عدد رقم 6 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون  

دروس ما بعد الرحيل

إله لا يُذكَر

وخادم لا يُقدَّر

«وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا وَزَنَوْا وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ، وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعَلَ بَرِيثَ إِلهًا. وَلَمْ يَذْكُرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ إِلهَهُمُ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ. وَلَمْ يَعْمَلُوا مَعْرُوفًا مَعَ بَيْتِ يَرُبَّعْلَ، ِجِدْعُونَ، نَظِيرَ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَ مَعَ إِسْرَائِيلَ» (قض8: 33-35)

الله لم يُذكَر:

عجيب ومؤلم أمر الإنسان في كل مكان وزمان! إنه دائمًا للإحسان سريع النسيان، ولكن أن نرى شعب الله يحيد عن إلهه، ويذهب ليزني بالعبادة الوثنية مرة أخرى، ويجعل بعل بريث إلهًا له، وينسى الله بمجرد غياب جدعون عن المشهد، فهذا ما يعجز القلم عن وصفه!  آه ما أفسد القلب البشري وما أردأه!  إن مرآة الكلمة الفاحصة هي وحدها الكاشفة لكم الفساد في قلوبنا الخادعة!  إنهم لم يعودوا يذكرون شيئًا عن عبوديتهم منذ سنوات قليلة لمديان وذلهم لهم نحو سبع سنين وكيف أن الرب أقام لهم جدعون مخلصًا.  لكن ما إن مات جدعون حتى عاود الشعب كرته وعاد إلى عادته القديمة بكل أسى وأسف ليعمل الشر في عيني الرب!!

لطالما خدعتنا الفلسفات البشرية بوهم أن الإنسان يولد وبه الخير والشر.  وأن المجتمع هو الذي يتحكم في مسار خيره أو شره!  علمًا بأن الكتاب المقدس واضح كل الوضوح في أن «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ» وأنه ينبغي أن نولد من فوق ليمكننا أن نرى ملكوت الله وندخله (يو3).  إن إصلاحات المصلحين، والثقافة، والتهذيب، بل وحتى ‘‘الدين’’ نفسه كعقائد وفروض كلها لم تنجح مع الإنسان من آدم في الجنة وحتى الآن.  لقد تطورت الحياة، وتقدم الإنسان تكنولوجيًا بشكل مذهل! إلا أنه تدهور أدبيًا، ولا يزال، بشكل مخيف، وصار العالم اليوم ناضجًا تمامًا للدينونة الإلهية العتيدة.  صحيح أنه ما عاد يعبد صنمًا أجوف، لكن صحيح أيضًا أنه عبد ويعبد من الأصنام ما لا يحصى ولا يعد: عبادة لنفسه، وعبادة لأبيه: إبليس! ترى: هل تيقنا من ذلك أيها الأعزاء؟  إن هذا الجيل التالي لجدعون، ربما لم يرَ خلاص الله لشعبه في بداية حياة جدعون، وربما قصر الوالدين في تنشئة هذا الجيل على قصص الخلاص الإلهي التي عملها الله معهم وفي وسطهم واكتفوا بطرق التربية الاجتماعية والنفسية الحديثة (وقتها).  وربما اكتفت أجيال لاحقة ‘‘بوراثة’’ للحقائق الإيمانية كعقائد ذهنية، وما أن غاب جدعون عن المشهد حتى ظهرت الصورة الحقيقية على قتامتها!

أحبائي الشباب:

إن نشأتنا المسيحية، وتربيتنا في بيوت اختبرت خلاص الله ليس كافيًا لننعم نحن بهذا الخلاص وبركاته، فلا بديل عن التوبة الفردية والإيمان الشخصي والاختبار الحقيقي بالدخول في علاقة روحية حقيقية وصحيحة مع الله.  

فهل اختبر ذلك القارئ العزيز؟ وإن كان ليس بعد: فمتى؟

ومن الجهة الأخرى ليتنا نهتم أكثر فأكثر بتنشئة أبنائنا على كلمة الله وقصها عليهم منذ طفولتهم، وتعريفهم مبكرًا على عظمة إلهنا وروعة خلاصه بأكثر من اهتمامنا بأي شيء آخر.

الخادم لم يُقدَّر!

عاش جدعون يخدم الرب في هذا الشعب، يحب إخوته مخاطرًا بحياته من أجل إطعامهم (قض6)، مكرسًا طاقاته لأجلهم سنوات طويلة.  فماذا كانت النتيجة بعد رحيله؟  يقول الكتاب عن بني إسرائيل «وَلَمْ يَعْمَلُوا مَعْرُوفًا مَعَ بَيْتِ يَرُبَّعْلَ، ِجِدْعُونَ، نَظِيرَ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَ مَعَ إِسْرَائِيلَ» (ع35) يا للعجب! يا للنكران! ونحن بوسعنا أن نقول: "كيف يُقدَّر الخادم وكيف يُعمل معروف مع بيته من شعب منتسب لله اسمًا، لا يُقدِّر الله في المقام الأول ولا حتى يذكره!!" إن عدم تقدير خدام الرب يقينًا يسبقه عدم تقدير للرب نفسه! إنها ليست حالة، بل هي بالحري نتيجة منطقية لحالة مؤسفة هي نسيان الله كليًا!!

أحبائي: هل نحن بعيدون عن هذه الصورة الأليمة اليوم؟ بأي ذكر نحترم إلهنا؟ وبالتالي: أي تقدير وإكرام يُقدَّم لخدام الرب بيننا؟!

إن الرسالة التي يوصلها إلينا الوحي المقدس بعد رحيل جدعون ليست أقل قوة وصوتًا من تلك التي أوصلها لنا في حياته.  يا ليت دروس ‘‘ما بعد الرحيل’’ في حياة شعب الله القديم بعد موت جدعون تكون تحذيرًا وإنذارًا حقيقيًا لنا، نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (1كو10: 11).

                              (انتهي)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com