عدد رقم 4 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جريس .. قصة واقعية  

هل يمكن حقًا لأي إنسان أن يكون مستعدًا للموت وأن يواجه ملك الأهوال بدون خوف؟ أم هل أنت واحد من الملايين الذين يرهبون الموت ويكرهون الحديث عنه ويحاولون الهروب من مجرد التفكير فيه؟ هل اختبرت الإحساس العميق بالخوف وانعدام القيمة للحياة بينما كنت حاضرًا جنازة صديق، مُشاركًا في وداعه؟
لذلك نود أن نشاركك بهذه القصة الواقعية .. قصة جري س.
وُلدتْ جريس في تورنتو – كندا في 20 نوفمبر 1989 في عائلة تقية.  وقد عاشت أيام طفولتها السعيدة في بيت مسيحي يسوده الحب والسلام، مع أخويها الصغيرين.  كذلك قضت سنواتها الدراسية مُتميِّزة وسط أقرانها حتى نجحت بتفوق وكرَّمتها المدرسة في الصف الثامن.

كانت جريس فتاة جميلة، حلوة الطباع والعشرة، محبوبة من كل أصدقائها ومعارفها، وكان وجهها مُشرقًا دائمًا، يشع نضارة وحيوية، وقد ارتسمتْ عليه ابتسامةٌ عذبة تُؤْسِر وتجذب كلَّ مَنْ يراها.  كان كل شيء في حياتها يسير على ما يرام حتى صباح أحد الأيام في بداية شهر يوليو من عام 2003 عندما خيَّمتْ عليها سحابةٌ كئيبة.  وهذه هي قصتها كما سجَّلتها بيدها في مذكراتها اليومية، ونُشرتْ في الكتاب السنوي المدرسي :
"بعد أن انتهى العام الدراسي ونجحتُ في الصف الثامن، كنت أتطلع بشوق شديد لأجازة صيفية طويلة أستمتع فيها بأشياء كثيرة مع أسرتي وأصدقائي، ولكني ما كنت أعرف أو أتوقع أن هذا الصيف سيُغيِّر كل شيء في حياتي.

كانت أُسرتي تُخطط لرحلة في جبال روكي بغرب كندا.  وفي بداية يوليو 2003 بدأت أشعر بتعب وإعياء كل يوم.  الفحوص الطبية الأولية لم تُظهر أيَّة مشكلة، ولكني بدأت أعاني من نوبات ألم شديد في أسفل الظهر والرجلين، ومع ذلك لم أكن أتوقع شيئًا خطيرًا.  ولكن هذه المرة أظهرتْ الفحوص وجود ورم في العمود الفقري لم يتحدَّد نوعه.  بدأ الطبيب الاستعدادات ليرسلني لمستشفي أمراض الأطفال في تورنتو.  وفي فترة وجيزة ازدادت آلامي بشدة إلى الدرجة التي فيها أصبحت غير قادرة على الحركة.  وفي المستشفي اجتزت عدة فحوص طبية وعمليات جراحية كذلك .. ثم جاءت الأخبار المزعجة أنني أُعاني من ورم خبيث في العمود الفقري.  كنت مُتحيرة، حزينة، مُرتعبة، وكنت أحاول أن أعرف ماذا يحدث بالحقيقة وإلى أين ستسير الأمور؟  لقد عرفت أن الله قد سمح لي بذلك، ولكني لم أعرف لماذا؟  وبصدق لم أكن مُحْبَطَة من الله بسبب هذا المرض، وظل في قلبي كما هو ولم أشُك في محبته لي.  كثيرون يلومون الله بسبب الظروف الصعبة والكوارث في الحياة، والشيطان يُشوِّه صورة الله في نظرهم، لكن هذا لم يحدث معي.  بالطبع كنت أشعر بالحزن والخوف، ولكن بشكل ما قد أعطاني الله سلامًا حتى أستطيع أن أتقبل وأحتمل ما جرى.  وكان عليَّ أن أجتاز ضغط العلاج الكيماوي بكل صعوباته وكذلك جلسات العلاج الإشعاعي.

وقبل كل مرة أذهب فيها لهذه الجلسات العلاجية مع الطبيب، كنت أُصلِّي مع أمي وأبي اللذين وقفا بجانبي طوال هذه المحنة وأظهرا لي كل محبة وعطف وترفُّق وتشجيع، مع أن الأمر كان ثقيلاً جدًا على مشاعرهما.  وإني أعترف أنني في كثير من الأوقات كنت أبكي من الألم والخوف، وكانا لي مصدر تعزية ومعونة.  وبالرغم من عمق الانحناء والإحباط الذي كنت فيه، كان دائمًا عندي إحساسٌ بالسلام.  كنت شاكرة أني أستطيع أن أذهب إلى مستشفي مُتميِّز في الإمكانيات العلاجية، وكنت أُصلِّي أكثر من أي وقت مضى خلال الأسابيع التالية.  ومنذ أن دخلتُ المستشفى وأقمتُ فيها كل الصيف تحت الرعاية الطبية، تعلمت الاختلاء مع الله ووجدتُ وقتًا أطول أقضيه مع كتابي المُقدَّس كل يوم، وعلاقتي مع الله قد توطدتْ.  هو وأنا أصبحنا أقرب جدًا لبعضنا.  لقد عرفته كما لم أعرفه من قبل، وكنت بالحقيقة أشعر بالتعزية والراحة والسلام كلما أًصلِّي وأتحدث معه.  ولقد تعلَّمتُ أن أحلامي وما كنتُ أتمناه في الصيف قد لا يتحقق، ومع ذلك فإن الله عنده تعويضات أخرى وله خطة أخرى.

أحيانًا كنت لا أزال أتساءل: لماذا؟ لماذا أنا يا رب؟ وكان يشجعني أن الله له غرض من كل شيء وأن «كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله» (رو 28:8).  وبالقرب من نهاية عام 2003 (أعياد الكريسماس ورأس السنة) ، شعرت بدافع أن أعتمد باسم الرب يسوع المسيح طالما قد قبلته مُخلِّصًا شخصيًا في حياتي وأصبحت ضمن عائلة الله، وأن أكون شهادة للمسيح وأُعلن اتحادي به وتبعيتي له وأُكرِّس له حياتي الباقية.  وبالحقيقة شعرت بتحسن وسعادة في تلك الليلة.

حصلت على معونة من الله لأجتاز دراستي في الصف التاسع، وحصلت على درجات عالية بمساعدة زملائي في الدراسة وأساتذتي الذين كانوا يتعاطفون معي لأقصى حد، ولأجل ذلك كنت شاكرة جدًا للرب.
ولا أتخيل كيف كنت سأواصل حياتي بدون الرب يسوع المسيح ومعونته.  لذلك كل ما أستطيع أن أفعله هو أن أُصلِّي وأتكل عليه فيما بقي".  (هذه الكلمات كُتبَت على سريرها في المستشفي في مذكراتها الشخصية في أواخر سبتمبر 2004).

العنوان الذي اختارته جريس لاختبارها الذي سُجِّل في الكتاب السنوي لهذا العام الدراسي كان هو مزمور 4:23 «أيضًا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي».  وبينما سارت جريس في هذا الوادي كانت مُدركة لحضور الرب معها بحسب وعده.  بعد ذلك بوقت قصير كتبت هذه الكلمات في 16 أكتوبر 2004 بعد أن أبلغها الطبيب أنه لا يوجد شيء آخر يمكن عمله لها طبيًا سوى محاولة تخفيف الألم الشديد.  ففي اليوم التالي كتبت جريس هذه الصلاة في مذكراتها الشخصية:

’’أيها الرب يسوع .. أنا أعلم أن كل شيء في يديك، وأنك تستطيع كل شيء.  لقد قال الأطباء كلمتهم الأخيرة ولا يوجد شيء قد بقي ليعملوه.  ومع ذلك فأنت الطبيب العظيم.  أنا لا أعلم ما هي خطتك، لكني أعرفك أنت.  كل ما ستعمله هو الأفضل لي.  لقد قرأت في كلمتك أن: «كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده».  أنا أعلم أن لك قصد في مرضي وإن كنت لا أعلم ما هو هذا القصد؟ بالطبع أنا أريد أن أتحسن، ولكن قد يكون لك خطة أخرى، وإنني أتقبل كل ما تفعله أيًّا كان.

  أشكرك كثيرًا لأجل كل شيء عملته معي.  قد تكون إرادتك أن أذهب لأكون معك في يوم قريب.  إنني أحبك يا ربي يسوع، وأشكرك لأنك مُت عني على الصليب ولأنك خلَّصتني من خطاياي، وضمنت لي مكانًا في السماء.  إنني أشتاق حقًا أن أكتب ترنيمة تُعبِّر عن حبي لك، فليتك تساعدني.  أنا أعلم أنك تستطيع أن تشفيني، ولكن لتكن مشيئتك.  شكرًا لك لأنك أعطيتني سلامًا، وإنني أحتاج حقًا إلى هذا السلام.  أنا أعلم أنك تستطيع أن تخفف آلامي، من فضلك افعل ذلك يا رب، ولكن مرة أخرى لتكن مشيئتك.  لقد قلت في كلمتك: «لم تُصبكم تجربة إلا بشريةٌ.  ولكن الله أمينٌ، الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا» (1كو 13:10). 

يا رب لقد أعنتني، عزيتني، هدأتني ورفعتني.  لقد اجتزت بي عبر سنة كاملة وثلاثة شهور، والآن من فضلك دعني أبقى حتى أرى الكتاب السنوي للعام الجديد الذي سيصدر قريبًا، وأرى شقيقي الصغير عندما يعود من رحلته.  إنني شغوفة بذلك .. من فضلك أعطني أسبوعين فقط‘‘.
كانت هذه هي كلمات جريس الأخيرة التي سجَّلتها بيدها في مذكراتها الشخصية.  والله قد استجاب لصلاتها وأعطاها أسبوعين بالضبط، وأعطاها الطلب البسيط الذي طلبته لكي ترى الكتاب السنوي للعام الجديد وترى شقيقها الصغير.  لم يعرف أحد ماذا كانت تتمنى وماذا طلبت سوى الرب وحده.
بعد أسبوعين، وفي أول نوفمبر 2004 قبل عيد ميلادها الخامس عشر بأيام قليلة، ذهبت جريس لتكون مع الرب يسوع فاديها الحبيب.
جريس لم تتكل على أعمالها الصالحة ولا تدينها وصلواتها ونواياها الحسنة، بل على الرب يسوع المسيح الذي آمنت به، وكفاية عمله في الصليب كأساس وصولها إلى السماء.

قبل بداية مرضها بقليل طلبت جريس الرب لكي يأتي إلى قلبها ويُغيِّر حياتها ويُمتعها بالخلاص والحياة الأبدية، وهو قد فعل.  والرب كان دائمًا أمينًا نحوها كما وعد في كلمته حتى في أشد الساعات ظلامًا وفي أخفض الوديان انحناءً.  إنه يستطيع أن يعمل معك نفس الشيء إذا قبلته في حياتك ربًا ومُخلِّصًا.  «اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم».  اسمع كلمة الحياة التي تقول: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون الحياة الأبدية» (يو 16:3).  «لكي لا نعيش الزمان الباقي في الجسد، لشهوات الناس، بل لإرادة الله.  لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأُمم» (1بط 2:4، 3).  «وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة» (عب 27:9).  «وكل مَنْ لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرِحَ في بُحيرة النار» (رؤ 15:20).

تعليق:
1-    هل تعلَّمتَ، يا عزيزي الشاب، أن الحياة قصيرة وهي بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل؟

2-    هل تعلَّمتَ أن تشكر على أقل قدر من المراحم التي تحيط بك وبأسرتك؟

3-    هل تعلَّمتَ أن الله يستجيب الطلب البسيط ولا يُفشِّل الإيمان الذي يتعلَّق به؟

4-    هل تعلَّمتَ الخضوع والتسليم لتقول له: «لتكن مشيئتك» حتى لو كانت عكس ما تريد؟

5-    هل تعوَّدتَ أن تُسجِّل مذكراتك ومعاملات الرب معك، فقد تكون بركة للآخرين؟

6-    هل تعلَّمتَ أن تستفيد بالوقت وتركِّز أكثر في قراءة الكتاب والصلاة ما بقي من العمر؟

7-    هل تعلَّمتَ أن المؤمن وإن مات يتكلَّم بعد؟
  

 



© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com