عدد رقم 2 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المشجعات للمسيحي في الأيام الأخيرة  


تأملات وخواطر في رسالة تيموثاوس الثانية (1)

   أيها الشاب المؤمن العزيز .. هل تشعر بالإحباط والفشل، وهل تسرب اليأس إلى نفسك بسبب الضعف الذي يسود؟ هل خاب رجاؤك في الناس وكذا في نفسك؟ هل لم تعد قادرًا على الصمود ضد تيار الشر الجارف وهياج العدو الزائد وبريق العالم الخادع؟ هل ندرت المواهب وغاب الرعاة والمعلمين، فازداد الجوع الروحي وازدادت المشاكل بين المؤمنين؟ هل خدمتَ وتعبتَ ولم تجد ثمارًا لخدمتك؟ إن الرب يشجعك بالقول: لا للفشل .. لا للخجل .. لا للكلل.

   لقد كتب الرسول بولس رسالته الأخيرة إلى ابنه الحبيب في الإيمان تيموثاوس، الذي كان قريبًا لقلبه وتربطه به علاقة حميمة ووطيدة، وهو على وشك الرحيل من هذا العالم، بعد أن أكمل سعيه وأتم خدمته، مُقدمًا له التشجيع والمعونة والتعزية، وهو يمد البصر إلى حالة المسيحية في الأيام الأخيرة، ووضع المسيحي الصحيح وسط مشهد الضعف والفشل والارتداد في آخر الأيام قبل مجيء الرب للاختطاف.

   وبقدر ما نرى فشل المجموع فإننا نرى الأمانة الفردية والبيتية تزداد لمعانًا.  وقد قدَّم الرسول في هذه الرسالة كل التعضيد للشخص التقي الذي يقف في صف الله ضد التيار الجارف، مؤكدًا أن الله لم يتركنا بلا معونة في مواجهة الظروف والأيام الصعبة، وأنه أعد لنا إكليلاً في السماء سنلبسه في ذلك اليوم.
   إن هذه الرسالة تشبه إلى حد كبير سفر القضاة في العهد القديم من حيث الفشل العام المتزايد وسط شعب الرب، حتى انتهى بفشل القاضي نفسه (شمشون)، لكننا نقرأ عن أمانة فردية.  هناك نقرأ عن كالب وعائلته التقية، وهنا نقرأ عن تيموثاوس وأمه وجدته، وعن بيت أُنيسيفورس.  هناك نقرأ عن بوكيم (مكان البكاء)، وهنا نقرأ عن دموع تيموثاوس.  هناك نجد مَنْ يحارب لأجل الميراث، وهنا نجد الدعوة للتمسك بالحق وعدم التحوُّل عنه.

   كان الرسول بولس على وشك الرحيل من المشهد في أحرج وقت كانت تحتاجه الكنيسة، وكان على تيموثاوس أن يتعلَّم أن الله، وليس الخدام الأفاضل أو الرسل، هو الذي يبقى لمعونة الكنيسة وتعضيدها على مر الزمان.

   لا شك أن الفشل الذي نراه يتزايد حولنا في صورة شرور أدبية محزنة وسط المؤمنين، وعدم أمانة للحق أو تمسك به، والضحالة الروحية في التعليم والتكريس، والاكتفاء بصورة التقوى والمظاهر البراقة التي تُبهر وتُعجب الكثيرين دون جوهر حقيقي يرضى عنه الله، كل هذا يكسر قلب الأمين الذي يبحث عن مجد المسيح في وسط كنيسته، ويبحث عن إطعام الخراف في زمن الجوع، وليس مداعبة الجداء، ويبحث عن شهادة مؤثرة تقود النفوس إلى المسيح وتنشئ فيهم عطشًا مُقدسًا إلى كلمته.  وهناك فارق بين النادي الاجتماعي حيث مُلتقَى الأحباء والأصدقاء والاستمتاع بكل أوجه الترفيه والأنشطة، وبين كنيسة الله التي من أجلها مات المسيح وقام وصعد وأرسل الروح القدس ليُكوِّنها ويسكن فيها، لتصبح بيت الله الذي يستريح فيه ويُكرَم ويتمجد على الأرض.  وبالأسف لقد تحولت المسيحية إلى بيت كبير اختلطت فيه الأمور، وأصبح الهدف الأول الذي يسعى إليه القادة هو إرضاء الناس وليس إكرام المسيح.

   ونحن إذ نتعاطف مع تيموثاوس كخادم أمين يشق طريقه وسط الصعوبات والمفشلات التي حوله، خاصة بعد رحيل بولس، فإننا نشكر الله من أجل كل المعونات والمشجعات والمصادر الثابتة التي وضعها الرسول بولس أمامه ليتعلَّق بها الإيمان وسط هذا المشهد القاتم والتي نراها على النحو التالي:

1. «بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله» (2تي1:1).  فهو يحمل له رسالة مباشرة من المسيح الممجد في السماء، وليس من الناس.  ونحن كذلك علينا أن نقرأ هذه الرسالة وكل أقوال الله الموحى بها بنفس التوجه أنها رسالة من الله لنا.  وفي كل صباح عندما نمكث أمامه سنجد أن عنده كلامًا ورسالة يقولها لنا، ويا لها من تعزية! إنه يعلن عن مشيئته وقصده الثابت الذي لا يتغيَّر عندما ينهار كل شيء ويتغيَّر.  أما إذا شعرتَ يا صديقي بأنه صامتٌ ولا يتكلَّم معك لفترة طويلة، فهذا أمرٌ مخيف ويحتاج إلى مراجعة وفحص للنفس، وعليك أن تسأله لماذا؟

2. «لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح».  على الرغم من أن الرسول كان أمامه الموت، وكان يعلم أن وقت انحلاله قد حضر، لكنه تكلَّم عن إتمام ”وعد الحياة“ لكل المؤمنين.  فلقد وعد الله المسيح أنه سيعطي المؤمنين حياة أبدية، والمسيح فيه النعم والآمين لضمان تحقيق هذا الوعد.  والحياة الأبدية تُرى في ملئها في المسيح الممجد في السماء، وبولس يركز على التمتع بها في كمالها هناك في المجد في السماء عندما نلبس الأجساد الممجدة في المستقبل، لأجل ذلك يسميها «وعد الحياة». 

3. «نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والمسيح يسوع ربنا» (ع2).  ويا لها من تعزية وسط الصعوبات والفشل الذي يسود أن نجد إمدادًا إلهيًا من النعمة المتدفقة والرحمة المترفقة والسلام الذي يسود حياتنا كل الأيام حتى لو زاد الظلام.

4. ورغم تراجع الكثيرين فإن النعمة تُبقي أمثال «تيموثاوس الابن الحبيب».  وهو أمر مشجع أن نجد في كل عصر أناسًا أمناء نُعبِّر لهم عن مشاعرنا، ونُفضي لهم بمتاعبنا وهمومنا وأثقالنا.  وفي كل جيل لن تخلو الساحة من أصدقاء أمثال تيموثاوس، ولن نُحرم من أشخاص مكرسين نستريح لهم.  ولقد تميَّز تيموثاوس بصفتين بارزتين نالتا إعجاب وتقدير بولس هما: الدموع والإيمان العديم الرياء (ع5،4).  فالدموع عبَّرت عن أنه رجل له عمق روحي وعواطف جياشة تشعر بالحالة التي وصلت إليها دائرة الاعتراف المسيحي.  والإيمان العديم الرياء جعله قادرًا أن يرتفع فوق هذه الحالة. 
   كان تيموثاوس شخصًا رقيقًا وحساسًا في تكوينه، وربما كان حاضرًا مشهد القبض             على بولس، وعندئذ انفجر في البكاء شاعرًا بالخسارة الكبيرة التي حلت بكنيسة الله بصفة عامة في هذا الوقت الحرج، وبه شخصيًا حيث كان بالنسبة له أبًا ومُعلِّمًا وراعيًا، وكان في شديد الاحتياج إليه.  وغيابه جعله يُغمَر بالإحباط والفشل، ولكن الإيمان جعله يصمد ويثبت ويتمم خدمته.

5. بولس كان مسرورًا أن يذكر هذا الشاب في صلواته (ع3).  وكم هو أمر مفرح لأي قديس مُحبَط ومكسور القلب أن يعرف أن هناك أحباء أفاضل مُكرسين يذكرونه بلا انقطاع في صلواتهم ويشجعونه.  ونحن لن نُحرم من هذا الامتياز.

6. الجدة والأم الفاضلتان (ع5).  لقد رتبت العناية لتيموثاوس من خلالهما المناخ التقوي الذي نشأ فيه، وتعلَّم منهما الكتب المقدسة.  وكم هي بركة ومعونة لكل شاب أن ينشأ في بيت مسيحي حقيقي يجد فيه النماذج التقوية، ويتعلَّم فيه كلمة الله والطريق الصحيح للخلاص من الطفولة.

7. الموهبة الخاصة (ع6).  بعد أن عبَّر الرسول عن عواطفه تجاهه حرَّضه لكي يُضرم موهبة الله التي فيه والتي أعطيت له بمصادقة الرسول بولس نفسه بوضع يديه.  وبسبب الفشل العام وضعف النتائج في الخدمة، وتحول الناس عن الحق إلى الخرافات، وعدم احتمالهم للتعليم الصحيح، هناك خطر إهمال استخدام المواهب المعطاة والشعور بعدم نفعها.  وعلي كل شاب أن يعرف ماذا أخذ من الرب ولا يحتقر القليل بل يستثمره بأوفر نشاط، ولا يفشل بسبب النتائج بل يترك الأمور بين يدي الرب.

8. «روح القوة والمحبة والنُصح» (ع7).  بعد أن تحدث عن الموهبة الخاصة لتيموثاوس تكلَّم عن أشياء عامة معطاة لكل المؤمنين، موضحًا أن «الله لم يعطنا روح الفشل (الجُبن) بل روح القوة والمحبة والنصح» (ع7).  وليس المقصود هنا أقنوم الروح القدس بل ما ينتجه الروح القدس من حالة مباركة في المؤمنين حيث القوة والمحبة والذهن الروحي السليم الذي يُميِّز ويحكم في الأمور.  ومهما كانت الصعوبات فإن المؤمن مُؤهل بقوة ليعمل إرادة الله، ويُعبِّر عن محبة الله ويحكم بعقل الحكم الصحيح في الأمور وسط حالة التشويش.

9. شهادة ربنا يسوع المسيح (ع8).  وبعد أن ذكَّره بالروح الذي يُنشئ الشجاعة، حرَّضه أن يشهد للمسيح ولا يخجل من أن يُظهر ذلك للعالم.  و«شهادة ربنا» هي الشهادة للمسيح الممجد الآن في السماء بعد أن انتصر على العالم وكل قوة الشيطان.  وهذا هو موضوع فخر المؤمنين لكي يمدحوا ويعظموا هذا الشخص المهوب ويُقدِّموه للعالم الذي لا يعرفه.  وهذا ما فعله الرسول بطرس الذي لم يخجل بشهادة ربنا بل قال بكل جرأة لليهود: «فليعلم جميع بيت إسرائيل أن الله قد جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا» (أع36:2).

   وهكذا إذا بدا انتصار الشيطان ووضع بولس في السجن، والقديسون هجروه وتخلوا عنه، وازداد الاضطهاد وتيار الشر، فإن الرسول ارتفع فوق كل هذا وهو يدرك أن المسيح في يمين العظمة في الأعالي، مكللٌ بالمجد والكرامة، فوق كل الرياسات والسلاطين الملائكية، وقد دُفع إليه كل سلطان، وهو على عرش الآب يسيطر ويدير، ولا شيء يمر دون ملاحظته.  لذلك استطاع أن يقول: «الرب وقف معي وقواني»، «من الجميع أنقذني الرب»، «وسينقذني الرب من كل عمل رديء، ويخلصني لملكوته السماوي».

   نحن كثيرًا ما نتكلَّم عن حياة المسيح هنا على الأرض، وعن آلام المسيح وموته على الصليب، وعن مجيئه الثاني، لكننا نادرًا ما نتكلَّم عن المسيح وأين هو الآن؟ إنه في قمة المجد، حائزًا أسمى مقام.  هذه هي «شهادة ربنا»، فهل نخجل منه ومن الشهادة له؟ 

   صديقي.. إذا نظرت إلى هذه المشجعات ستجد في معظمها أو كلها ما يناسب حالتك وما يجعلك ترفع الرأس. 

                               ولحديثنا بقية بمشيئة الرب
 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com