عدد رقم 4 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ماذا يقول الكتاب عن تعدد الزوجات  

س - إذا كانت إرادة الله في الزواج هي أن يتزوج رجل واحد بامرأة واحدة، فلماذا نرى تعدد الزوجات بالإضافة إلى السراري (الخليلات) في العهد القديم،  ليس فقط مع عامة الناس بل أيضًا مع رجال الله الأفاضل؟                                                                                        
ج -  إذا أردنا أن نعرف فكر الله من جهة الزواج فعلينا أن نرجع إلي حيث البداية في سفر التكوين أول أسفار الكتاب المقدس  ففي أول زواج في تاريخ البشرية، َقَالَ الرَّبُّ الإلَهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأصْنَعَ لَهُ مُعِينا نَظِيرَهُ».

«فَأوْقَعَ الرَّبُّ الإلَهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أضْلاعِهِ وَمَلأ مَكَانَهَا لَحْمًا.
وَبَنَى الرَّبُّ الإلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأةً وَأحْضَرَهَا إلَى آدَمَ».
فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي.  هَذِهِ تُدْعَى امْرَأةً لأنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ».
لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أبَاهُ وَأمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. (تكوين 2: 18- 24)

هذا هو التصميم الإلهي للزواج.  لقد أخذ الرب ضلعة واحدة، وبناها امرأة واحدة، لتصبح زوجة واحدة لرجل واحد.  وعندما يلتصق الرجل بامرأته يكونان جسدًا واحدًا، الرجل هو الرأس والمرأة هي الجسد في هذا الكيان الجديد.  ولا يُعقل أن يكون هناك رأسٌ له أكثر من جسد.  ولو كان في فكر الله أن يُؤيِّد ويصادق على التعدد لكان قد صنع لآدم أكثر من زوجة في الجنة، وذلك يسير عنده.  لكن من الواضح جدًا أن الله يرفض ذلك، وقد قصد أن يصنع كيانًا جديدًا تتمثل فيه الوحدة، فالزوج يعطي زوجته كل محبة قلبه باعتبارها جسده، والزوجة تخضع لزوجها باعتباره رأسها الوحيد. 

وإذا كان ذلك كذلك، فمَنْ إذًا الذي ابتدع فكرة تعدد الزوجات؟ إنه لامك السابع من آدم عن طريق قايين، الذي نقرأ عنه في سفر التكوين الأصحاح الرابع:
«وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ ... وَوُلِدَ لِحَنُوكَ عِيرَادُ.  وَعِيرَادُ وَلَدَ مَحُويَائِيلَ.  وَمَحُويَائِيلُ وَلَدَ مَتُوشَائِيلَ.  وَمَتُوشَائِيلُ وَلَدَ لامَكَ.
وَاتَّخَذَ لامَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ وَاسْمُ الأخْرَى صِلَّةُ.
وَقَالَ لامَكُ لامْرَأتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأتَيْ لامَكَ وَاصْغِيَا لِكَلامِي.  فَإنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي وَفَتىً لِشَدْخِي» (تكوين 4: 16- 23)

ومعنى اسم لامك "هدَّام أو مُخرب"، وكان بالحقيقة هدَّامًا لكل المبادئ الإلهية، وقد سار على درب أبيه قايين الشرير والقاتل والمتمرد.  وليس من سبب جعله يتخذ امرأتين سوى الشهوة الجسدية لإمتاع وإشباع رغباته التي لم تقنع بزوجة واحدة.      
                                   
ومن المهم أن نلاحظ أنه لم يرد في كل الكتاب ما يخالف التصميم الإلهي للزواج الذي وضعه الرب في جنة عدن، فلم يُصرِّح الرب الإله مطلقًا بما يبيح للرجل أن يتخذ أكثر من زوجة واحدة، بل علي العكس فقد أوصى شعبه ضد هذا التعدد.  لقد صنع الله كل شيء مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة.      
                   
                                           
والكتاب المقدس الذي يعلن الحق كله، يسجل لنا أن كل إنسان قد عوَّج طريقه  أمام الرب،
وحتى القديسين والأفاضل الذين خلصتهم النعمة وغيَّرت حياتهم بمعرفة الله الحي الحقيقي، قد أخطأوا  أحيانًا فيما يتعلق بالزواج وخالفوا ترتيب الله. 

٭فإبراهيم الرجل الفاضل، قد أصابه ضعف الإيمان في انتظار وعد الله  بالنسل، وقَبِلَ مشورة زوجته أن يأخذ هاجر جاريتها، لكي يُرزَق منها ابنٌ، وبالفعل أنجب منها إسماعيل.  ولكن هل بارك الرب هذه الخطوة وصادق عليها؟ كلا البتة.  فقد صمت ولم يكلمه بكلمة، ولم يظهر له كما كان قبل ذلك، وهذا الصمت استمر ثلاث عشرة سنة، بعدها قال له الرب:   
             
«أنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أمَامِي وَكُنْ كَامِلاً» (تكوين 17: 1)، حيث أن التصرف السابق دل على أنه لم يكن سائرًا أمام الرب ولم يكن كاملاً.
وقد جاء الوقت الذي حصد فيه إبراهيم نتيجة قبوله لهذه المشورة الجسدية إذ أمره الرب أن يسمع لقول سارة: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لا يَرِثُ مَعَ ابْنِي إسْحَاقَ».  فَقَبُحَ الْكَلامُ جِدّا فِي عَيْنَيْ إبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ.  فَقَالَ الله لإبْرَاهِيمَ: «لا يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أجْلِ الْغُلامِ وَمِنْ أجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأنَّهُ بإسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ» ( تكوين21: 8- 12).

فكان الحصاد من نفس جنس العمل، لقد قَبِلَ يومًا مشورة سارة في اتخاذ جاريتها، والآن عليه أن يستمع لسارة في أن يطرد الجارية وابنها
.

٭وكم عانى يعقوب وحصد المرار نتيجة تعدد الزوجات، فقد امتلأ بيته بالصراعات والمشاكل إذ أُجبر على الارتباط بأربع زوجات مخالفًا لترتيب الله.  وكان يحب راحيل ويكره ليئة، ويُميِّز أولاد راحيل عن أولاد ليئة.  وكل هذه الأخطاء نتيجة تابعة لتعدد الزوجات. 

٭وألقانه رجل حنة المرأة الفاضلة والتقية أخذ زوجة أخرى هي فننة، لأن حنة كانت  .  ومع أن فننة ولدت له بنين وبنات لكنها كانت سبب مرار في البيت، وقد ضغطت على نفسية حنة الرقيقة وجعلتها تبكي.  وهي صورة متكررة من المعاناة نتيجة تعدد الزوجات.
٭ولقد أخطأ داود أيضًا في اتخاذ نساء كثيرات، زوجات وسراري، كعادة الملوك وعظماء العالم في ذلك الزمان، مع أن الرب قد أوصى الملوك في شعبه أن لا يكثروا النساء:
«فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكًا وَلكِنْ لا يُكَثِّرْ لهُ الخَيْل ...وَلا يُكَثِّرْ لهُ نِسَاءً لِئَلا يَزِيغَ قَلبُهُ. وَفِضَّةً وَذَهَباً لا يُكَثِّرْ لهُ كَثِيراً» ( تثنية 17: 15-17).
ولكن داود لم يتحذَّر وسقط في هذه الخطية بالذات، فكيف تعامل الرب معه وهو الرجل المحبوب؟ هل تغاضي عن تصرفاته وأغلق عينيه؟ هل حاباه وأعطاه استثناءً خاصًا؟ كلا.  لقد وبَّخه توبيخًا صارمًا على ذلك، خاصة عندما أخذ بثشبع امرأة أوريا الحثي زوجةً لكي يعالج آثار خطيته، ولكي يولَد الابن الذي حبلت به في إطار علاقة زوجية مشروعة.  لكن ما عمله داود قبح في عيني الرب.  واعترف داود بخطاياه وتاب وسجل توبته في المزامير.

٭وتجربة سليمان الذي تزوج ألف امرأة، وكيف أملن قلبه عن الرب حتى أنه عبد البعل وسجد له، لكي يرضي زوجاته، وكيف ضاعت قوته الروحية وذهبت نضارته وحلَّت به الشيخوخة مبكرًا.  وأخيرًا كن السبب في ضياع المملكة.  هذه التجربة الفاشلة تتكلَّم بصوت عالٍ لكل شخص عاقل أنه ما أخطر الخروج على ترتيب الله، وما أكثر المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات.  إنه بالأسف لم يسمع نصيحة أمه التي قالت له: «لا تُعطِ حَيلك للنساء، ولا طرقك لمهلكات الملوك» (أم 3:31).

٭وفي العهد الجديد، عندما سُئل الرب يسوع عن أمر الزواج والطلاق رجع إلى ترتيب الله للزواج في البدء، حاكمًا على كل انحراف عن هذا الترتيب بخصوص الزوجة الواحدة قائلاً:  «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟».  وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.  إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متى19: 4- 6). وهذا المبدأ يُذكر ست مرات في العهد الجديد.

٭وهذا ما أكده أيضًا الرسول بولس قائلاً: «ليكن لكل واحد امرأته (الواحدة)، وليكن لكل واحدة رجلها (الواحد)» (1كو2:7). هذا هو فكر الله من البداية للنهاية، وأي عبث بقدسية هذه الوحدة سيسبب حتمًا نتائج وخيمة.                                                                                                                                                  
                                                                                                                                                                                                                                                                       نحميا ناثان






© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com