عدد رقم 2 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حُرة أم مُستعبدة؟  

الكبرياء وتشامخ الروح

إلى أختي الشابة ...
هذه رسالة ثالثة أكتبها إليك من سلسلة خطابات ’’حرة أم مستعبدة‘‘ راجية أن يستخدمها الرب بركة لكِ لإنارة ذهنك بالحق الإلهي الذي يحرر من كل قيد.  
تكلَّمنا في الخطاب السابق عن أحد قيود التمركز حول الذات وهو ’’الشعور بالنقص‘‘ أو ’’صغر النفس‘‘، وعرفنا أن هذا النوع من القيود كثيرًا ما يحرمنا من الانطلاق في حياة الفرح والنصرة الحقيقية.
وفي هذا الخطاب أتكلَّم عن شكل آخر من أشكال التمركز حول الذات وهو ’’الكبرياء وتشامخ الروح‘‘.  الكبرياء هي داءٌ دفين في القلب البشري يتخذ أشكالاً وصورًا مختلفة، يجعل صاحبه يعيش في وهم وغرور بعيدًا عن الحقيقة، وعما رتبه له الله فينتهي به المطاف إلى الكسر ثم السقوط.  
هذه الصورة نراها أولاً في قصة سقوط الشيطان.  
كان الشيطان كما وصفه الكتاب: «الكروب المُنبسط المُظلل» (حز 14:28)، بل كان «خاتم الكمال، ملآن حكمة وكامل الجمال» (حز 12:28)، ولكن ارتفع قلبه وقال: «أصعد إلى السماوات. أرفع كرسيَّ فوق كواكب الله، أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصيرُ مثل العليِّ» (إش 14:14)، وكانت النتيجة أنه انحدر إلى الهاوية. 
ومن ذلك الوقت استخدم ذات السلاح لإسقاط الإنسان.  فها هي الحية تفسد ذهن حواء بهذه الخدعة: «لن تموتا! بل الله عالمٌ أنه يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشَّر» (تك3)!

الصور المختلفة للكبرياء:
تكلَّم الكتاب المقدس عن الصور المختلفة للكبرياء حتى لا يكاد يخلو سفرٌ من الإشارة لهذه الخطية والتحذير من نتائجها.  ولكي نستعرض هذه الصور والأشكال أدعوك لزيارة سريعة لقلعة حصينة عاش في قصورها الشامخة المستكبرون سجناء ومُكبلين بقيود الاعتداد بالذات.  لذا سميتها ’’قلعة الكبرياء والمساجين التعساء‘‘.  فتعالي نتعلَّم ونتحذَّر من هذا الشَّر العظيم.
قصر الكرامة والحقوق: ’’احترس من الاقتراب بالداخل وحوش مفترسة‘‘.
في هذا القصر يعيش الكثيرون من المنتفخين المتكبرين الذين أنعم الله عليهم بخيراته من صحة وغنى وممتلكات ووسائل للراحة لكنهم للأسف نسوا أن هذا ليس بذكائهم أو قوَّتهم أو قدرتهم فإذ بهم ينتفخون ويفتخرون متعالين على مَنْ حولهم.
في مزمور 73 وصفهم آساف قائلاً: «ليسوا في تعب الناس، ومع البشر لا يصابون. لذلك تقلَّدوا الكبرياء ... من العلاء يتكلَّمون.  جعلوا أفواههم في السماء، وألسنتهم تتمشى في الأرض». 
عاش في هذا القصر نابال الأحمق، وقد ملأه الغرور والكبرياء فاحتقر داود قائلاً عنه: «مَنْ هو داود؟ ومَنْ هو ابن يسَّى؟ قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون (يهربون) كل واحد من أمام سيِّده.  آ آخذ خبزي ومائي وذبيحي ... وأُعطيه لقوم لا أعلم من أين هم؟».  وهذا الأحمق ضربه الرب ومات (1صم25).
أما السجين الآخر في ذات القصر هو هامان الرديء، الذي خرج من وليمة الملكة أستير فرحًا وطيب القلب، لكن لما رأى مردخاي في باب الملك امتلأ غيظًا لأنه لم يقم ولم يتحرك له، ثم دخل بيته واستحضر أحباءه وزرش زوجته وعدَّد لهم عظمة غناه وكثرة بنيه وكل ما عظَّمه به الملك ورقَّاه على الرؤساء والعبيد وأن أحدًا لم يُدعَ إلى وليمة أستير الملكة غيره، لكنه قال: «وكل هذا لا يساوي عندي شيئًا كلما أرى مردخاي اليهودي جالسًا في باب الملك» (أس 13:5)؛ أي كيف لا يقدم لي الولاء والسجود؟! أين حقوقي في الاحترام والإجلال؟! وكانت كبرياؤه سبب هلاكه. 
في هذا القصر عاش آخرون من الأسرى المُحبين لأنفسهم، المُحبين للمال المُتعظمين المُستكبرين، يحتقرون الآخرين ويزدرون بهم، وهم لا يحتملون المساس بكرامتهم أو حقوقهم وكأن بداخلهم وحوش مفترسة تنقض على مَنْ يحاول الاقتراب منهم.

أختي الشابة ...
هل ولدت في عائلة كريمة ذات اسم وصيت؟ هل أنعم الله عليك بغنى أو وسائل للراحة والرفاهية؟ هل أنت متفوقة في دراستك؟ هل حصلت على شهادات ودراسات عُليا؟ هل أعطاك الله مركزًا مرموقًا في عملك؟ هل وهبك جمالاً أو ذكاءً خاصًا أو مهارة فائقة في مجال ما؟ هل أنت سريعة البديهة في الخروج من الأزمات وحل العقد والمشاكل؟ هل تشعرين أنك مميزة عن كثيرات بعطايا وهبات خاصة؟ 

فما هي نظرتك لهذه البركات؟

1- هل تشعرين بالغرور والكبرياء في نفسك أنك حظيتِ بكل هذه؟ ونسيت أو تناسيت أن «كل عطية صالحة وموهبة تامة هي نازلة من فوق من عند أبي الأنوار»؟

2- هل يغلب على كلامك لغة الافتخار والتباهي بالممتلكات أو الإنجازات؟ فصارت أحاديثك تدور حول ’’الأنا‘‘ و’’ياء‘‘ الملكية طابع كل كلماتك؟ يقول الكتاب: «لأنه مَنْ يُميِّزك؟ وأي شيء لك لم تأخذه؟ وإن كنت قد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟» (1كو7:4).

3- ها أثارت فيك هذه الأمور نشوة الطموح وطلب المزيد منها فصارت هي هدفك في الحياة وسيطرت على أولوياتك؟ أقول لك إن تعظم المعيشة هو أحد سمات العالم الموضوع في الشِّرير، إنها الرغبة أن أكون محور كل شيء وحديث كل شخص ومركز كل نظر.

4- وأخيرًا هل صارت هذه البركات أو العطايا سببًا في ابتعادك عن الرب وأموره؟ فصارت حياتك جافة وبلا ثمر؟
قال أحد القدِّيسين: ’’إني كلما أحببت العالم وازددت امتلاكًا منه جعلني أبتعد عن الله، وأنتفخ فأسقط‘‘.  إن غرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تخنق كلمة الله في حياتك.  لذا أوصى الكتاب: «الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا، ولا يُلقوا رجائهم على غير يقينية الغنى، بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع» (1تي 18:6).

والآن دعيني أسألك: ماذا عن علاقتك بالآخرين ونظرتك إليهم في ضوء هذه البركات؟

1- هل صغر الآخرون في عينيك بسبب ما أعطاك الله؟ مثلما حدث مع هاجر عندما حبلت فصغرت مولاتها سارة في عينيها، وهل تحتقرين مَنْ هن أقل منك في المظهر أو الإمكانيات؟ 
لقد «اختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه» (1كو27:1- 29).

2- هل أنت سريعة الغضب وكثيرة المشاكل والخصام إن لم يُؤخذ رأيك في موضوع ما؟ وهل ترين أن رأيك هو الأفضل دائمًا وعلى الآخرين الخضوع لك؟  لاحظي أن «الخصام إنما يصير بالكبرياء» (أم 10:13)، لذا يقول الرسول: «لا شيئًا بتحزب أو بعجبٍ، بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم.  لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضًا» (في3:2 ،4).

3- وماذا عن مشاعرك عندما تسمعين حديثًا فيه مديح للآخرين أو فرح بنجاحهم وتقدمهم أو خدمتهم، هل تحزنين وتكتئبين وتحوِّلي الحديث إلى نقائصهم وعيوبهم؟! 
احذري ... إنها مشاعر الغيرة والحسد الناتجة عن الكبرياء، «لا نكن مُعجبين نُغاضب بعضنا بعضًا، ونحسد بعضنا بعضًا» (غلا 26:5).

4- وأخيرًا ... ماذا عن أخطاء الآخرين في حقك؟ هل ترفضين المغفرة مفضلة البقاء في سجن الكبرياء ومقيدة بقيود الأنا المتعظمة التي تبحث عن الكرامة والاحترام وتتمسك بالحقوق دون ترفق أو رحمة بالآخر؟ فهل نسيت غفران الله لك وكم سامحك بالكثير «أيها العبد الشِّرير، كل ذلك الدين تركته لك ... أ فما كان ينبغي أن ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟» (مت 32:18 و33).

أختي الغالية ... أقدم لك مفتاح الحرية الحقيقية في كلمات الرب يسوع المسيح:
«تعلَّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم» (مت 28:11)
وللحديث بقية 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com