عدد رقم 2 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون  

طاعة مُكلِّفة..وبداية منطقية

«وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَثَوْرًا ثَانِيًا ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ، وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى رَأْسِ هذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ، وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلاً» (قض6: 25-27).
------

لا زلنا بصدد المشهد التاريخي المؤثر في بداية دعوة الرب المباشرة لجدعون، ذلك المشهد الذي لم يؤثر فقط في تاريخ جدعون الشخصي، بل وفي بيته وكل تاريخ شعب الله كذلك.  
وفي هذا العدد نتوقف أمام أول تكليف مباشر من الرب لجدعون، ولكي تتحول الذبيحة إلى الرب وتُقدَّم له على المذبح، ينبغي أن يسبق ذلك هدم مذبح البعل الذي لأبيه وقطع السارية التي عنده (ع25).  ودائمًا وأبدًا: التخلص من الشر يسبق حياة البر، والتوبة تسبق الإيمان، والملء الإلهي يتطلب إناءً فارغًا خاليًا من أي دنس... وهكذا، «فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ» (2تي2: 21).  ويمكننا في هذا التكليف أن نرى أمرين هامين:

أولاً: الطاعة المُكلِّفة:
أن يسير المرء مع التيار، ويعبد الرب وسط عائلة مقدسة وأجواء روحية مباركة فهو أمر سهل (رغم أنه نادر وسط كثيرين منا كشباب اليوم بكل أسف).  أما أن يسير الشاب ضد التيار ويهدم مذبح البعل الذي لأبيه ويقطع السارية التي عنده – مهما كانت العواقب المجهولة- ويُقدم ذبيحة للرب فهذا هو التحدي الحقيقي لمحبتنا للرب ولولائنا له.  أما أن يتم ذلك فورًا فهذا أروع بلا شك.  «فَبَكَّرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْغَدِ وَإِذَا بِمَذْبَحِ الْبَعْلِ قَدْ هُدِمَ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي عِنْدَهُ قَدْ قُطِعَتْ، وَالثَّوْرُ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ» (ع28).
أحبائي الشباب .. أتمنى أن يضع كل منا نفسه الآن مكان جدعون: ترى ماذا سيكون تجاوبنا مع هذا التكليف من الرب؟ إننا نعيش وسط مجتمع روحي شكلي وثقافة كتابية سطحية وعمق اختباري ضحل، ودليلنا الأكبر على ذلك هو أن الطاعة للرب ولكلمته غالبًا ما تحكمها الكلفة.  فطالما كانت الطاعة غير مُكلفة، فلا مانع إطلاقًا منها، بل وعادة ما نبرزها كدليل على الإيمان والتقوى.  أما إذا كانت الطاعة مُكلفة وتصدم رغباتنا الطبيعية وطموحاتنا الحياتية فما أكثر الأعذار وأكبر تنوعها في سبيل الهروب من هذه الطاعة الواضحة والواجبة!
’’هذا رأيٌ وليس نصًا ‘‘  ’’هذه إحدى التفسيرات‘‘  ’’هذه لا تنطبق علينا‘‘  ’’هذا صعب في مثل ظروفي‘‘  ’’الرب يريد رحمة لا ذبيحة‘‘  ’’هذه أفكار بالية عفا عليها الزمن‘‘ والعديد غيرها من العبارات التي لا يمكن أن تندرج إلا تحت رفض الطاعة المُكلفة! وها جدعون ينجح في أول اختبار حقيقي ويطيع أول تكليف إلهي دون تردد، وإن فعلها ليلاً خوفًا من العائلة، وهو ضعف إنساني ولا شك، لكن لا شك أيضًا أن الرب قدَّره وثمَّن طاعته.
اقتبس هنا كلمات خادم إنجليزي فاضل جاوز التسعين من عمره وقتها كتب هذا التعليق في معرض تأملاته على بداية حياة صموئيل المطيعة لنداء الرب: ’’لو كنا في إيماننا أكثر بساطة، وفي طاعتنا أقل ترددًا لتعلمنا فكر الرب بأسرع مما نتعلمه الآن‘‘.  إلى أي قدر يعي الكاتب والقارئ ذلك ونحن في ريعان الشباب؟

ثانيًا: البداية المنطقية:
إن البداية المنطقية للشهادة لله ولخدمة الرب هي دائماً ’’أهل البيت‘‘.  والمبدأ الإلهي يظل صحيحًا «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّر(يقود) بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟» (1تي3: 5).  صحيح أن جدعون كان هو الأصغر لكن كم من أصغر أثَّر في أكبر، بدأ بنفسه وبيته؟ إن الأمثلة الكتابية، والمشاهدات العملية تجل عن الحصر.. (انظر مثلاً صموئيل ويوشيا والفتاة المسبية وتيموثاوس وغيرهم)، أن يكون الشخص صغيرًا في بيت لا يعني أبدًا عجزه عن التأثير الروحي المبارك على كل أهل ذلك البيت.  وإرسالية الرب في سفر الأعمال للرسل كانت أن بدأوا باليهودية، ثم السامرة، ثم إلى أقصى الأرض (أع1: 8).
إنه درس هام كعاملين في حقل الخدمة، ليس هناك أسبق أو ألزم من التوجه بالخدمة إلى بيوتنا قبل الكنائس والمنابر والفضائيات.  إن القلب لمرتعد، والقلم ليرتعش خوفًا حقيقيًا على نفسي وعلى إخوتي من مآسي أليمة تنتج عن إهمال البيت كأولوية، وأحيانًا تحت أقدس الشعارات: الخدمة!
إنني أتجاسر إنسانيًا وأقول: إن قطيع الرب له كثيرين غيري، أما أسرتي فليس لها سواي؛ هذا من ناحية مسؤولياتنا كخادمين حقيقيين للرب.  ماذا ينتفع ’’الخادم‘‘ لو خدم العالم كله وخسر بيته؟ وماذا يعطي المؤمن فداءً عن أسرته؟؟ وأي مجد سيعود إلى سيدنا إن فشلنا نحن عبيده في الدائرة الأقرب، في حين طبق صيتنا الآفاق هنا وهناك؟
مرة أخرى أكتب برعدة حقيقية وتوسل إلى الرب أن يرحم الكاتب والقارئ من هذا البؤس المتكرر كثيرًا بكل أسى في أوساط ’’الأنشطة المسيحية‘‘ اليوم.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com