عدد رقم 2 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هل تفكر في الهجرة؟  

منذ أكثر من عام تصاعدت الأحداث وزادت حدتها في بلادنا، بالإضافة لصعود تيارات سياسية مختلفة وجديدة على الساحة، والانفلات الأمني الحادث في كل مكان، مما جعل مشاعر الإحباط تتزايد، لا سيما داخل الشباب المسيحي، ومن ثَمَّ بدأ التفكير في ترك الوطن والهجرة إلى بلاد نعتقد أنها أكثر أمانًا. هذا التفكير موجود، وبقوة، لدى الكثيرين.  لذلك كان التفكير في هذا المقال، لعله يُعلن الفكر الإلهي من جهة هذا الأمر.

يخبرنا الكتاب المقدس عن كثيرين هاجروا تحت ظروف مختلفة، وسوف نتجول معًا لنستطلع الظروف التي أدت إلى الهجرة وأيضًا النتائج التي ترتبت عليها.  وتستطيع يا عزيزي أن تصنف نفسك من أية فئة أنت؟ إذا كنت تفكر حقًا في الهجرة.

هجرة بدعوة إلهية أو أمر إلهي:

أبرام: «قال الرب لأبرام اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك»، وهو بالإيمان لما دُعي أطاع (تك12).  وما أعظم النتائج: «فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك. وتكون بركة ... وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض ... ولنسلك أعطى هذه الأرض» (تك12: 3،2،7). 
 ولكن أبرام هذا نفسه قام بهجرة أخرى إلى مصر بسبب الجوع، بدون أن يستشير الرب، وما أسوأ النتائج التي ترتبت على ذلك، حيث كاد أن يخسر حتى زوجته (تك12: 10-19).  وكان لا بد أن يرجعه الرب إلى ذات المكان، بعد أن خسر كثيرًا هناك.  ومن خبرات السابقين فإن من يهاجر ويفشل يُفضِّل أن يستمر في الفشل عن أن يرجع مرة أخرى إلى أرض الوطن.  ومن هنا نستخلص أن الهجرة بقيادة الرب إلى المكان الذي يختاره الرب، كلها مكاسب: روحية (الخيمة والمذبح والشركة والشهادة)، وزمنية ( أباركك وأعظم اسمك .. لنسلك أعطي هذه الأرض)، أما الهجرة بدون أمر إلهي بل تحت ضغط الظروف، فكلها خسائر.

إسحاق: كان مُزمعًا أن يهاجر إلى مصر، بسبب الجوع، ولكن الرب قال له: «لا تنزل إلى مصر ... تغرب في هذه الأرض، فأكون معك وأباركك» (تك26: 3،2) وعندما أطاع إسحاق، باركه الرب وكان محصوله في تلك السنة مئة ضعف، وصار عظيمًا جدًا (تك26: 12-33).   

هجرة بقرارات سيادية من السلطات

 مثلما حدث لأكيلا وبريسكلا (أع2:18)، وهنا كان لا بد من الطاعة إذ مكتوب: «لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من الله» (رو13: 1).  ولا شك أن أكيلا وبريسكلا سألا الرب عن المكان الذي يتوجهان إليه، لذلك استخدمهما الرب في كورنثوس، فكانا عونًا للرسول بولس حيث أقام عندهما، وعونًا لأبلُّوس حيث أخذاه إلى منزلهما وشرحا له الحق بأكثر تدقيق. 

هجرة بسب الأسْر والسبي

 كما حدث مع يوسف الذي أُنزل إلى مصر (تك39)، ودانيال ورفاقه (دا1)، والفتاة التي سُبيت إلى آرام (2مل5: 2)، وغيرهم.  وقد تمتع هؤلاء بمعيَّة الرب واستخدامه لهم فكانوا سبب بركة لأنفسهم ولغيرهم.

هجرة بقرار من الأهل هروبًا من مشاكل جلبناها لأنفسنا

فعندما أخذ يعقوب البكورية من عيسو بأكلة عدس (تك25: 29-34)، ثم خدع أباه وأخذ البركة على أنه عيسو (تك27)، استشاط عيسو غضبًا، وفكر في أن يقتله، ومن هنا كانت مشورة الأم في أن يهاجر إلى حاران (تك27: 41-43)، وقد كان.  ويا للألم والحصاد المرير لمدة عشرين عامًا!

هجرة بسبب الجوع (أكل العيش) 

ونرى ذلك في أليمالك وأسرته الذي ذهب من بيت لحم ليتغرب في بلاد موآب.  لقد هرب من الجوع، فوجد الموت في انتظاره هو وابناه.  فيا للخسارة الفادحة! (را 1).

هجرة بحثًا عن معيشة أفضل

ونرى ذلك في لوط الذي اختار لنفسه أرض سدوم، وكان أهل سدوم أشرارًا وخطاة لدى الرب جدًا (تك13: 11-13)، فخسر كل شيء: الممتلكات والسلام والكرامة والشهادة والزوجة والأولاد (تك 19).   
هذه أمثلة قليلة من كثير في الكتاب توضح لنا أن الهجرة إذا كانت مرتبة من الله، وفي مشيئته، فهي ستؤدي إلى نتائج مباركة.  والعكس بالنسبة لتلك التي كانت هروبًا من الواقع الذي نعيشه، أو نتيجة ظروف صنعناها لأنفسنا، فإن النتائج ستكون مؤلمة والحصاد مرير.

حقائق أمام المؤمن

1- الوطن الأرضي محدود بسبب سهولة وسائل الاتصال، لاسيما الإنترنت، فقد أصبح العالم قرية صغيرة، وأصبح ممكنًا متابعة الحدث لحظة وقوعه في شتى أنحاء العالم، ومن هنا فإن قرار الهجرة لم يعد صعبًا.  فهناك متغربون أصبح اتصالهم بأهلهم أكثر مما كان أيام تواجدهم معهم في  نفس البلاد. 

2- الوطن الأرضي وحقيقته: العالم المادي بكل مدنه ودوله ما هو إلا مكان مؤقت لنا, فموطننا الحقيقي هو السماء (في3: 20؛ عب11: 10،9)، وفي أي مكان سنشعر بالاغتراب.

3- كل مجتمع له عيوبه ومشاكله: ومتاعبنا لا يُصلحها تغيُّر الوطن بل تغيُّرنا نحن.  وكثيرًا ما كانت المشاكل في المهجر أكثر كثيرًا من التي في الوطن الأصلي.

4- الهجرة والأمور المادية: يظن البعض، خاصة الذين يعانون من ضيقات مادية طاحنة في أوطانهم، أن ظروفهم المادية ستتحسن سريعًا عندما يهاجرون، لكن الحقيقة أن هذه أكذوبة كبرى أيَّدها معظم من هاجروا، وذلك للأسباب الآتية:

- يعانى شباب معظم هذه الدول المتقدمة من البطالة بين شبابها، مما يعني محدودية فرص العمل.  وإن وجدت فإنك سوف تجد – غالبًا - أقل المهن، وسوف تعاني من كراهية الآخرين لأنك أخذت فرصتهم للعمل في بلدهم.

- يتعرض الأجانب بصفة عامة والمصريون بصفة خاصة للاستغلال في مرتباتهم نظرًا لأنهم يعرفون الظروف الاقتصادية الطاحنة التي أدت إلى الهجرة، على مبدأ "إن كان عاجبك"! 

- التهديد الوظيفي للمغترب قائم بدرجة كبيرة جدًا؛ فقد تفقد عملك لخطأ بسيط في فهم القانون وهذا وارد جدًا.  وهناك لا يوجد مجال للعواطف أو المجاملات كبلادنا، وليس من يرحم غير الرب. 

- في معظم البلدان يعطون الأولوية في الوظائف لأبناء أوطانهم الأصليين، وهذا يُصَعِّب الحصول على فرصة حقيقية، والاحتفاظ بالوظيفة يصبح أصعب.

- قد يكون هناك تحسن في المستوى المادي، ولكن على حساب أمور أخرى مهمة, فساعات العمل طويلة جدًا؛ قد تصل إلى اثنتي عشرة ساعة، مع إضافة ساعات المواصلات ذهابًا وعودة.  وعندما يأخذ العمل كل هذا الوقت، فكم يتبقى منه للأسرة والاجتماعات الروحية والخدمة!

5- الهجرة والحالة الروحية:

يظن البعض أن الهجرة ستمنحهم حرية العبادة والخدمة، لكن الحقيقة، كما سبق وذكرنا، أنه مع ضغوط الحياة الوظيفية، وبُعد أماكن العبادة، لا يُتاح للمؤمن إلا حضور اجتماع واحد في الأسبوع بعد سفر ساعات، وقد يستغرق هذا منه كل يوم إجازته.  أما عن حرية الخدمة، فلا تُصدم عندما تسمع أن البلاد التي تُسمَّى «مسيحية» يُحظر فيها المناداة بالمسيح في الأماكن العامة، على اعتبار أن هذه حرية شخصية، وإذا بشَّرت بالمسيح كأنك تقيد حريته وتفرض رأيك عليه.  كما أن سهولة الحياة بالنسبة لأهل هذه البلاد علَّمهم الاكتفاء وحل مشاكلهم بعيدًا عن الرب.  ذكر أحد المبشرين أنه عندما أراد إعطاء نبذة لأحدهم، استفسر الأخير عما بها، فلما عرف أنها تدعوه لقبول المسيح قال: «أنا لا أحتاج للمسيح، فلديَّ كارت ائتمان أستطيع من خلاله الحصول على ما أريده! اذهبوا اكرزوا بالمسيح في البلاد الفقيرة فهي التي تحتاج إليه!! 
- ربما بالهجرة نترك مسؤوليتنا تجاه الأعداد الغفيرة من حولنا، فمن سيقود هؤلاء للمسيح ويوصل لهم الرسالة؟ وهل صدفة أن الرب أراد لنا أن نعيش بينهم؟!

6- الهجرة والعائلة: إن مبررات الهجرة لكثيرين ممن هاجروا بأُسَرِهم كان هو مستقبل الأولاد.  فمع أن ظروفهم كانت جيدة، ولهم خدمة للرب في بلادهم، لكنهم أرادوا أن يوفروا لأولادهم مستقبلاً أفضل.  لكن الكثيرين – ويا للأسف – كان أول من ضحوا به وخسروه هم الأولاد! ونتيجة للحرية والانفتاح غير المشروط، والثقافة المختلفة وضغط الأقران والمجتمع, وأيضًا لندرة الوقت الذي يقضونه مع أولادهم بسبب طاحونة الحياة وقلة الرعاية الروحية؛ انتهت القصة نهاية مؤسفة. 

نصائح لمن يفكرون في الهجرة:

1- لا داعي لتقليد غيرك: لا تأخذ من نجاح غيرك في الغربة مقياسًا لك قبل أن تجلس معه وتسمع منه.  هكذا نصح أحد المغتربين الناجحين.  فكل حالة لها ظروفها وتعاملها الخاص مع الرب.  وللرب خطة خاصة لكل مؤمن فالذي قال ليعقوب: «لا تخف من النزول إلى مصر» (تك 46 :3) هو الذي قال لإسحاق: «لا تنْزِل إلى مصر» (تك 26 :2)! 

2- انتظر الإشارة الإلهية: الهجرة ليست شرًّا إن كانت هي خطة الله ومشيئته لك. فعندما يؤكد لك روح الله في داخلك أنك تسير في الطريق الصحيح، لن يجد العدو الفرصة في المستقبل ليُشكِّك مهما كانت الضغوط المقبلة.  وأريد أن أنبِّر هنا على أن مشيئة الرب لا تعني أن يكون الطريق مفروشًا بالورود، لكنه سيكون معك فيه.  

3- مشروعية الهجرة: الهجرة الصحيحة لا بد وأن تكون خطواتها صحيحة من جهة: الحصول على الفيزا، وطريقة السفر.  فالهجرة غير الشرعية هي عمل غير قانوني، كذلك طريقة الحصول على عمل، وعلى الجنسية فلا داعي للكذب والالتواء لأجل الحصول عليها، فالله - الذي هو مصدر النجاح دائمًا - لا يُصادق على الشر ولا يقبله.

4- هدف الهجرة: أقول لمن اتخذوا قرار الهجرة في مشيئة الله الصالحة المرضية الكاملة: لا تنسوا أن الهدف من ترتيب الرب لنقلكم إلى وطن جديد، هو إعطاء الفرصة لكم لتعكسوا صورة المسيح ومجده لمن تتعاملون معهم، فأنتم رائحة المسيح الذكية ورسالته للعالم.  ولتتذكروا أن هذا هو هدف الله من هجرتكم، لا المال ولا الاستقرار ولا الحرية، فكل هذه الأشياء، مع أهميتها، ليست هي الهدف.  نحن في هذا العالم، لا لنستريح، بل لنشهد للمسيح.  فهناك من يفنون عمرهم لأجل جمع المال، وتناسوا أن في أماكن تواجدهم نفوسًا عطشى للمسيح.

وهناك مهاجرون كثيرون وضعوا على عاتقهم خدمة المسيح وربح النفوس، ولم يبخل الرب عليهم بالمال أيضًا. 
                                                                                                                            

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com