عدد رقم 2 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
موسى كخادم  

1- الخادم والإعداد الإلهي

   سنتأمل بمعونة الرب في حياة ”موسى رجل الله“، الذي قيل عنه إنه: «كان أمينًا في كل بيته كخادم شهادة للعتيد أن يُتكلَّم به» (عب5:3)، إذ نجد في حياته نموذجًا رائعًا لكل من يريد أن يخدم الرب بأمانة.  لذا فعلينا أن نتعلَّم دروسًا هامة من خلال دراستنا، لا لشخصية موسى، بل لخدمة موسى، حيث نرى فشلاً محدودًا ونجاحًا مُبهرًا بوجه عام، ونجد سلبيات قليلة وإيجابيات كثيرة في خدمته.  ومن الطبيعي أن نبدأ الحديث بإعداد الله لموسى ليكون بحق رجل الله، وأول شخص أعدَّه واستخدمه.

   ولكي نفهم خطة الله فى إعداد أوانيه علينا أن نتذكر ثلاث كلمات:

1- الهدف                      2- الوسيلة                     3- النتيجة

 أولاً: الهدف

   لم يخلق الله شيئًا بلا هدف، فهل من الممكن أن يخلق شخصًا بلا هدف؟

   هذا الإله الحكيم، مبدع الكون بكلمة قدرته، لم يخلق نجمًا ليتوه في الفضاء، ولم ينشئ ذرة دون هدف لوجودها.  وإن كان الرب قد صنع الكل لغرضه، أفلا يوجد غرض سامٍ صنعنا لأجله.  «اعلموا أن الرب هو الله.  هو صنعنا، وله نحن شعبه وغنم مرعاه» (مز 3:100).  نعم هذا هو الغرض أن نكون له لنتمم مشيئته، إذ يقول الكتاب: «لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها» (أف10:2).  فهناك برنامج سبق إعداده بالله نفسه لكل واحد منا.  وعلينا أن نقول مع بولس: «يا رب ماذا تريد أن أفعل»؟ وعندما ندرك قصده نسعى لنتمم هذا الهدف.  وهذا ما نراه جليًا في حياة موسى رجل الله الذي عاش للغرض الذي أوجده الله لأجله.  فلقد رأى الله ضيقة شعبه وسمع صراخهم وقرر إنقاذهم من عبودية فرعون القاسية مُستخدمًا موسى.  وإن كان من المؤكد أن الله يستطيع أن ينجز هذا دون أدنى مساعدة من إنسان، إلا أنه فى محبته لا يعمل بدوننا، وهو يُسر أن يستخدم الأواني البشرية.  لذا فقد أعد موسى ليقوم بالمهمة ويخرج الشعب من مصر إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً.  كان هذا هدف الله مع موسى الذي قال عنه استفانوس: «هذا أرسله الله رئيسًا وفاديًا ... هذا أخرجهم صانعًا عجائب وآيات في أرض مصر وفى البحر الأحمر وفي البرية، أربعين سنة» (أع35:7 ،36).  لقد عرف موسى هدف الله من وجوده وعاش لأجله، وفي سبيله «أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون مُفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر» (عب24:11 - 26). 

   صديقي: ألا تطيل الجلوس فى محضر الله جاثيًا عند قدميه متسائلاً: لأي غرض صنعتني وكونتني؟ وما هو الهدف الذي تريدني أن أعيش لأجله؟ وثق أنه سيعلن لك خطته.

 ثانيًا:الوسيلة

   علينا أن نقر بأنه لايوجد شىء يحدث في حياة أولاد الله مصادفة، لكن الله يعمل بترتيب بديع من خلال الظروف والأحداث والشخصيات، ومن خلال صفاتنا وضعفاتنا وخبراتنا ليُعدَّنا لتنفيذ الهدف الذي لأجله أوجدنا، فالله القدير لا يعدم وسيلة لتشكيل وإعداد أوانيه كما يحسن في عينيه.  وهذا بالضبط ما حدث مع موسى الذي استخدم الله كل صغيرة وكبيرة في حياته وشخصيته وظروفه لتكون الوسيلة التي من خلالها يُعدُّه للهدف الأسمى.  وهنا نجد تشكيل الفخاري العظيم ليُخرج إناءً مقدسًا نافعًا للسيد.  وإن كنا نعترف بصعوبة هذا التشكيل إلا أننا نعترف أيضًا بضرورته.  كان ينبغي أن الشخص الذي سيقود رحلة الشعب يتفرغ من ذاته وإمكانياته ويضع كل اتكاله وثقته في الله.  وكيف كان من الممكن أن يتحول موسى من شخص مُعتَد بذاته، يدرك تفوقه، إلى شخص يدرك ضعفه وعجزه، إلا من خلال تشكيل الله لحياته.  ولقد كان الفشل الذي صادفه موسى في البداية عندما خطر على باله أن يفتقد إخوته هو وسيلة الله العجيبة ليُهيِّئ موسى للنجاح المُبهر بعد ذلك في قيادة شعب الله عن طريق الثقة في الله وليس في نفسه.  ومن جهة أخرى نرى أن قيادة شعب الله بكل ما فيهم من نقائص وضعفات تحتاج إلى شخص حليم وصبور جدًا، وهذا لم يتعلَّمه موسى في قصر فرعون.  فقد رأيناه سريع الغضب والانفعال، يقتل المصري ويطمره في الرمل.  لكنه في مديان تعلَّم طول الأناة والصبر وضبط النفس، وما لم يتحصل عليه كأمير في مصر، تحصل عليه كراع للغنم في البرية.  وكم كان من الصعب على موسى أن يكون تارة في القمة وتارة في القاع، ويتحول من سيد في قصر فرعون إلى راعٍ لغنم يثرون، ولكنها وسيلة الله لصنع التغيير أن يُقلَّب من إناءٍ إلى إناء، فتختلف الرائحة ويتغيَّر الطعم.  وفي حياة موسى نجد يد الله تعمل وتسيطر بدءًا من انتشاله من النهر، مرورًا بنشأته في حضن يوكابد أمه، هذه المرأة الرائعة التى لم تكتفِ بأن ترضعه اللبن، لكنها علَّمته من هو الله ومن هم شعب الله، وأخبرته بالكثير عن مواعيد الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، كما حدثته عن إخوته وأثقالهم ومذلتهم.  
   ثم نجد موسى ينتقل من الكوخ الصغير إلى القصر الكبير لكي يتهذب بكل حكمة المصريين.  وهذا ليس من قبيل المصادفة لكنها أعمال العناية الإلهية.  وتستمر يد الله في التشكيل والتغيير لنجد موسى غريبًا في مديان، بعد أن رفضه إخوته، راعيًا للغنم، ليتعلَّم في عزلته درس الاتضاع في مدرسة الله.  فلم يترك الرب شيئًا للصدفة أو لعبث الأقدار، فلنثق في حكمته، ولنقبل تشكيله لحياتنا وشخصياتنا، ولنمتلك اليقين بأنه يريد أن يخرج منا آنية للكرامة ليُحقق فيها مشيئته الصالحة، متى خضعنا لعمله فينا حتى لو كان ذلك مُذلاً وضد قناعاتنا، كما حدث مع موسى في مديان.  فمن يقول أن الوارث لخزائن مصر يفتقر إلى الخبز، والذي عاش في القصر يرتضي أن يسكن مع كاهن مديان في بيت متضع، والذي كان مقتدرًا في الأقوال والأفعال لم يجد عملاً سوى أن يرعى الغنم، هذه المهنة الحقيرة والتي تُعتبر رجسٌ عند المصريين.  ومن يقول أن الأمير الجميل جدًا يرتبط بزوجة كوشية! هذه كلها ضد الرغبات والقناعات الطبيعية، لكنها هي مدرسة الله التي صنعت موسى. 

 ثالثًا:النتيجة

   قال أحدهم: لكي يخلق الله إنسانًا يحتاج إلى نفخة، ولكي يصنع خادمًا يحتاج إلى 80 سنة.  وها نحن نرى نتيجة الخضوع لمعاملات الله والحياة بحسب مشيئته إذ نجد خادمًا من طراز فريد في أمانته لله ومحبته لشعب الله، فيختار الذل مع شعب الله ويحسب عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر.  يعرف متى يتحدث مع الله عن الشعب ومتى يتحدث مع الشعب عن الله، ويعرف كيف يثق فى الله ويتوقع خلاصه وقتما يفقد الآخرون الأمل.  نراه مُتأنيًا بطيء الانفعال، يتحمل الإساءة والتجريح ويسحب نفسه إلى الرب مصليًا واثقًا في نعمته وكفايته.  نعم لقد أعده الله وأرسله فما أروع الإعداد وما أنجح الإرسالية.  وأما المعزي والمشجع أن يد الله مازالت تُعد وتشكل، ومصنع النعمة لا يزال يصيغ وينتج، فهل نضع أنفسنا بين يدي هذا الفخاري العظيم ليُعدَّنا طبقًا للغرض الذي لأجله صنعنا، فتكون النتيجة ”حياة في رضاه“.  فليعطنا الرب أن نعرف الغرض ونخضع للوسيلة لنتمتع بالنتيجة المباركة.
                                                 يُتبع


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com