجتمع وليس أي اثنين أو ثلاثة.  فالرب عندما وعد بالحضور الشخصي (ع20)، كان يتكلم عن اجتماع تدبيري للكنيسة، وحُكم كنسي على الأخ المُخطئ (مت18: 17، 18)، وعن اجتماع صلاة كنسي (مت18: 19).  والكنيسة هي كل المؤمنين من جميع الأعمار، رجالاً ونساء، وليس فصيلٌ مُعين مستقلٌ بذاته.  هؤلاء المؤمنون المجتمعون في مكان واحد يمثلون جسد المسيح الواحد في هذه المنطقة، بعيدًا عن التحزب والانقسامات والطوائف والهيئات التي صنعها الناس ولم يصنعها الروح القدس، فهم يقرون بحقيقة الجسد الواحد، حتى لو تقلص العدد إلى اثنين أو ثلاثة.

   ثانيًا: أن يجتمع هؤلاء المؤمنون إلى اسم المسيح الذي هو المركز الوحيد والهدف الذي يُميِّز اجتماعهم.  وقديمًا اجتمع إلى داود في مغارة عدلام كل رجل متضايق وكل من كان عليه دين وكل رجل مُر النفس، فكان عليهم رئيسًا (1صم22: 2).  لقد كانوا يحبونه ويقدرونه ويحيطون به ويفتخرون به حتى وهو مرفوض من شاول والشعب.  إنهم يلتفون حوله لا ليُملوا إرادتهم عليه، بل ليكونوا أمامه رهن إشارته.  وكانوا أوفياء له وعلى استعداد أن يضحوا بحياتهم من أجله، تحقيقًا لرغباته (2صم23: 16).  وهكذا الآن عندما يجتمع المؤمنون ككنيسة، فهم لا يجتمعون إلى خادم أو مرنم أيًا كان، بل إلى شخص المسيح فقط باعتباره الرأس والرئيس الذي يدير الاجتماع ويُحدد مساره ويقوده بالروح القدس مستخدمًا أعضاء الجسد كما يشاء.  وسواء كان هذا الاجتماع للصلاة أو دراسة الكلمة أو السجود والعبادة أو كسر الخبز أو التدبير أو أي غرض، فإن الكنيسة تجتمع إلى اسم الرب في خشوع وتقوى، وتخضع لرئاسته وتحترم سلطانه في كنيسته.  إن كل الأنظار تتجه إليه كمركز الدائرة بمشاعر الحب والتقدير، وهدف الجميع هو إكرام السيد الموجود في الوسط.  هذا الأمر لا يتحقق في العالم الذي يرفض المسيح ويتحداه، وأيضًا لا يتحقق في المسيحية الاسمية التي لا تعطيه مكانه اللائق به، بل بالأسف تستبعده، كما هو الحال في كنيسة اللاودكيين، حتى أنه واقف على الباب ويقرع (رؤ3: 20)، وكأنه مطرود من بيته، فليس أقل من أننا نعطيه مكانه اللائق به.

   وعندما رأت ملكة سبا «كل حكمة سليمان، والبيت الذي بناه، وطعام مائدته، ومجلس عبيده، وموقف خدامه، وملابسهم، وسقاته، ومحرقاته، لم تبق فيها روح بعد».  فقالت: «طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك هؤلاء الواقفين أمامك دائمًا ... ليكن مباركًا الرب إلهك الذي سُر بك وجعلك على كرسي إسرائيل» (1مل10: 4 – 9).  وهذا هو التأثير الحقيقي الذي يشعر به كل شخص يدخل إلى الاجتماع ويرى ترتيب الله في كنيسته، وكيف يتعظم المسيح في هذا المكان ويُعلَن مجده في وسط المؤمنين.  ليتنا نكون في هذه الصورة المثالية دائمًا.

   وفي حقل بوعز (را 2) نرى صورة رمزية أخرى لاجتماع المؤمنين حول الرب.  ففي هذا حقل وجدت راعوث ”بوعز“ نفسه الذي يرمز للرب يسوع، الذي كلمها بكلام طيب وكلام تعزية، وهناك أيضًا ”الغلام الموكل على الحصادين“ الذي يرمز للروح القدس، وهو مسؤول عن كل ما يحدث في الحقل، ويوزع المسؤوليات والأدوار، ويباشر العمل.  وهناك أيضًا ”الحصادين“ الذين يحصدون وهم يمثلون الخدام وأصحاب المواهب، و”الغلمان والفتيات“ وهم يمثلون الخدمات المعاونة.  الكل في تناغم وانسجام، كل واحد يعرف مكانه ويؤدي دوره بسرور.  وهناك ”الطعام“ مُمثلاً في الشعير والحنطة التي تشير إلى كلمة الله.  هناك أخذت راعوث مكانها وراء الحصادين بكل تواضع، وهناك شربت وانتعشت بما استقاه الغلمان، وهناك تقابلت مع بوعز مقابلة شخصية كان لها أروع تأثير على قلبها، وما سمعته من فمه كان أحلى بكثير من إيفة الشعير التي التقطتها.  هناك سمعت نصائح بوعز: «لا تذهبي لتلتقطي في حقل آخر، وأيضًا لا تبرحي من ههنا، بل هنا لازمي فتياتي».  وهذا فكر الرب لكل مؤمن ومؤمنة.  ويوميًا كانت راعوث تذهب بفرح واجتهاد إلى حقل بوعز لكي ترى بوعز وتستمتع بالمقابلة معه.  ليت لنا هذه الأشواق.  
        
ولكي نفهم معنى كلمة «إلى اسمي» نقول: عندما يكون هناك إعلان عن محاضرة ما سيلقيها عالِم شهير، لا بد أن يتضمن هذا الإعلان تحديد مكان وموعد الاجتماع، والغرض منه، ومن الذي سيحاضر فيه.  فمن يهمهم أمر هذا الاجتماع، وسماع الشخص الذي سيتكلم فيه، سيتحركون في الساعة المحددة إلى المكان المحدد، وقد جذبهم إلى هناك اسم العالِم الشهير، فهم بذلك يكونون مجتمعين إلى اسمه.  كذلك بالنسبة للرب يسوع، فالمؤمنون الذين يجتمعون إلى اسمه يعرفون المكان والموعد الذي اتفقت عليه الكنيسة المحلية للاجتماع، وما يحركهم عندما يقترب الموعد ويجعلهم يتوجهون إلى المكان المتفق عليه هو اسم الرب فقط، لأنه وعد أنه يكون في وسطهم.  إنهم على موعد للمقابلة مع الرب شخصيًا.  أما إذا تضمن الإعلان عن مكان وموعد الاجتماع اسم شخص آخر، وليكن واحدًا من أعظم خدام الكلمة، أو واحدًا من أحلى المرنمين، وكان هذا الاسم هو مصدر جذب المجتمعين، فإننا نكون قد اجتمعنا إلى اسم هذا الشخص وليس إلى اسم الرب، وهذا الشخص قد يتغيب لأي طارئ. 

   وعندما نجتمع إلى اسم الرب، سنجده في وسطنا، ويأخذ مكانه كالرأس للجسد، فيرتب هو الاجتماع، ويحرك من يشاء في الترنيم أو الصلاة أو الشكر أو قراءة الكلمة أو تقديم كلمة للبنيان أو الوعظ أو التعزية حسب الحاجة، وكل شخص يشارك سيفعل ذلك باسمه. 
كذلك في تدبير أمور الكنيسة المحلية التي تحتاج أن يُتخذ قرار بشأنها، على وجه الخصوص في قبول شخص على مائدة الرب، أو علاج حالة شر بين الجماعة.  والآن الرب حاضر في وسط الكنيسة، فمن يكون صاحب القرار سواه.  فهذه كنيسة الله، وابن الله المُعيَّن رأسًا لها حاضر، لذلك تفحص الكنيسة المجتمعة الأمر، وتتخذ قرارها باسم الرب يسوع، أي أنها لا تحكم بما يتراءى لأفرادها، ولكن عليهم أن يلتمسوا من الرب فكره من جهة هذا الأمر، وهو لا شك سيكشف لهم عن رأيه، وعليهم أن ينطقوا بالحكم باسمه، وعلى الجميع أن يخضعوا لهذا القرار.

هذه صورة مثالية لما ينبغي أن تكون عليه اجتماعاتنا، وهي الصورة التي نفشل كثيرًا في تحقيقها، ولكن يجب أن نفرق بين فشلنا نتيجة عدم قدرتنا على تمييز صوت الرب أحيانًا  في الاجتماع، فهذا أمر وارد والرب يضعه في الاعتبار، ولا يبطل حقيقة كوننا مجتمعين إلى الرب، ولا يمنع الرب من تتميم وعده بالحضور في وسطنا، لأنه غير مشروط بسمو الحالة، وبين أن يكون الفشل في إقرار المبادئ التي تعطي للرب مكانه بيننا، كأن نعين قائدًا لاجتماع الكنيسة، أو قائدًا للترنيم، أو وضع ترتيب بشري مُسبق للاجتماع، فهذا فيه إهانة للرب إن كنا عرفنا حقيقة رئاسته، واختبرنا روعة القيادة بالروح القدس.  ولو أن هذه الصورة تحققت في جماعة من المؤمنين مهما قل عددها، فإنها ستختبر أفراح السماء، لأنها ستلمس حضور الرب كمن أقامه الآب من الأموات، وجعله رأسًا للكنيسة التي هي جسده (أف1: 20-23).
                                                                                

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com