عدد رقم 4 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ما الذي أغضبك؟  

«لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخْدِم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين»
(مر 45:10)

بينما كان الرب يتكلَّم عن آلامه وصلبه وموته، طلب إليه يعقوب ويوحنا أن يجلس واحدٌ عن يمينه والآخر عن يساره في مُلكه.  فلما سمع العشرة اغتاظوا من أجل الأخوين لأنهم أرادوا هم أيضًا نفس المركز البارز في الملكوت.  لكن الرب اتخذ من هذه الحادثة فرصةً ليُعلِّمهم درسًا في الاتضاع مُقدِّمًا نفسه مثالاً.


لقد قال الرب عن نفسه إنه «لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم».  ليس أنه خدم أحيانًا البعض أو الكثيرين بل جاء ليَخدِم.  كان هذا قصده الثابت من مجيئه.  ولم يُفكر قط في أن يُخدَم.  إن روح العالم تتمثَّل في البحث عن الذات وحب الظهور والرغبة في أن الشخص يُخدَم ويُكرَم.  وهذا هو سبب الخلافات والصراعات.  وبالأسف هذه الروح تظهر أيضًا في كنيسة الله.  ومرارًا كثيرة نشعر بالكدر والمَرار، وننفعل ونغضب لأننا أتينا لنُخدَم وليس لكي نَخدِم.  ولنأخذ بعض الأمثلة:

•    إذا استُخفَّ بك أو تجاهلوك،
أو أن رئيسك أو مرؤوسيك لم يُقدِّروك ويعاملوك بالاحترام اللائق بمركزك ومؤهلك، وشعرتَ بهذا الاحتقار فتعكَّر صفوك، أتدري لماذا؟ هل لأنك أتيتَ لتَخدِم وتُقدِّم المساعدة فحُرمْتَ من امتياز الخدمة؟ كلا، بل لأن ذاتك لم تُقدَّر التقدير الكافي، لم تُخدَم، وأنت قد أتيتَ لتُخدَم، ومن هنا ثارت العاصفة.

•    إذا امتُدِحَ أو تقدَّم عنك شخصٌ آخر
، أتقن عملاً أكثر منك، أو نجح في أمر وكان أوفرَ حظًا منك، فنال كرامةً وتقديرًا ومكافأةً دونك، وكان بالفعل مُتميِّزًا ويملك ما لا تملكه.  هل تشعر بمرارة في داخلك نحوه؟ هذه هي الغيرة الجسدية.  كان المفروض أن تفرح وتشكر الله من أجله، ولكن المشكلة أنك تبحث عن ذاتك وتريد أن تُخدَم.

•    إذا ظُلمتَ في العمل أو من إخوتك في الاجتماع حيث أساءوا فهمك فعنَّفُوك،
وربما جازوك شرًا عوض خير، فامتلأتَ غضبًا وندمتَ على الخير الذي صنعته.  هل أنت بحق تلميذٌ ليسوع؟ هل أتيت لتَخدِم أم لتُخدَم؟

•    إذا أسديتَ معروفًا وأظهرتَ عطفًا وساعدتَ مُحتاجًا،
وقد كلَّفك ذلك بعض التضحيات، وكنت تنتظر مدحًا وتقديرًا، ولكن ذلك لم يحدث كما كنت ترجو.  فلم يشيدوا بذكر اسمك وتعظيم خدمتك، وصاحبُك قابَل الخدمة بشيء من الفتور ولم يُمطرك وابلاً من التشكرات باعتبارك من رجال الإحسان، فتولَّد فيك الشعور بأنك لن تقوم بخدمة أي إنسان مرة أخرى، ولن تُضحي لأجل أي شخص مهما كان.  لماذا؟ لقد خدمتَ شخصًا وساعدتَ محتاجًا، هذا صحيح، ولكنك لم تُخدَم.  لقد غضبتَ ليس لأنك لم تجد الفرصة لكي تَخدِم، فقد خدمتَ بالفعل، ولكنك لم تحصل على ما كنتَ ترجوه من هذه الخدمة.

•    إذا لم يُؤخَذ رأيك أو لم يُعمَل به،
وأنت شخصٌ ذو ذوق سليم وتُعطي رأيًا سديدًا، خاصة إذا كان ذلك في أمرٍ أنت تشعر أنك حُجةٌ فيه وعندك بخصوصه العلم اليقين.  لذلك فقد شعرت بالضجر وثارت ثورتك على إخوتك.  لماذا؟ هل بإهمال مشورتك قد حدث خطأٌ أو ارتباك؟ كلا.  ليس هكذا، بل في الواقع قد سارت الأمور سيرًا حسنًا بدون مساعدتك.  وربما هذا ما زاد من غضبك.  الواقع الأليم أنك أتيتَ لتُخدَم لا لكي تَخدِم.  كنت تريد أن تكون الكل في الكل، ولم تسعد أن ترى آخرين في الساحة يقومون بالعمل والله يباركهم ويؤيِّدهم ويستخدمهم. 

•    إذا خدمتَ في أحد الاجتماعات وكان الحضورُ كبيرًا، وقد لاحظتَ أن الأخ (فُلان)، من الإخوة المُتقدِّمين، موجودٌ بين المستمعين لكلامك.  وكان موضوعُك شيِّقًا وأسلوبُك جذَّابًا، وكنت تشعر بالقوة والتأييد وبقبول الكلمة في عيون السامعين.  وبعد الاجتماع كنت تنتظر أن الأخ (فُلان) المُتقدِّم، يأتي إليك توًّا ويُمسك يدك ويُهنئك على هذه الخدمة المُبارَكة.  ولكن الأخ فُلان خرج بسكون من الاجتماع دون أن يقول لك كلمة، فشعرتَ بخيبة وانطفأ سرورك.  ولماذا؟ لقد أعطاك الرب فرصة لتَخدِم عددًا كبيرًا، ولكن ليس هذا ما أتيتَ إليه تمامًا، فقد كنتَ تريد أن هذا الموضوع يخدمك ويُعظِّمك.  إنه الداء بعينه، لقد أتيت لتُخدَم.  وربما في مناسبة أخرى كنتَ مُتحفِّزًا للخدمة ومُرتِّبًا أفكارك، وفجأة سبقك آخر إلى المنبر وقدَّم نفس الأفكار وكان مُؤيَّدًا بقوة، فخرج الجميع مسرورين، وأما أنت فقد رجعتَ إلى بيتك نائحًا.  لماذا؟ هل لم يجد المؤمنون طعامًا وبُنينًا؟ كلا، لقد باركهم الرب كثيرًا، وإنما باركهم من خلال آخر.  هذه هي المشكلة.

•    إذا كانت لك خدمة في مدارس الأحد أو أي اجتماع فرعي، وكنت سعيدًا بهذه الخدمة وتقوم بها بكل نشاط. 
لكنك الآن تُفكِّر في التخلِّي عنها، لماذا؟ هل صحتك لا تساعدك أو وقتك لا يسمح؟ هل واجباتك والتزاماتك ضاغطة عليك بحيث لا يمكن التوفيق بينها وبين الخدمة؟ كلا.  هل استُغنيَ عن خدمتك وأصبح لا لزوم لها؟ كلا، بل الحاجة لا تزال ماسة إليك، وباب الخدمة لا زال مفتوحًا.  إذًا فلماذا أنت مُنسحب؟ الحقيقة أنك كنت تحب الخدمة وتتعب فيها طالما تعطيك مكانًا بارزًا وتُحقق فيها ذاتك وتشعر بقيمتك.  أما الآن فشعرتَ بالكلل لأنك لم تعُدْ تجد إشباعًا لذاتك من خلال هذه الخدمة فقررتَ الانسحاب منها.  أو ربما وضعوا معك شخصًا آخر يشاركك في الخدمة وأنت لم تتقبل ذلك، فأنت تريد أن تَخدِم وحدك لتحصل على المديح وحدك.   
إني أعتقد أن سعادتنا تتوقف إلى حد كبير على الروح التي نأتي بها إلى العالم كل يوم.  فإن أتينا لنُخدَم نكون عُرضة للكدر بسرعة، ولكن إن لم نأتِ لنُخدَم بل لنَخدِم يتغيَّر الحال.  قال الرب يسوع: «مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأخذ» (أع 35:20).  فالخدمة والعطاء مُتعة وسعادة أكثر كثيرًا من الأخذ، يختبرها كلُّ مَنْ جاء ليَخدِم.

ونلاحظ أن الكتاب أيضًا لا يقول إنه لا يصح أن نُخدَم مُطلقًا، ولا يقول إنه يلزم أن نكون دائمًا مُحتَقرين ولا نُحقق نجاحًا ولا نحصل على أي تقدير أو مكافأة، ولا يقول إنه ينبغي أن نسير في العالم راغبين دائمًا أن نُظلَم ونُهان وتُساء معاملتنا.  كلا، لا شيء من هذا.  فلا يوجد ضرر من أن نُخدَم.  وابن الإنسان كثيرًا ما خُدِمَ وكان يتقبَّل الخدمة بسرور.  ونحن سنُخدَم  إذا لم ننتظر ذلك ونبحث عنه.  إن الضرر هو أن نأتي لنُخدَم عوضًا عن أن نَخدِم، ونسعى إلى ذلك ونُطالِب به، ونتضجَّر إذا لم يحدث ولم نحصل على الكرامة التي كنا نرجوها.

ودائمًا أصل الداء ومصدر المتاعب هو الذات، والذات يجب أن تُحفَظ في حُكم الموت كل يوم.  وعندما نضع هذه الحقيقة نصب أعيننا ستختلف نظرتنا إلى عدم اعتبارنا وعدم تقدير الآخرين لنا وعدم تقديم الخدمات إلينا.  وعندئذ مرحبًا بالمفشلات والاحتقار وكسر الإرادة الذاتية وعدم تحقيق رغباتنا! فستتحوَّل كل هذه إلى خير عميم لنا.  ولا يمكننا أن نحيا الحياة السعيدة الغالبة إلا عندما نضع الذات في حُكم الموت.  هذا من الناحية السلبية، ولكن يجب أن يحيا المسيح فينا من الناحية الإيجابية.  وبذلك نستطيع أن نأتي إلى العالم بهذا التوجه لا لنُخدَم بل لنَخدِم، فنكون بالحقيقة تلاميذ المسيح الذي قال: «تعلَّموا مني، لأني وديعٌ ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم» (مت 29:11).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com