عدد رقم 5 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون نهاية صالحة وذكر ممتد  


«وَمَاتَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ، وَدُفِنَ فِي قَبْرِ يُوآشَ أَبِيهِ فِي عَفْرَةِ أَبِيعَزَرَ»
 (قض8: 32)
---
نهاية صالحة: 
قديمًا، وقبل جدعون بمئات السنين، تمنى بلعام النبي العراف الشرير؛ أن يموت ميتة الأبرار وأن تكون آخرته مثلهم (عدد23: 10)، معرفة منه بأنه ما أروع موت البار كاختبار، وما أمجد نهاية القديسين عائدين للديار.  على أن أمنية بلعام ما كانت أن تتحقق له مطلقًا ولو بكنوز الدنيا كلها؛ لأن من يبغي ميتة الأبرار عليه أولاً أن يعيش حياتهم.  وهذا فعلاً ما عاشه جدعون لذا لاق به أن تكون نهايته مشرفة «بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ».  وعبارة «وَدُفِنَ» بحسب ما نتعلمها في لغة الوحي المقدس تعني أن ثمة جنازة مهيبة، ومشهد وداع لائق، وإكرام كبير رافق جدعون في ختام حياته.  وكيف لا؟ ألم يكرم جدعون الرب كثيرًا في حياته؟ أو لم يعد الرب بأنه حاشا له فإنه يكرم الذين يكرمونه؟

أحبائي الشباب:
ليتنا ندرك أعمق أننا جميعًا راحلون من هذا المكان!  البعض يرحل «بشيبة» والبعض يرحل في نصف أيامه أو ربما أقل.  لكن المؤكد أن الحياة على هذه الأرض مهما طالت هي قصيرة بحساب الزمان وفي ضوء الأبدية، ولها نهاية مؤكدة بصورة أو بأخرى.  يقول موسى رجل الله: «أفنينا سنينا كقصة ... لأنها تُقرض سريعًا فنطير» (مز90: 9، 10).  إن التفكير في الحياة بهذه الصورة الكتابية، والواقعية يجعلنا نعيد ترتيب الأهداف والأولويات.  إننا في ‘‘رحلة’’، كما بدأت حتمًا ستنتهي: فماذا نحن فاعلون خلالها؟ يقول حكيم الزمان سليمان للشاب المستهزئ البعيد عن الله: «اِفْرَحْ أَيُّهَا الشَّابُّ في حَدَاثَتِكَ، وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، وَاسْلُكْ فِي طُرُقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ اللهُ إِلَى الدَّيْنُونَةِ» ثم أردف ناصحًا «فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ» (جا11: 9؛ 12: 1).  هذا من الجانب الواحد.  أما من الجانب الآخر فكم من أفاضل رحلوا وهم في ريعان الشباب ولكنهم تركوا خلفهم أثرًا باقيًا ورائحة عطرة هي رائحة المسيح الذكية في العالم الذي عاشوا فيه، وبين الناس الذين تعاملوا معهم.  فالحياة ذكر وتأثير وليست أيامًا تقضى هباءً طولاً أو قصرًا.

وكمؤمنين ليتنا نعرف أن أعظم فرصة ممنوحة لنا في هذه الحياة: هي الحياة ذاتها!  فماذا عسانا أن نفعل بها؟ لأي غرض نحياها؟ وكيف نقضى أيامها وساعاتها؟ وبأية أولويات؟ يقولون إن الموت هو أعظم حقائق الحياة!  وإنه أقوى واعظ على مر التاريخ رغم صمته الرهيب!  وهو يوميًا يجبرنا إجبارًا على سماع صوته دون تفرقة أو تمييز!  فهل اتعظ منه القارئ الحبيب فعلاً؟ أرجو ذلك.

ذكر ممتد:
لأن «الصِّدِّيقُ يَكُونُ لِذِكْرٍ أَبَدِيٍّ» (مز112: 6) ولأن من يفعل مشيئة الله يثبت إلى الأبد (1يو2: 17)، وإن مات يتكلم بعد (عب11: 4)، لذا فإن جدعون يذكر مرة في الوحي المقدس في سحابة الشهود وقائمة الشرف لأبطال الإيمان في العهد القديم وذلك في (عب11: 32، 33) حيث نقرأ « لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ،... الَّذِينَ بِالإِيمَانِ: قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرًّا، نَالُوا مَوَاعِيدَ..» وذلك بعد رحيل جدعون عن هذا العالم بنحو ألف وثلاثمائة عام.

ندرك كمؤمنين أن الموت بالنسبة لنا عدو مهزوم.  وهو الآن بعد أن هزمه الرب يسوع ليس سوى مجرد جسر عبور نحو أبدية الخلود والوجود مع المسيح وذاك أفضل جدًا.  لكن علينا أن ندرك في نفس الوقت أن الأثر الذي نتركه في هذه الحياة باقٍ لا يمحى مطلقًا، إن كان أثرًا روحيًا إيجابيًا فستتنذكره أجيال تالية مهما طال الزمن وامتد ولو لقرون طويلة!  ومعه يُذكر الشخص نفسه ومواقف الإيمان المشرفة التي رافقت حياته.  أما إن كان أثرًا سلبيًا فسينسى سريعًا، ومعه سوف ينسى الناس ذكر مثل هذا الشخص أو ربما يذكر كعظة تحذير مؤسفة مثلما يذكر لوط وغيره.  وهل ننسى شمشون الذي مات في عز شبابه وانتهى نهاية مأسوية؟ هل قرأنا عنه أنه مات بشيبة صالحة مثل جدعون؟ كلا البتة.  إن كلاً منهما كان قاضيًا لإسرائيل، وكلاهما دُفن في قبر أبيه، لكننا على شمشون نرفع مرثاة كلما ذكرناه، فليتنا نتحذر.

أحبائي، ما هي شهادة الله عن حياتنا من الآن؟ وبماذا سيذكرنا القديسون في أجيال تالية؟ إنها أسئلة فاحصة لنا كلنا، إن توقفنا أمامها بصدق وجدية، باتضاع وتضرع أعتقد أن مسار الحياة بأسرها سيختلف للأفضل.  وهذا جل ما يتمناه الكاتب لنفسه ولقارئه أيضًا.
                                      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com