عدد رقم 4 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نحميا خدمة عادية في أيام غير عادية  

تحدثنا في المرة الماضية عن "نحميا... الرجل العادي في أيام غير عادية".  ورأينا المشابهات بين أيام نحميا وأيامنا الحالية، ورأينا كيف استخدم الرب رجلاً عادياً (ليس من النسل الملكي كزربابل، ولا الكهنوتي كعزرا، ولا من الأنبياء نظير حجي وزكريا (وجميعهم كانوا معاصرين له)، وعرفنا أن هذا هو مبدأ الله في يوم الضعف حيث "القوة اليسيرة" (رؤ3: 8).  وهذا يشجع كل شاب أن ليس عند الرب مانع أن يخلص بالقليل أو الكثير، وأن يستخدم الأواني الضعيفة والإمكانيات البسيطة.
وفي هذا العدد نتحدث عن "خدمة نحميا العادية في أيام غير عادية".  لقد تميَّزت هذه الخدمة بما يلي:
1.    عمل زمني ناجح
لم يكن نحميا عاطلاً، فالله لا يستخدم الكسالى، وخدمة  الرب ليست عملاً لمَنْ لم يُوفَّق في عمل زمني أو لم يجتهد في السعي إليه.  كما أنه لم يكن فاشلاً في عمله، لأن خدمة الرب كذلك ليست عمل مَنْ لم ينجح في عمله الزمني ولم يجتهد فيه بالقدر الكافي.  إن نحميا بنجاحه في عمله كساقٍ للملك الفارسي (الامبراطور) في شوشن القصر يضرب لنا مثلاً رائعاً، ويلمس لدى معظمنا وترًا حساسًا.  والواقع أن جميع من استخدمهم الرب سواء في العهد القديم أو الجديد (نظير موسى وجدعون وداود وأليشع والتلاميذ وبولس وغيرهم...)، كانت لهم أعمالهم الزمنية الناجحة إلى جانب خدمتهم، أو على الأقل قبل تفرغهم لها.  وفوق الكل كان رب الكل يعمل نجارًا في الناصرة قبل خروجه للخدمة الجهارية كما نعرف.  وجميل أن نرى مبادئ الله كما هي حتى في أيام الفشل الروحي والقومي.

2.    خدمة مُتميِّزة
لم تكن خدمة نحميا تكرارًا لخدمات سابقة أو تقليدًا للآخرين (وإن كان ترميم أسوار أورشليم عملاً معروفًا قبل ذلك)، أو مجرد خدمة روتينية التحق بها لأنه يحب أن يخدم، نظير المئات اليوم الذين "يلتحقون" بالخدمات "المتاحة" أو "المرغوبة" أو "التي تجمع الأصدقاء" تحت مسميات كنسية كثيرة وكبيرة! كلا .. لم تكن هذه دوافعه أو توجهاته.
   لقد جاء نفع نحميا وتأثير خدمته نتيجة قبوله لها من الرب رأسًا وبصفة شخصية.  فقد شعر بالتثقل من الرب، وقبل أن يطلب شيئًا من الملك صلَّى إلى إله السماء (نح2: 4).  وهذا هو الأساس في أية خدمة حقيقية ناجحة في نظر الرب، أن تكون ناتجة عن شركة عميقة بين الذي يخدم وإلهه، وتدريب داخلي أمامه، ويأخذ التكليف مباشرة منه، وأن تكون هذه بالتحديد هي مشيئة الرب في حياة الخادم أو الخادمة.  ليس فقط أن يعمل شيئًا حسنًا وصحيحًا، بل أن يعمل الشيء الذي يريده الرب منه في هذا الوقت.
   لقد صار من المشاهد المؤسفة في مجال الخدمة أن كثيرين يقومون بنفس الخدمات، بنفس الأسلوب الروتيني التقليدي لسنوات عديدة، دون تجديد أو اختبار للمسة الروح القدس، فلا يكون لخدماتهم التأثير الإيجابي الفعَّال، في حين أن رجلاً واحدًا يقوم بخدمة قد قبلها من الرب يسوع رأسًا (كو17:4)، يكون لها تأثيرٌ مضاعف ومبارك جدًا.  تُرى أين الكاتب والقارئ من هذا الأمر الخطير؟

3.    عينٌ على الرب

    يُقدِّم لنا نحميا نموذجًا للعين المُثبَّتة على الرب سواء عند بداية الخدمة (نح1: 4)، أو قبل أن يطلب شيئًا من الملك انتظارًا لتوقيت السماء (نح2: 4)، أو عند إتمامها حين واجه تحقير الأعداء لعمله العظيم (نح4: 9)، ثم محاولاتهم استدراجه إلى أمور فرعية واجتماعات استثنائية (انظر نح6: 1-5 ).  في كل هذه المراحل كانت عينُه مثبَّتةً على الرب، وكان هذا سر نجاحه وصموده ضد المفشلات.
إن تثبيت عيون إيماننا على المسيح ونحن نخدم، لا على أنفسنا، ولا على الأعداء، ولا حتى على الأحباء لهو درسٌ عملي لازم لنا جميعًا اليوم، فما أخطر مزالق النجاح وكلمات الإطناب، وما أكثر مهاوي الفشل وكلمات الإحباط جنبًا إلى جنب في ميدان الخدمة.  وليس سوى العين المثبَّتة على الرب، وعلى الهدف لتحقيق الرؤية في الخدمة ما يحفظ الخادم من هذا وذاك.  إننا كثيرًا ما تكل أعيننا وتتحول عن الرب، ونحتاج إلى الإيمان الذي يصمد إلى النهاية.

4.    قدوة:
عندما قصد نحميا أن يُرمِّم الأسوار ويُقيم الأبواب والبوابين من جديد برؤية واضحة من الرب، لم يكتفِ بتحريض الشعب ومتابعة العمل، بل كان هو أول مَنْ تحرك عمليًا وكانت يده في العمل.  قال الرسول بولس لتيموثاوس: «كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة» (1تي4: 12).  إن القدوة العملية صوتها أعلى وتأثيرها أقوى بكثير من مجرد التحريضات الكلامية.  ولنتأكد أن إيمان المخدومين هو دائمًا من نوع إيمان الخادم، فعلى قدر ما يكون الخادم رجلاً يسلك كقدوة عمليًا في حياته، بذات القدر يكون حال المخدومين عمليًا في حياتهم.

5.    التضحية:
استلزمت خدمة نحميا تضحيات كبيرة بدأت بمشغولية قلبه بأحوال شعبه، والصلوات والأصوام بينما كان يرفل في رغد عيش أعظم قصور زمانه، ومرورًا بسفره الطويل وهجرته العكسية إلى أورشليم (نقول العكسية لأن الكل يسعى بالطبيعة إلى الهجرة إلى بلاد أفضل وأغنى وأرقى....الخ)، ثم نزوله منفردًا ليلاً إلى أورشليم ليتفقد الأحوال بنفسه دون اعتماد على تقارير (الإخوة) التي سبق وأن تلقى بعضها وهو في شوشن القصر، وهي قد تصلح بداية لسماع الأخبار ولكنها مستحيل أن تصلح وحدها تقريرًا لخادم أمين ورجل فاضل يريد أن يكون سبب بركة للآخرين ويطلب خير إخوته.

ثم بأسلوب العمل باليد الوحدة، ومسك السلاح باليد الأخرى، وكيف كان حجم الخراب والأنقاض والأسوار المنهدمة مهولاً، ويتطلَّب مجهودًا مضنيًا، وصولاً إلى مقاومة شر الارتباط بأجنبيات في آخر السفر حتى بين القادة والأصدقاء.  كل هذه تضحيات تبدو معروفة في كلمة الله وطبيعية في كل خدمة رجال الله، بل وفي خدمة ابن الله نفسه، الخادم الأروع، ولكنها تبدو غريبة- في الواقع- على الكثيرين اليوم ممن ينشدون الخدمات المريحة، سواء نفسيًا  ومعنويًا، أو جسديًا وحتى ماديًا.  إن الصراحة – أحبائي الشباب- تقتضينا الاعتراف المُذل بأننا نهوى ثقافة الرفاهية وتدليل الذات، حتى في أمور الله وخدمة الرب بالتحديد، وللجسد البغيض فينا دائمًا ميلٌ لتبرير ذلك، بل وأحيانًا يصل بنا خداع النفس إلى تبرير الهروب من التضحيات والتمسك بالرفاهيات بمنطق روحي!! أما نحميا فلم يفصل نفسه عن إخوته، ولم يأكل خبز الوالي، واشترك في احتمال المشقات.

نعم إن هذه هي مبادئ كل خدمة ناجحة في كل عصر وجيل، وهي ألزم ما يكون في أيام الضعف والتشويش ومن خلالها – ومن خلالها فقط – نرى نجاح خدمة عادية وتأثيرها المبارك في أيام غير عادية.

                                            (إسحق إيليا)


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com