عدد رقم 5 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الذبائح الروحيَّة  


الذبائح والتقدمات في العهد القديم كانت إما دموية (وهي ترمز إلى موت المسيح)، أو غير دموية مثل تقدمة الدقيق أو البخور (وترمز إلى حياة المسيح)، والعبادة كانت فرائض جسدية ملموسة وتتعلق بالمادة والمنظور، لكن العبادة في العهد الجديد عبادة روحية طبقًا للإعلان الذي نطق به الرب للسامرية "الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا".

والرسول بطرس يكلم المؤمنين باعتبارهم البيت الروحي، والكهنوت المقدس لتقديم الذبائح الروحية المقبولة عند الله بيسوع المسيح وتشمل:

1- ذبيحة التسبيح: كما قال الكتاب: «فلنقدم به في كل حينٍ لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاه مُعترِفةٍ باسمه» (عب15:13).  فتسبيحاتنا التي نقدمها به (من خلال عمل الرب كرئيس كهنة) إنما هي ذبائح تتصاعد للآب نسيم رائحة طيبة حيث يضفي عليها الرب كمالاته الشخصية، وتتصاعد أمام الآب كما لو كان المسيح نفسه مُقدِّمها «في وسط الكنيسة أُسبِّحُكَ» (عب2: 11).  فكم هي مهمة تسبيحاتنا أمام الرب؛ لذلك يليق بنا أن نرتل بالروح ونرتل بالذهن أيضًا (1كو 14: 15)، وهذا ينطبق أيضًا على الذبائح الروحية من سجود وعبادة للرب.  إن العبادة بالروح ليست استعراضًا للمهارات والمواهب لإدخال السرور والطرب للحاضرين، بل لإشباع قلب الرب الذي يهنأ بتسبيحات المفديين. 

2- العطاء كذبيحة: فالعطاء المسيحي شيء نابع من القلب، ولهذا يُقدِّره الله.  فما لم تكن هناك رغبة وإرادة صادرة من قلوب مكرَّسة للرب، فإن العطاء يصبح وكأنه شيء ناموسي، وتخلو منه قيمة الذبيحة الحقيقية.  عن العطاء المادي ذكر الرسول بولس في فيلبي 4: 18 التعبيرات ذاتها التي تُذكر عن الذبائح الروحية «قد امتلأت إذ قبلتُ من أبفرودتس الأشياء التي من عندكم، نسيم رائحةٍ طيبةٍ، ذبيحةً مقبولةً مرضيةً عند الله»، ومن كلام الملاك لكرنيليوس نفهم هذا أيضًا عندما قال له: «صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارًا أمام الله» (أع10: 4)، وفي رسالة العبرانيين 13: 16 كان التحريض: «ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع، لأنه بذبائح مثل هذه يُسَرُّ الله»، فالعطاء يُسِر الله، وبه نُظهر عمليًا أن محبة الله ثابتة فينا (1يو16:3و17)، وبسببه تحدث المساواة في الكنيسة (2كو13:8 و14).

3- ذبيحة التكريس: إن تقديم الحياة للمسيح باستمرار هو مطلب أساسي في المنهج الروحي.  «فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية» (رو12: 1).  فنحن لا نُسلِّم حياتنا للرب مرة بل كل أيام الحياة، ولا نُكرِّس أنفسنا مرة بل باستمرار، فيتبرهن من كل تفاصيل الحياة أننا للرب.

إن تقديم الحياة ذبيحة يعلِّمنا الكثير عن التضحية التي يجب أن يتسم بها طابع تكريسنا. فلا تكريس حقيقي بدون تضحية حقيقية، فالحياة المسيحية ليست شعارات جوفاء نرفعها بل تضحيات نُضحِّي بها.  وكما أن طابع حب الرب لنا ارتبط بالعطاء والبذل والتضحية «كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها»، هذا أيضًا ما يتوقعه الرب منا ونحن نعبِّر عن حبنا له.  ولا شك أن تقديم ذواتنا وأجسادنا النابع من إدراك أننا قد اشتُرينا بثمن، وأننا لسنا لأنفسنا، هو أصعب من تقديم بعض الأشياء له.

4- ذبيحة الحمد والشكر: «ذابح الحمد يمجدني»: الشكر هو فيضان قلب يشعر بالامتنان لعطايا الرب وإحساناته، ويُقدِّر شخصه.
الشكر يُشبع قلب الرب، فعندما نقدمه نحن نُقدم خدمة للرب «ونحن قابلون ملكوتًا لا يتزعزع ليكن عندنا شكرٌ به نخدم الله خدمة مرضية، بخشوعٍ وتقوَى» (عب12: 28).

الشكر ينتظره الرب منا، وهذا ما نفهمه من عتاب الرب من عدم رجوع التسعة البرص الذين نالوا التطهير ليشكروا الرب مع الذي رجع ليشكره (لو17:17)، وبالتالي عندما لا نقدِّمه فنحن نكون من الجاحدين، وهذا يجرح مشاعر الرب. 

هناك خطورة في تقديم ذبائح الشكر أو التسبيح بكلام الشفتين المُرتَّب وتعبيرات اللسان المُهذَّبَة فقط.  إن الشكر المُقدَّم من الباطن، أي من القلب، هو الشكر الذي يُشبع قلب الرب، والله عاتب شعبه قديمًا لأنه كان يكرمه بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنه بعيدًا، ووصف هذه العبادة بأنها باطلة.  

فما أجمل أن تكون كلمات اللسان تعبيرًا عن مشغولية القلب العطرة، وأن تكون العبارات المنطوقة صورة ظاهرة للعواطف والخواطر المختفية فنبارك الرب وكل ما في باطننا يُبارِك اسمه القدُّوس (مز103: 1).  وهذا لا بد أن يقترن بحياة تقوية وقلوب خاشعة.

الذبائح الروحيَّة التي نُقدمها جميعها تُقبَل؛ لأن هناك رئيس الكهنة الذي تُقدم من خلاله: «كهنوتًا مقدَّسًا، لتقديم ذبائح روحية مقبولةٍ عند الله بيسوع المسيح» (1بط 5:2).
                                                                           

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com