عدد رقم 5 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون أولويات محددة ونصرة مؤكدة  

   «وَجَاءَ جِدْعُونُ إِلَى الأُرْدُنِّ وَعَبَرَ هُوَ وَالثَّلاَثُ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ مُعْيِينَ وَمُطَارِدِينَ، فَقَالَ لأَهْلِ سُكُّوتَ: «أَعْطُوا أَرْغِفَةَ خُبْزٍ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ مَعِي لأَنَّهُمْ مُعْيُونَ، وَأَنَا سَاعٍ وَرَاءَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ» فَقَالَ رُؤَسَاءُ سُكُّوتَ: «هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ الآنَ حَتَّى نُعْطِيَ جُنْدَكَ خُبْزًا؟» فَقَالَ جِدْعُونُ: «لِذلِكَ عِنْدَمَا يَدْفَعُ الرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ».  وَصَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ وَكَلَّمَهُمْ هكَذَا.  فَأَجَابَهُ أَهْلُ فَنُوئِيلَ كَمَا أَجَابَ أَهْلُ سُكُّوتَ، فَكَلَّمَ أَيْضًا أَهْلَ فَنُوئِيلَ قَائِلاً: «عِنْدَ رُجُوعِي بِسَلاَمٍ أَهْدِمُ هذَا الْبُرْجَ».  وَكَانَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي قَرْقَرَ وَجَيْشُهُمَا مَعَهُمَا نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، كُلُّ الْبَاقِينَ مِنْ جَمِيعِ جَيْشِ بَنِي الْمَشْرِقِ.  وَالَّذِينَ سَقَطُوا مِئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ.  وَصَعِدَ جِدْعُونُ فِي طَرِيقِ سَاكِنِي الْخِيَامِ شَرْقِيَّ نُوبَحَ وَيُجْبَهَةَ، وَضَرَبَ الْجَيْشَ وَكَانَ الْجَيْشُ مُطْمَئِنًّا.  فَهَرَبَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ، فَتَبِعَهُمَا وَأَمْسَكَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ وَأَزْعَجَ كُلَّ الْجَيْشِ» (قض8: 4-12).

   عبر جدعون في طريقه إلى ملكي مديان: زبح وصلمناع هو والثلاث مئة رجل الذين معه والشيء الجميل أنهم لم يكتفوا بالنصرة على المديانيين في الأصحاح السابق، بل أرادوها نصرة كاملة، كما شملت الأميرين "غرابًا وذئبًا" (قض7: 25) تشمل الملكين كذلك.  إن الرغبة في النصرة الكاملة تذكرنا بأيام يشوع.  والجميل أنه في وسط ظلمة أيام القضاة ومشاهد الفوضى والارتباك نرى لمحات إيمان لامعة تُذكرنا بأيام النصرة والامتلاك.  والدرس الهام والرائع: أنه وإن كنا نعيش في الأيام الأخيرة حيث التشويش والفشل الروحي، فإن هذا لا يمنع مطلقًا أن تظهر فينا وبنا لمحات نصرة الإيمان التي ليست أبدًا بأقل من أفراح وبركات أيام الكنيسة الأولي.

* أولوية محددة:
  ويصف الوحي جدعون والرجال الثلاث مئة الذين معه بتعبير مختصر في كلمتين: "معيين و مطاردين" لكنه بالحقيقة تعبير بليغ جدًا، لقد أوجز الوحي المقدس فأنجز.

فالإعياء يُحدثنا عن حالهم نتيجة كثرة ووفرة المجهود الحربي الذي بذلوه.  لكنهم مُطارِدين (بكسر الراء) وليسوا مُطارَدين (بفتحها)! والفارق شاسع!! إنه الفارق بين الاجتهاد والمثابرة الإيجابية في الخدمة وعمل الرب وبين الاستسلام للظروف المُحبطة والفشل المتزايد هنا وهناك.

أعزائي الشباب: كم بيننا من أفاضل؛ قديسين وقديسات هم بحق وصدق "معيين" لكنهم ويا للشرف والسمو مازالوا "مُطارِدين"، يخدمون الرب بكل ما أوتوا من قوة وجهد رغم ظروفهم الصعبة وتجاربهم الكثيرة! إنه درس لنا جميعًا، أن لا نستسلم أو نتراخى مهما كانت التحديات والآلام!

 وكما كانت أولوية المهمة غالبة على إعيائهم الشخصي، كانت غالبة أيضًا على المعطلات التي واجهتهم. والتي بالحقيقة لا بد وأن تواجه كل من ينطلق ساعيًا لمجد الرب وإكرامه بصورة أو بأخرى.  فأهل سكوت ليسوا على استعداد لمجرد إعطاء "أرغفة خبز" للقوم الذين مع جدعون.

  ولم يكن أهل فنوئيل أفضل منهم والكل يتساءل بلغة العيان؛ هل أيدي زبح وصلمناع بيدك الآن؟ عوضًا عن أن يعملوا معه بالإيمان مثلما فعل الثلاث مئة الذين لم يتبرعوا بخبز بل قدموا أنفسهم أولاً للرب؛ وضعوا أرواحهم على أكتافهم، مخاطرين بأنفسهم وقد قاربوا الموت لأجل عمل الرب!!  

على أن جدعون تجاوز هؤلاء وأولئك "مؤقتًا"، لحين عودته من مهمته، فالحرب لها الأولوية ولا صوت يعلو على صوت المعركة! وجيد لنا أن ننتبه إلى ذلك عمليًا حيث نتجاوز المعطلات والمفشلات، الصيت الرديء وكلمات الاستهجان، لنتركها عندما يرجع جدعون ظافرًا في الرمز، أي عندما يظهر ربنا المعبود بالمجد والقوة في الحقيقة لينال كل منا بحسب ما فعل بالجسد؛ خيرًا كان أم شرًا.  دعونا لا نستبق كرسي المسيح أو الدينونة العتيدة ولا نسمح للعدو الخبيث أن يستنفد طاقاتنا وأوقاتنا في معارك جانبية حتى مع إخوتنا، بكل أسف، ونترك الصراع الحقيقي والمعركة الشريفة مع أجناد الشر الروحية في السماويات.

* نُصرة مؤكدة:
   قال أحدهم إن العمل لأجل الله هو عمل الله، وهذا حق، ومادام هو عمل الله؛ فالله هو الضامن للنصرة «وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ» (2كو2: 14).  لقد بدت المعركة غير متكافئة بالمرة؛ ثلاث مئة رجل "معيين" في مقابل نحو 15 ألف (الباقين بعد أن سقط 120 ألفًا من المقاتلين المسلحين بالسيوف) ويقال عنهم أنهم جيشٌ مطمئنٌ! (عدد10، 12)، «لأَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّبِّ مَانِعٌ عَنْ أَنْ يُخَلِّصَ بِالْكَثِيرِ أَوْ بِالْقَلِيل» (1صم14: 6) إن المسألة ليست عددًا أو عِتادًا أو إمكانيات أو قدرات ولا حتى عضلات! إنه الإيمان البسيط في الله العظيم.  إنه الضعف البشري مستندًا على قدرة السماء.  «لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (2كو12: 10)، «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ»
(2كو12: 9) هذا هو المبدأ الإلهي دائمًا.

   أحبائي: قد نشعر بقلة عددنا أو بكثرة حيرتنا أو بضعف إمكانياتنا أو بهزال أنفسنا، لكن حيثما يوجد الإيمان المتكل على الله، والسائر في مشيئته فكل هذا وغيره الكثير لا يهم مطلقًا.  فإن كان الله معنا؛ فمن علينا؟ لقد هربا زبح وصلمناع ولم يكف جدعون ورجاله حتى أمسكوا بهما وأزعجوا كل جيش الأعداء.
                                                                               

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com