عدد رقم 5 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لا تقتل  

   شهدت بلادنا في الأيام الماضية أحداث عنف غير مسبوق، وصلت إلى حد القتل، وسفك الدماء، منها ما هو جماعي كقتل 25 جندي برفح دفعة واحدة، وقبلها وبعدها أعداد كبيرة من الجنود والضباط والمدنيين أيضًا، وحوادث اختطاف وسرقة ونهب وسلب، إلى غير ذلك من الأحداث، وارتبطت بعض حوادث القتل بالتمثيل بجثث القتلى!! 

   لماذا كل هذا العنف؟ وكيف يسمح الإنسان لنفسه أن يقتل أخاه الإنسان؟ ما هو المقابل؟ وما هو الدافع؟ ومن الذي أمر بذلك؟
   هل هذا نتاج غضب واحتقان وحقد؟ أم هو نتاج كثير من الأفكار المغلوطة؟ لذا حري بنا أن نرجع إلى كلمة الله "الكتاب المقدس" لنأخذ كلمة تحذير وتوجيه في ذات الوقت:

1- القتل وخطورته: القتل جريمة بكل المقاييس في حق الله وفي حق الإنسان، في حق المجتمع، وفي حق الأسرة والإنسانية جمعاء، فالله هو الذي وهب الحياة للنفس وهو الذي يحدد وقت أخذها، وهو الذي نهى عن القتل في الناموس بالقول "لا تقتل" (خروج20: 13).  وجاء الرب يسوع بكلماته الذهبية، في تعاليم الملكوت، في الموعظة على الجبل ليعطي معنى أعمق بالقول: "سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ... وأما أنا فأقول لكم من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم" (مت5: 21)، وجاءت تعاليم النعمة بعمق آخر بالقول "من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1يو3: 15)، إلى هذه الدرجة من الرقة والحساسية يضع الكتاب المقدس أمامنا أسس تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان! ومن يفعل غير ذلك فليس من الله!! 

2- من هم الذين لهم حق القصاص والقتل: في تدبير الحكومات أعطى الله قانونًا بقوله: "سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه" (تك9: 6)، وأُعطي المبدأ للحكام لا للبشر، مع مراعاة المبدأ أن العقاب في حدود الخطأ، ومن هنا جاءت الإشارة أن الحاكم "لا يحمل السيف عبثًا، إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر" (رو13: 4).  ومن المعروف أن الله جعل الحكومات كترتيب إلهي الغرض منه حفظ الأمن والسلام بين البشر، ولكي يكون هناك نظام في المجتمع فلا يتحول إلى غابة، وتصبح الحياة على الأرض مستحيلة.

3- القتل ومبدأ الزرع والحصاد: سيظل المبدأ الإلهي قائمًا على الجميع، على الأشرار والمؤمنين "فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا"، وعادة ما يكون الحصاد أكثر كثيرًا من الزرع، لهذا قال الله لقايين: "من قتل قايين فسبعة أضعاف يُنتقم منه" ( تك4: 15)، ولعل التاريخ القديم والمعاصر يرينا ذلك بوضوح، لرؤساء معروفين كان القتل نهجهم، فحصدوا ذلك في بيوتهم، وانتهت حياتهم هم أنفسهم بالقتل!! فلنحذر.  وكم من قرى في بلادنا استقوى فيها القوي على الضعيف، وارتكبت فيها جرائم قتل، وكان العقاب الإلهى شديدًا!!

4- القتل والإثمار: عندما يكون القتل بدافع الاضطهاد، فإن الله لا يسمح بهذا عبثا! بل يكون المقابل رائعًا، وهذا ما نجده في التاريخ القديم والمعاصر للمسيحية، فحقًا يصدق القول: إن دماء الشهداء تروي بذار المسيحية، التى تنبت وتترعرع وتزهر ثم تثمر أثمارًا مضاعفة فيما بعد!! فلا خوف من الاضطهاد، فإن سمحت حكمته لأحدنا بالموت – وهو الذي شعور رؤوسنا محصاة عنده، ولا تسقط إلا بإذنه – فإن هذا حتمًا سيؤول إلى مجده بطريقة تتناسب معه.  يقول الرسول بولس: "لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت"، وأيًَضا: "لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي"، وأيضا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا".  ولعلنا نتذكر الشهيد الأول في المسيحية استفانوس، وكيف بعد قتله حدث اضطهاد عظيم، وحدثت أيضًا نهضة عظيمة (أع8). 

5-  القتل ليس هو خدمة لله: فهناك من يقتلون لأجل الله وإرضائه.  أيُّ إله هذا الذي يرضيه القتل؟! القتلة يظنون خطأ أن من يقتل يقدم خدمة لله (يو16: 2) هكذا كان يفعل شاول الطرسوسي.  هل الله خلق الإنسان ليقتله؟! وهل يحتاج الله لمن يقاتل عنه؟ حاشا! فهو الذي يقاتل عنا ونحن صامتون (خر14: 14)، قال يوآش لمن أرادوا أن يقتلوا ابنه: "أنتم تقاتلون للبعل أم أنتم تخلصونه؟ من يقاتل له يقتل في هذا الصباح.  إن كان إلها فليقاتل لنفسه لأن مذبحه قد هُدم" (قض6: 31).  إن القتل باسم الله ولأجل الله يُعطي صورة مشوهة عن الله الذى هو محبة ويحب البشر، فمع أنه يكره الخطية، لكنه يحب الخطاة حتى لو كانوا قتلة، ويقدم لهم الفرصة تلو الفرصة للتوبة، فليتهم يقبلون إليه تائبين وهو على استعداد أن يغفر.

6-  القتلة هم أولاد لإبليس: هكذا قال الرب عندما كان بالجسد على الأرض للذين كان يريدون قتله: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق ... متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب" (يو8: 44). وهكذا نرى ارتباط القتل بالكذب، وهذا ما حدث مع قايين الذي قتل أخاه، وعندما سؤل: أين هابيل أخوك؟ قال: لا أعلم! وهذا ما يحدث حولنا الآن وإن اختلفت الطريقة!! 

7-   القتل والانتقام: تعرض الكثير من المسيحيين لحالات ظلم واضطهاد بيّن، وتبرهن ذلك في قتل الأشخاص أو حرق الكنائس أو نهب الممتلكات.  وقد تنتابنا حالات من الضيق والرغبة في الانتقام، ولكن لنحذر فليست هذه روح المسيح التي تعلمناها ولا هي منهج كلمته المقدسة التي علمتنا: "لا تجازوا أحدًا عن شر بشر"، "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانًا للغضب لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب ... لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" (رو 12: 21،19،17). ولا شك أن هذا ليس نداءً للاستضعاف والاستسلام، لكنه تشجيع لنا لندرك أننا لسنا متروكين للظروف أو للأشرار، يفعلون بنا ما يشاؤون، وقد رأينا وسوف نرى بأعيننا مجازاة الله للأشرار وكيف تكون؟! 

8-   القتل والشركة في أعمال الظلمة: لا شك أنه شريك في القتل من يخطط له وليس الفاعل فقط، والكتاب المقدس يعتبر أن المُحرِّض على القتل هو أيضًا قاتل.  لقد قال الله لداود على فم النبي أنك قتلت أوريا بسيف بني عمون!! مع أن داود لم يتفق مع بني عمون لقتل أوريا الحثي، لكنه رسم الخطة لقتل أوريا، والقانون الوضعي يتفق مع هذا، فصار فى نظر الله قاتلاً.  وإن كان الإهمال المؤدي للقتل جريمة في حق القانون والله في آن واحد (خر21: 28، 29) فكم وكم خطية القتل المتعمد أو مع سبق الإصرار والترصد. 

9-   القتل المعنوي: هناك حالات لا يكون القتل فيها حرفيًا، بل يكون القتل معنويًا مثل اضطهاد الآخر، والتحقير من شأنه، وتشويه سمعته بنشر الأكاذيب عنه، والسخرية منه، وحرمانه من وظيفة أو مركز اجتماعي، أو حق من حقوقه المشروعة بسبب لونه أو جنسه أو دينه. هذه الأمور التى ينهانا عنها الكتاب المقدس تمامًا فيقول: "لا فرق بين اليهودي واليوناني لأن ربًا واحدًا للجميع غنيًا لجميع الذين يدعون به" (رو10: 13،12). وقد يكون هذا تحت مبرر الهزار "يوجد من يهذر مثل طعن السيف" (أم12: 18)، وهناك حالات كثيرة لاغتيال الناجحين فكريًا بعدم إفساح المجال لنجاحاتهم، وحتى المواهب الروحية هي عرضة للقتل من الحاسدين والجسديين.
                                               

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com