عدد رقم 5 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جيل الثورة أم جيل النهضة (2)  


   تكلمنا في المقال السابق عن تأثر الأوساط المسيحية بالموجة الأولى للثورة، على أن هذه الموجة لم تستطع أن تحقق كل طموحات الشباب حيث استطاع أن يجني ثمارها تيار ديني متطرف، مستغلاً الوازع الديني القوي عند المصريين.  لذا كان من المحتم القيام بموجة ثانية للثورة للإطاحة بهذا النظام، وكما لم ينتبه الكثير من المسيحيين لآثار الموجة الأولى من الثورة، لم ينتبهوا لآثار الموجة الثانية.

   وعادة موجات الهجوم تبدأ برفض شيء يلزم رفضه فعلاً، ثم تمتد الموجة لترفض ما كان يجب بقاؤه.  هذه الرعونة التي اتسمت بها موجات الهجوم سببها أن الحالة الثورية لم تكن ناتجة عن عمل حقيقي للروح القدس لكنها نتاج التأثر بما يجري حولنا.  فهذه ليست نهضة على الإطلاق لكنها مُشاكَلة لهذا الدهر الأمر الذي حذرت منه بشدة كلمة الله (رو12: 2).  والدليل على ذلك تزامن موجات الثورة على مستوى الأوساط المسيحية مع تلك التي على مستوى الدولة.

والآن دعونا نبحث معًا الآثار الروحية التي أثرت علينا وسط أجواء الموجة الثانية، لأن الأمر جدٌّ خطير.

أولاً: رفض الدين:  بعد أن حققت التيارات الدينية الفوز في عدة استحقاقات انتخابية، بدأت تنكشف حقيقتهم أمام الناس، فكانت النتيجة أن أدرك الناس أن ليس كل من يتكلم باسم الدين أهلٌ لذلك.  وتمثل انعكاس هذا الأمر علينا بأن جعلنا نضع كل من يتكلم بكلمة الله محل الشك الأقرب إلى الاتهام.  بالطبع إنه أمرٌ مخزٍ لو كان هناك تباين بين الحالة العملية لمن يقف ويعظ بكلمة الله وبين ما يُعَلِّم به، لذا وجب على كل من يستخدمه الرب في خدمة الكلمة أن يلاحظ نفسه والتعليم.  لكن حملة الهجوم امتدت لرفض كلمة الوعظ نفسها وليس مجرد رفض الواعظ، وللأسف اعتبر البعض أن خدمة الوعظ هي نوع من الخدمة قديم ومستهلك وعديم الجدوى ولا يصلح للجيل الحالي، بينما نجد في الكتاب ما يشير إلى عكس ذلك تمامًا إذ يقول: "ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض (الوعظ) على المحبة والأعمال الحسنة، غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة، بل واعظين بعضنا بعضاً، وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب" (عب10: 24،25). إخوتي الشباب لو أن المشكلة في أن أسلوب خدمة الكلمة عند بعض الشيوخ لم يعد مستساغًا لنا، فكان من الأفضل أن نقوم بدورنا داخل اجتماعاتنا، ويقينًا أوجد الرب فينا طاقات ومواهب لنستخدمها لبنيان إخوتنا بدلاً من هدمهم بسبب تحول الأمر إلى صراع أجيال.  كان يجب علينا أن نكون أكثر وعيًا من ذلك ونضع كل شيء في مكانه الصحيح.

  بالرغم من كامل اتفاقي معكم في أن التدين يؤسس لحالة مستعصية من الرياء كما هو الحال مع الفريسيين (لو12: 1)، لكن المسيح عندما كشف رياءهم وهاجمهم لم يمتد هجومه ليمس الناموس نفسه، بل ولم يعطِ انطباعًا ولو بسيطًا أنه يريد أن يتحرر الناس من أية ضوابط تحكم علاقتهم بالله، بل بالعكس فقبل أن يوجه ثماني ويلات للفريسيين المرائين في نهاية إنجيل متى، قدم العديد من التعاليم في الموعظة على الجبل في بداية نفس الإنجيل، ولو نظرنا إلى تعاليمه في تلك الموعظة لوجدنا أنها كانت أكثر تشددًا وأعلى في مستواها الأدبي من تلك التي قدمها الناموس وتمسك بها الفريسيون، فبينما نجد الفريسيين يُعَلِّمون بوجوب رجم من أمسكوها في ذات الفعل وهي تزني، وجدنا المسيح يُعَلِّم بأن مجرد النظرة المدفوعة بالشهوة هي زنا في القلب.  كما أن المسيح لم يُعَبِّر أبدًا عن رفضه للفريسيين بأنه رفض دخول المجامع التي اكتظت بمعلميهم، بل بالعكس كانت إحدى عاداته الشهيرة هو أن يدخل المجمع ليُعَلم الناس من كلمة الله.  ليتنا نضع المسيح أمام أعيننا لنوفر على أنفسنا عناء التيهان والتشويش فنرفض أن تتحول المسيحية إلى ديانة أو إلى فلسفة تعطي للإنسان قيمة في مجال علاقته بالله لنستطيع أن نختبر الاختبار اللازم للحياة المسيحية الحقة وهو أن أعرف حقيقة نفسي أني صُلبت مع المسيح لكوني فاسدًا في ذاتي ليحيا هو فيَّ (غلا2: 20).

  لقد حذرنا الكتاب من احتقار النبوات (1تس5: 20) لأنها من طرق الله لكشف ما بداخلنا من أخطاء، ولنتذكر أن احتقار النبوات يبدأ أولاً باحتقار الأنبياء، فإن سلكنا هذا المسلك سنكتشف – ولكن بعد فوات الأوان – أننا جلبنا الضرر لأنفسنا.

ثانيًا: الميل إلى الوسطية:  أدرك الجميع أنه لكي تنجح الموجة الثانية من الثورة كان لا بد أن يقف الكل في صف واحد يضم أطيافًا كثيرة من الشعب لكي تصبح كفتهم راجحة في مواجهة هذا النظام المتماسك، ومن ثم كان يتعين على المسيحيين أن يتلاحموا مع كل القوى السياسية ذات التيار المدني ومع جموع الشعب الذي بدأ يميل نحو الوسطية والاعتدال في مواجهة التطرف، فكانت النتيجة أن أخذ المسيحيون ذات مواقف الوسطيين، ليس سياسيًا فقط بل فكريًا أيضًا.  وبالطبع فإن المشكلة التي ذكرتها في النقطة السابقة حاضرة هنا أيضًا وبقوة، أعني مشكلة مُشاكلتنا لهذا الدهر.  فلو كنا أطعنا كلام الكتاب ولم نقاوم السلطات البشرية، حتى لا نوجد مقاومين لله نفسه الذي في حكمته رتبها (رو13: 1،2)، لكان حفظنا في وجودها أو أزالها دون أن يكون ذلك مربوطًا بوضع أيدينا في أيدي أهل العالم.  على أن النتيجة المؤسفة التي أريد أن أشير إليها هنا هي أن هذا السلوك الذي انتهجناه أدى إلى هدم الجزء الصغير المتبقي لنا من سور انفصالنا الفكري عن العالم الحاضر الشرير، الأمر الذي ستظهر آثاره في صور أخرى سأتكلم عنها لاحقًا.

  إن تعبير "الميل إلى الوسطية" أقصد به أننا نُظهر استعدادًا قويًا لتعديل مواقفنا تجاه القضايا التي طرحتها وسائل الإعلام، والتي كانت محل جدال بين المتطرفين والوسطيين، لاسيما تلك القضايا التي يوجد ما يشابهها بيننا كمسيحيين.  وسأكتفي هنا بذكر واحدة من أشهر القضايا التي طُرحت على الساحة آنذاك، وهي قضية دور المرأة في المجتمع، فبينما كنا نستمع إلى هذا الجدل بين المتطرفين والوسطيين، ونحن بالطبع كنا نؤيد الوسطيين قلبًا وقالبًا، وجدنا أنفسنا نميل إلى ذات الاتجاه الوسطي داخل كنائسنا، فلاحظت كثيرًا من شبابنا – كجماعة إخوة – الذين كانوا قد حسموا هذا الأمر مع أنفسهم أن المرأة تصمت في الكنيسة أي لا تشارك في عمل قيادي في العبادة والخدمة أثناء اجتماعات الكنيسة، طاعة لتعليم كلمة الله الصريح، عادوا يتشككون في صحة ما تعلموه من الكتاب، بل إن البعض منهم رفض هذا التعليم لمجرد أنه رآه يتشابه مع رأي الفريق المتطرف في قضية مشابهة دون أن يضع اعتبارًا لتعليم كلمة الله.  بالطبع لست بصدد شرح الحق الخاص بدور المرأة في الكنيسة، لكنني قصدت فقط أن أريكم إلى أي حد كان تأثرنا بما يجري حولنا.  إخوتي الشباب دعونا نعترف أننا فقدنا المعيار الوحيد الصحيح الذي يُقَيِّم مدى صحة ما نقتنع به وهو "ماذا يقول الكتاب؟" وصار التصنيف الذي سيضعنا فيه المجتمع هو الفيصل، كما أننا نسينا أن كل خطوة نطيع فيها الرب وكلمته لن يصفق لنا العالم لأننا اتخذناها، بل أننا إذا حاولنا أن نصل لنقطة اتفاق مع العالم في أفكاره، حتى إذا ظهرت براقة ومقنعة، فإننا سنغرق في بحر من التيهان والتشويش، إذ أن الرب شق البحر الأحمر في اتجاه الخروج من مصر، ولن يشقه في الاتجاه المعاكس.

  دعونا نفكر في هذا الكلام ونتضرع إلى الرب أن يختبر قلوبنا في محضره حتى نلتقي في المقال القادم لنكمل الآثار الروحية للموجة الثانية علينا. 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com