عدد رقم 5 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخطية وماذا فعلت؟ (4)  

س 14: فهمنا فيما سبق معنى الموت، لكن ما هو الخلل الذي حدث في تركيبة الإنسان بالتفصيل وجعل هذا الموت يتغلغل في كل كيانه؟
ج 14: الكتاب شرح لنا ذلك بالتفصيل ودعنا نتكلم عن كل جزء من التركيبة الإنسانية وماذا فعلت فيه الخطية، ولنبدأ من الداخل للخارج.
ماذا فعلت الخطية في قلب الإنسان؟ 

   إن ما أذكره لك الآن هو عينات مما ذكره الكتاب عن الخطية وماذا فعلت في قلب الإنسان، لكن حقيقة الأشياء أكثر من ذلك بكثير فخراب قلب الإنسان لا حدود له.

لقد أصبح في قلب الإنسان فراغ عميق لا يشبع ولا يكتفي ولغته هي "هات. هات".  إنه مثل الهاوية والرحم العقيم الذي لا يشبع ولا يقول كفى.  إنه مثل الأرض التي لا تشبع ماء والنار التي لا تقول كفى (أم 5:30).  إنه فراغ وجوع وعطش للرغبات والشهوات لا حدود له، وكلما حصل علي ما يريده سوف يعطش للمزيد.  "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (يو13:4)، والقلب يسعى جاهدًا ليروي هذا العطش، وكلما ارتوى قليلاً يسعي لمزيد من الجهد ضاربًا بكل المبادئ عرض الحائط.  "بطول أسفارك أعييت ولم تقولي يأست، شهوتك وجدت لذلك لم تضعفي" (إش57 :10-11). 

   هذه الضربة لم تصب جزءًا من القلب وتترك جزءًا آخر، لكنها تمتد لكل أنواع الرغبات فقد أصبحت ملوثة.  "كل القلب سقيم" (إش5:1)، حتي أكثر الرغبات التي تبدو بريئة فإن دوافع القلب البشري تلوثها. 

هذا الجو يسيطر علي كل القلب كل أيام الحياة وأصبح "كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تك 5:6).  وأصبح هذا المحتوى الداخلي هو مايخرج من قلب الإنسان إلى كل كيانه "لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل سرقة طمع خبث مكر عهاره عين شريرة تجديف كبرياء جهل.  جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" (مر6: 21-23).  إنها ليست خصائص سطحية يمكن علاجها أخلاقيا لكن كل هذا له نبع فاسد في الداخل وهو القلب.
 مهما بدا الإنسان من الخارج عكس ذلك لكن العلة الداخلية في القلب تكشف من هو الإنسان في حقيقته؟
"هكذا الشفتان المتوقدتان والقلب الشرير، بشفتيه يتنكر المبغض، وفي جوفه يضع غشًا.  إذا
حسَّن صوته فلا تأتمنه، لأن في قلبة سبع رجسات" (أم 26: 23- 25). 

   لا أحد يستطيع أن يقدر عمق الخراب الذي حدث في قلب الإنسان، فالكتاب يقول: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه؟ " (إر9:17).  هو النبع الداخلي لكل أنواع الشرور، فهو المخزن الذي فيه المحتوى الداخلي الذي يؤثر على كل نشاط الإنسان.  "الإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور".  

   ودعني أسرد لك بعض تفاصيل دوافع قلب الإنسان الطبيعي: 
 الكبرياء: لقد زرع الشيطان في قلب الإنسان هذه البذرة وأوهمه بإمكانية تحقيقها عندما قال له: "يوم تأكلان ... تكونان كالله" (تك 5:3)، فامتلأ كيانه من العظمة الزائفة والكبرياء التي تجعله يتوهم أنه يعرف كل شيء ويستطيع كل شيء. 

الأنانية: الإنسان لا يرغب مُطلقًا أن يكون تابعًا لله، لكنه يريد أن يتخذ من نفسه مركزًا، فيكون هو المحور، هو موضوع الاهتمام، هو الأهم في كل شيء وفي كل مكان، حيثما تكلم أو فعل أو تكلم الآخرون أو فعلوا يريد أن يدور كل شيء في فلكه هو.  

غلاظة القلب: هي علة كل سلوك سيئ وسلوك عاطل وعدم رؤية الأمور بطريقة صحيحة، "لا تسلكو فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضًا ببطل ذهنهم إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم" (أف4: 17-18).  فهو يحتضن الخطايا المتكررة و يدللها.  "إن راعيت إثمًا في قلبي ..." (مز66: 18)

القساوة: "أما المقسي قلبه فيسقط" (أم 11:28). 

الكذب: "قلبه كذاب" (أم 14:6).

الخيانة: "الخائنة يهوذا بكل قلبها" (إر10:3). 

الحسد والحقد: "لا يحسد قلبك الخاطئين" (أم 17:23). 

الرياء: "هذا الشعب يكرمني بشفتيه ... وأما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مت8:15).
استبعاد الله من حساباته: " قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز1:14). 

س 15: تمهل عليَّ! ما كل هذا؟ وهل كل الناس هكذا؟ هل تريد أن تقول إن حالة قلبي أنا أيضًا هي كما ذكرت؟ أليس هذا أمرًا صعبًا؟ أنا لا أشعر بذلك،
ربما في شيء من ذلك، لكن هناك أشياء أخرى أرى أنها حسنة.  

ج 15: المشكلة أن الإنسان لا يريد أن يرى ذلك وإذا رأى لا يريد أن يقتنع، لكن المسألة ليست ما أشعر به أو لا أشعر به بل ماتقرره كلمة الله، ولو فحصت نفسي في نور محضر الله سأرى حقيقة الأشياء مثلما فعل إشعياء في أصحاح 6، في البداية لم ير في نفسه شيئًا لكنه كان يرى العيوب في كل الشعب، لذا صرخ " ويل لهم " مرات كثيرة في أصحاح 5، أما عندما كشفت له الأنوار الإلهية حقيقته صرخ: "ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وساكن وسط شعب نجس الشفتين" (إش6).

س 16: لكن هل كل الناس بنفس هذا العمق في الرداءة؟ 

ج 16: دعني أقول لك شيئًا: من حيث الصنف فهذه محتويات قلب كل إنسان أنا وأنت هكذا أقدس الناس وأنجس الناس هكذا، فكل هذه البذار موجودة في كل الناس.  لكن "مال كل واحد إلي طريقه" (إش53: 6).  فليست كلها تخرج من كل الناس وليس كل الناس يرونها كلها بنفس القدر، كل واحد تسيطر عليه رغبات مختلفة عن الآخر، فالبعض تسيطر عليها الشراسة والظلم والحسد التي تضررت منها أنت في أول سؤال لك، هؤلاء يدينون النجاسة ويبررون الشراسة كما في مجتمعنا مثلاً، البعض الآخر تسيطر عليهم النجاسة ويعتبرونها حرية ويبررونها وفي نفس الوقت يدينون الشراسة بشدة مثل المجتمعات الغربية، ولكن كل واحد يعرف ضربة قلبه. 

من حيث الكمية فلست أعتقد أن هناك إنسان على وجه الأرض ظهرت فيه كل صفات الجسد بكل بشاعتها لأن ظهورها بهذه الصورة ستجعل حياة هذا الشخص لا تطاق.  فما يظهر هو قليل من أعماق البشاعة الداخلية سواء كمًا أو نوعًا، وبنسب مختلفة حسب نوعية فراغ كل واحد وحسب عمق هذا الفراغ. 

وباختصار فإن محتويات القلب الداخلية هي كل خصائص الجسد البغيض، والخطية التي في الجسد تسيطر تمامًا علي قلب الإنسان سواء كان ما ظهر منها قليل أو كثير. 

وللحديث بقية.
                                                                                                                                                    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com