عدد رقم 5 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الغيرة المُرة  

   كنت قد تعودت المدح والإعجاب حتى أدمنتهما.  كانت المقارنة الدائمة بيني وبين ابن عمي المتأخر في دراسته بسبب إهماله تزيدني فخرًا وسرورًا.  لكن حدث ما لم يكن في حسباني، ففي المرحلة الثانوية عرف ابن عمي الرب وتغيرت حياته تغييرًا كليًا من النقيض إلى النقيض، وضمن ما تغير فيه هو اجتهاده الذي كشف عن نبوغٍ وعبقرية لم يكن أحد يتخيلها.  هنا بدأت مأساتي! لم أكن مؤمنًا وقتها، وإن كنت ملتزمًا إلى حد بعيد، ولذلك فقد ساءني أيما إساءة أن تتحول الأنظار فجأة عني لتستقر بكاملها عليه. 
   كنت أشعر بمرارة أنه قد دمرني إذ سرق مني كل ما أزهو به من إعجاب ومدح وفخر.  ومع أننا التحقنا بنفس الكلية، لكن ما آلمني أكثر أنه كان متفوقًا عني، وكان موضع احترام الجميع.
   كان الأمر ثقيلاً على نفسيتي حتى أنني بدأت أحيك الخطط التي تُعيق نجاحه، وفعلاً نجحت ذات يوم أن أسرق منه بحثًا كان مطلوبًا منه تقديمه إلى رئيس القسم.  كنت أعلم أنه قضي أيامًا وليالٍ منكبًا على العمل في هذا البحث، وكنت أعلم أيضًا أنه سينال إعجاب ومديح جميع الأساتذة.
  عندما اكتشف سرقة البحث صعقه الأمر بشدة، خاصة وأن الوقت لم يكن ليسعفه باستكمال بحث آخر.  ولأن هذا البحث كان لازمًا للحصول على منحة دراسية خارج البلاد في حالة قبوله، فلك أن تتخيل المأساة التي عاشها ابن عمي في تلك الفترة.
   تنازعتني مشاعر مختلفة ووقعت في صراع عنيف مع نفسي وأنا أراه مُعذبًا محتارًا ما بين أن يتخلى عن آماله كليةً أو أن يبدأ من جديد ويُقدم بحثًا ضعيفًا مشوشًا غير مكتمل.
   أخيرًا تحت تأثير تبكيت شديد لضميري أعدت البحث إليه دون أن يدرك أنني أنا السارق.
فرح جدًا وأكمل بحثه، ولكن لشدة الإجهاد وعدم النوم لعدة أيام وقع تحت وطأة مرض شديد بسبب فيروس شرس استطاع أن يهزم جسده الضعيف.
  وبينما كان يعاني سكرات الموت طلب طلبًا من أمه، وفيما بعد عرفت ذلك الطلب.  لقد طلب منها أن يقوم أحد الزملاء بتقديم البحث باسمي.
  عزيزي القارئ: لقد انتهت قصة ابن عمي عند هذا الحد، أما قصتي فلم تنته .. فعندما علمت بالأمر دخلت غرفتي وأغلقت بابي وظللت أصرخ وأنتحب إلى أن غبت عن الوعي.
  في الصباح توجهت إلى الكلية واعترفت بعدم أحقيتي في البحث أمام أساتذتي، ثم عدت إلى بيتي لأصرخ هذه المرة أمام الرب باكيًا شاعرًا بحق أنه لا يمكن أن يكون هناك،على ظهر الأرض، من هو أشر مني، ولولا أن نعمة الله هي بلا حدود ما كان لخطيتي أن تُمحى وما خلص إنسان مثلي.
  بقيت كلمة أخيرة .. وهي أن ما ربحته لم يكن خلاص نفسي فقط، ولكن قيمة الأشياء تغيرت في نظري إلى حد بعيد، وعرفت أن المدح والإعجاب والتفوق والمال وكل ما هو أرضي ليس إلا نفاية وقبض ريح ولا تستحق إلا الدوس بالأقدام.  ليت قارئي يدرك هذا الحق فيوفر على نفسه أتعابًا وأحزانًا تكدر عليه حياته.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com