عدد رقم 5 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مُضحك الملايين انتحر مكتئبًا  


هل تبحث عن السعادة؟
   طالعتنا وسائل الإعلام العالمية والمحلية من بضعة شهور بخبر موت "روبين وليامز" الفنان الكوميدي العالمي، منتحرًا، بعد أن عانى من الاكتئاب الحاد لمدة ست سنوات كما أعلنت زوجته! وأصبح هذا الخبر موضوع الساعة لوسائل الإعلام والمحللين النفسيين وغيرهم. 

   والحقيقة إن أمر الاكتئاب ليس بمستغرب في أوساط المشاهير، بل هو منتشر ويمثل ظاهرة، ولعلنا نتذكر القصة التي لا تخلو من الدهشة حين ذهب شاب إلى أشهر الأخصائيين النفسيين يشكو من الاكتئاب المستمر، باحثًا عن السعادة، وبعد أن كتب له الطبيب روشتة العلاج نصحه بأن يتردد على الأماكن المشهورة بأجوائها المرحة، كأن يذهب مثلاً ليستمتع بفن "شارلي شيبلين" ذلك الممثل الكوميدي الذي يستطيع أن ينتزع الضحك من أعتى المكتئبين، وإذ بالشاب يجيب: أنا هو "شارلي شيبلين" يا سيدي، أنا هو من يضحط الناس، لكنني أبحث عن من يضحكني ويدخل السعادة إلى قلبي!

   ولقد أصبح الانتحار في أوساط المشاهير أمرًا ليس بمستغرب أيضًا، فكم من مشاهير نعرفهم قد اختاروا أن يموتوا منتحرين، رغم النجاح المبهر، بعد أن مروا بأدوار مختلفة من الاكتئاب، حتى وإن تنوعت الأسباب! تُرى ما السبب؟

   الإجابة تتلخص في كلمة واحدة هي "الخطية"! الخطية هي السبب الرئيسي للأحزان وكل صور المعاناة.  بل إن "أجرة الخطية هي موت، أما هبة الله فهي حياة أبدية" (رو6: 23).  لقد فصلت الخطية الإنسان عن الله وطوحت به بعيدًا عن مصدر السعادة، لذلك يقول الرب: "من يجدني يجد الحياة وينال رضى من الرب، ومن يُخطئ عني يضر نفسه.  كل مبغضي يحبون الموت" (أم8: 35، 36).

    ثم أيضًا حسابات الإنسان الخاطئة وعدم تصديقه لأقوال الله، فالإنسان يبحث عن الفرح والمتعة بعيدًا عن الله، ومن مصادر عالمية، وبالطبع فهي وقتية وزائلة، وينتهي تأثيرها بزوال المؤثر، وبعدها يزداد الشعور بالفراغ.  ويخبرنا الكتاب المقدس أن "فرح الفاجر إلى لحظة"، وأن "لا سلام قال إلهي للأشرار"، لأنه "حينما يقولون سلام وأمان يفاجئهم الهلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون" (1تس5: 3).

   يعتقد الإنسان أن الفرح في الممتلكات والغنى الزمني فيسعى وراء الثروة لاكتنازها ولا يشبع لأن "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا"، وهكذا إلى أن يفاجأ بانتهاء العمر دون أن يتمتع بشيء، ناسيًا أن العمر أقصر مما يتخيل، إنه كظل، وكبخار يظهر وسرعان ما يضمحل.  ولعلنا نتذكر الإنسان الغني الذي أخصبت كورته فقال: "أهدم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي، وأقول لنفسي يانفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله: "يا غبي! هذه الليلة تطلب نفسك منك، وهذه التي أعددتها لمن تكون؟ هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيًا لله" (لو12: 16-21)، ولأجل حفنة من المال خان يهوذا سيده وباعه، ولم يهنأ بالمال بل مضى وشنق نفسه.  إن الذين عرفوا الله وجدوا فيه كفايتهم، ولم يعطوا اهتمامًا للمال ولم يكن سيدًا في حياتهم.  مثل إبراهيم وأليشع ودانيآل، وكذلك زكا عندما قبل الرب يسوع، وقف وقال للرب: "ها أنا يارب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعة أضعاف" (لو19: 6-8). 

   وقد يبحث الإنسان عن السعادة في العلاقات الجنسية غير المشروعة، هكذا فعل أمنون الشرير ابن الملك داود مع ثامار أخته (من أبيه)، ورغم توسلاتها إليه قائلة: أما أنا فأين أذهب بعاري؟ وأما أنت فتكون كواحد من السفهاء في إسرائيل.  لكنه مدفوعًا بشهوته لم يسمع لها، وبسبب ذلك مات أمنون مقتولاً (2صم13)، وهكذا فعلت السامرية (يو4)، والمراة الخاطئة في المدينة (لو7) وغيرهم.  أما ذلك الشاب التقي "يوسف" الذي ارتبط بالله منذ حداثته، عندما تعرض لهذه التجربة، وأمام شهوة الجسد قال لامرأة فوطيفار: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" (تك39: 9)، مفضلاً السجن عن التمتع الوقتي بالخطية.  ويقول الحكيم "لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها أنعم من الزيت، لكن عاقبتها مرة كالأفسنتين، حادة كسيف ذي حدين، قدماها تنحدران إلى الموت".  وأيضًا "لم تفتن يا ابني بأجنبية وتحتضن غريبة؟ لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله.  الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يُمسك.  إنه يموت من عدم الأدب وبفرط حمقه يتهور (أمثال5: 3 – 5، 18، 20- 23)، "لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز ... أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟ أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه؟ ... أما الزاني بامرأة فعديم العقل ... وعاره لا يُمحى" (أمثال6: 26-33). 

   يظن الإنسان أن السعادة في الشهرة، ونحن نرى المشاهير والنجوم من المغنين والفنانين والأبطال الرياضيين وغيرهم، وكيف يسعدون بالتفاف الناس من حولهم.  إنهم يشعرون بالنجاح ويستمدون القيمة من الناس المحيطين بهم.  ولكن انظر إليهم عندما تزول أسباب الشهرة وينفض الناس عنهم، وكيف يحل بهم الاكتئاب نتيجة الفراغ الداخلي العميق.  أما من ارتبط بالرب فيقول: "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص" (يو3: 30)، ويشعر بالسعادة في ذلك.  إنه لا يتمركز حول ذاته بل بسرور يتخذ المسيح كمركز حياته وهدفها الأسمى.

   وآخرون يبحثون عن الفرح والسعادة مع الرفقة في جلسات المستهزئين وفي الفرفشة والمخدرات وشرب الخمر، وفي الحفلات وأجواء الطرب والرقص، هذه الأمور التي انتشرت بشكل مروع في هذه الأيام وسط الشباب، ناسين أنه بسبب هذه الشرور يأتي غضب الله على أبناء المعصية.  إنهم سرعان ما يستيقظون على الواقع المرير، فهم "يحملون الدف والعود ويطربون لصوت المزمار.  يقضون أيامهم بالخير، في لحظة يهبطون إلى الهاوية، فيقولون لله أبعد عنا وبمعرفة طرقك لا نُسر.  من هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع إن التمسناه؟" (أيوب 21: 12-15).  ويحذر الكتاب كثيرًا من الخمر فيقول: "لا تكن بين شريبي الخمر المتلفين أجسادهم"! .. "لمن الويل؟ لمن الشقاوة؟ لمن الجروح بلا سبب؟ لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر" (أمثال24: 20،30،29).

   وقد يبحث الإنسان عن الفرح والسعادة في المجد الذاتي والتعظم: فيسعى لتعظيم نفسه وليكون هو محط الأنظار دائمًا، ولكن الله يقول: "مجدي لا أعطيه لآخر"، و"من يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله"، هذا ما حدث مع نبوخذ نصر الذي تحول إلى حيوان لمدة سبع سنوات (دا 4)، ومع هيرودس الملك الذي لم يعط المجد لله، فصار يأكله الدود ومات (أع 12).

      والخلاصة أن الإنسان يبحث عن الفرح في الملذات الحسية المختلفة والإنجازات والممتلكات، لكن حكيم الدهور سجل اختباره بعد أن جرب كل شيء يمكن أن يخطر على بال إنسان، ليرى ما هو خير لبني البشر حتى يفعلوه مدة أيام حياتهم، فجرب الفرح والضحك والخمر والأملاك والمقتنيات من بيوت وحدائق وجنات وفراديس، اقتنى عبيدًا وجواري، كان له غنم وبقر أكثر من جميع الذين كانوا قبله في أورشليم، جمع لنفسه فضة وذهب، وخصوصيات الملوك والبلدان، اتخذ لنفسه مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات، وعن هذا يقول "فعظمت وازددت... ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما"، ثم التفت إلى كل أعمال يديه وتعبه وإذ به يجد أن "الكل باطل وقبض الريح (قابض للروح)، ولا منفعة تحت الشمس" (جا 2) وفي النهاية يقول فلنسمع ختام الأمر كله " اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله" (جا 12).

   وعادة يلجأ الإنسان للانتحار لسبب الفهم الخاطئ للموت حيث يعتقد الكثيرون أن الموت هو نهاية المشاكل فيقدمون على الإنتحار لكي يستريحوا.  والحقيقة أن نفس الإنسان ليست ملكه لكي يفعل بها ما يشاء أو أن ينهي حياته وقت ما يشاء، فالنفس البشرية ملك لله الذي خلقها، وهو الوحيد الذي له الحق في أن يأخذها وقت أن يشاء.  إن الشخص الذي يُقدم على الانتحار يضع نفسه في مشكلة لا حل لها، فطالما لا يزال على قيد الحياة فإن فرصة التوبة والخلاص قائمة، ولكن بالموت تكون فرصته قد انتهت إلى الأبد.  ويخبرنا الكتاب المقدس أن الموت ليس هو نهاية المطاف بل "وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عب9: 27). 

    إن الفرح الحقيقي المضمون هو في الارتباط بالرب يسوع المسيح المصدر الدائم والثابت للفرح الذي لا يزول، فقد قال الرسول: "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا" (في4:4).  فما هو موقفك منه أيها القارئ العزيز؟ هل قبلته مخلصًا شخصيًا لك؟
                                                                      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com