عدد رقم 4 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
فيلادلفيا   من سلسلة: الأيام الأخيرة

رأينا في العدد السابق أننا نعيش في يوم الأمور الصغيرة، وهذا هو طابع الأيام الأخيرة حيث اختلف شكل الأمور عن أيام الكنيسة الأولى، لكن حجم المعونات الإلهية لم يتغيَّر.  والله لا يزال يعمل ويعضد المؤمنين في شهادتهم بقوة الروح القدس، ونهر النعمة قد وصل في هذه الأيام الأخيرة إلى الأُمم بعيدًا وأتى بقديسين من بيت قيصر، وهذا ما حدث قديمًا مع اليهود حيث حوَّل نهر النعمة مجراه عن إسرائيل واتجه للأُمم في نهاية التدبير السابق.  فما نراه الآن بعيوننا يؤكد أننا نقترب من النهاية، وفي هذا تحذير للمسيحيين بالاسم إذ سيُغلق الباب أمامهم قريبًا بعد أن ظل مفتوحًا لهم زمانًا طويلاً.

وعندما نرجع إلى تاريخ الكنيسة النبوي كما ورد في رؤيا 2، 3 نرى الأدوار التي مرَّت بها الكنيسة كشاهدة للمسيح للأرض ممثلة في السبع الكنائس التي كتب إليها الرسول يوحنا.  فكنيسة أفسس تمثل الدور الأول بعد العصر الرسولي والذي استمر حتى عام 167م، وقد بدأت فيها بذار الانحدار حيث تركت محبتها الأولى.  بعد ذلك نقرأ عن كنيسة سميرنا التي تمثل عصر الاضطهاد المُر في تاريخ الكنيسة، والذي استمر حتى عام 313م.  وقد تدخل الله لإنهاض الحالة الروحية واستخدم الضيق لإنعاش المحبة والتكريس في قلوب المؤمنين.  وفي هذه الكنيسة لا نقرأ كلمة لوم أو توبيخ واحدة، بل على العكس نقرأ المدح والتشجيع والوعد بإكليل الحياة.  ثم نأتي إلى الدور الثالث برغامس بعد عصر الاضطهاد عندما اعتنق الامبراطور قسطنطين الكبير المسيحية وجعلها الديانة الرسمية، واستراح المسيحيون من عنائهم وفقرهم، ولكنهم بالأسف استكانوا وتحوَّلوا عن الدعوة السماوية واندمجوا مع العالم، فسكنوا حيث كرسي الشيطان وحيث الشيطان يسكن.  ولكن الرب أبقى له بقية أمينة ممثلة في أنتيباس ذلك الشهيد الأمين.  وقد استمر هذا الدور حتى سنة 600م تقريبًا.  وجاءت بعدها فترة العصور المظلمة وتحول الناس عن كلمة الله إلى الخرافات وأصبحت للكنيسة الاسمية سطوة رهيبة حتى على الملوك، وكان هذا عصر ثياتيرا التي تمثل البابوية في النظام الديني التقليدي.  وسيستمر هذا النظام إلى مجيء الرب.  ولقد أقام الرب رجالاً أتقياء في القرن السادس عشر هم المُشار إليهم بعبارة «الباقون في ثياتيرا» وعلى رأسهم مارتن لوثر ورجال الإصلاح الأفاضل.  هؤلاء استخدمهم الرب في نهضة عظيمة ضد التعاليم الفاسدة في روما، ونادوا بحقيقة التبرير بالإيمان أمام الله.  لقد عادوا إلى كلمة الله بكل حب واحترام، وكان الكتاب بالنسبة لهم كل شيء.  ولكن بعد أن رحل هؤلاء الأبطال قام بعدهم جيل آخر حاول أن يحافظ على الشكل الخارجي دون الجوهر، وتحوَّلت النهضة العظيمة إلى نظامٍ خالٍ من الحياة.  وهذا ما نراه في ساردس حيث نقرأ القول: «أنا عارف أعمالك أن لك اسمًا أنك حيٌّ وأنت مَيْتٌ.  كُنْ ساهرًا وشدِّد ما بقي، الذي هو عتيدٌ أن يموت ... فاذكر كيف أخذتَ وسمعتَ، واحفظ وتُبْ».

وفي هذه الكنيسة لا نسمع كلمة مدح واحدة في هذا الدور.  وكما رأينا أن ثياتيرا تمثل النظام البابوي في المسيحية والكنيسة التقليدية، فإن ساردس تمثل النظام البروتستانتي في المسيحية بعد حركة الإصلاح، ويستمر إلى مجيء الرب.  وكما أبقى الرب بقية في ثياتيرا كذلك نقرأ في ساردس عن أسماء قليلة لم ينجسوا ثيابهم.

ثم نأتي إلى الدور السادس في تاريخ الكنيسة النبوي مُمثَّلاً في كنيسة فيلادلفيا حيث النهضة المباركة التي حدثت في القرن التاسع عشر وتستمر إلى مجيء الرب.  وقد استخدم الرب فيها رجالاً أُمناء رجعوا إلى الشريعة وإلى الشهادة وتميَّزوا بالمحبة الشديدة للرب وللنفوس، على رأسهم يوحنا داربي وبلت وكرونن ووليم كلي وآخرين.  وهذه الكنيسة تُمثِّل حالة أدبية وليست نظامًا كنسيًا.  هذه الحالة حظيتْ برضى الرب وإعجابه وسروره حيث لا نقرأ كلمة لوم واحدة وجَّهها إليها، مثل كنيسة سميرنا.

وسنمر في عُجالة على ما تميَّزت به هذه الكنيسة دون الدخول في التفاصيل، ونرجو أن هذه الكلمات تُحرِّك قلوبنا وتزيدنا شوقًا أن نكون في الحالة الروحية المرضية التي تفرح قلب سيِّدنا حتى يجيء. 

ما يُميِّز الفيلادلفي الحقيقي:
1-    المحبة الأخوية: وهذا هو معنى اسم فيلادلفيا.  هذا ما ميَّز المؤمنين في ذلك العصر السعيد ضمن الفضائل الأدبية المباركة التي أنشأها فيهم روح الله.  إنها المحبة في قوَّتها ونضارتها وطهارتها من قلوب نقية مُخلصة عديمة الرياء وخالية من الأغراض.  إنها من صنف محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس. وكم نحتاج أن نظهر هذه المحبة عمليًا في الأيام الأخيرة التي فيها بردتْ محبة الكثيرين.

2-    القداسة العملية: لذلك قدَّم الرب نفسه لهذه الكنيسة باعتباره «القدُّوس»، فقد تميَّزت بالتقدير لاعتبارات قداسته والسير بخوف أمامه.  كما تميَّزت بمراعاة قداسة بيت الله (الكنيسة)، كما هو مكتوبٌ «ببيتك تليق القداسة يا رب إلى طول الأيام» (مز 5:93).  وهذا ضد الشَّر الأدبي الذي يسود العالم.
3-    التمسُّك بالحق تعليميًا: لذلك قدَّم الرب نفسه لهذه الكنيسة باعتباره «الحق».  فهي تُدرك الحق وتتمسَّك بالتعليم الصحيح وتعيشه وتُعلِّم به، وترجع في كل شيء إلى ماذا يقول الكتاب.  وهذا ضد الشَّر التعليمي المنتشر في المسيحية.

4-    احترام رئاسة الرب وسلطانه في الكنيسة:
فيُقدِّم الرب نفسه باعتباره «الذي له مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحدٌ يُغلِق، ويُغلِق ولا أحدٌ يفتح».  وهذا ضد الشَّر الكنسي الذي يفرض رئاسة بشرية أو طَبَقَة أو هيئة تتسلَّط على الشعب وتتحكَّم في الأمور.  وهذا ما انتشر في المسيحية بشكل عام.
5-    الأعمال الحسنة: «أنا عارفٌ أعمالك».  لم تكن أعمالاً عظيمة مُبهرة بل طاعة وتقوى وأمانة وبساطة وإخلاص واتضاع واتكال.  إنها تسعى لكي تُرضي السيِّد وليس أن تُرضي الناس.

6-    «هنذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحدٌ أن يُغلقه»: وهذا يشمل بابًا في الصلاة والكلمة، خاصة فهم النبوات وتمييز التدابير، والشهادة والخدمة والوصول بنور الإنجيل إلى الأماكن المحرومة.  وكل ذلك بعمل إلهي حقيقي الرب هو الذي يُجريه بنفسه ويضمن نتائجه.

7-    «لأن لك قوة يسيرة»: وقد رأينا في المرة السابقة أن الطابع العام للأيام الأخيرة وللبقية الأمينة هو الضعف الذي يقود للاستناد على الرب وليس على الإمكانات البشرية أو القوة الذاتية.  والرب يُسر بأن يرانا مُدركين لضعفنا ومُتعلقين به بصفة دائمة ولا نستقل عنه.  فبدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا.

8-    «وقد حفظت كلمتي»:
والكلمة بالمفرد تعني ’’فِكْرَهُ‘‘.  فالفيلادلفي الحقيقي يقدِّر كلمته ويحفظها بكل قلبه.  إنه يبحث عن رغباته ويسعى لكي يُرضيه.  ليتنا نُحب كلمته ونتلذَّذ بها ونحيا بها، فهي أحلى من العسل وقطر الشهاد وأغنى من الذهب والإبريز الكثير. وقد قال الرب يسوع: «إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً» (يو 23:14).

9-    «ولم تُنكر اسمي»
: إنهم يلتفون حول هذا الاسم الغالي، وهو المركز الذي يجتمعون إليه ويربطهم معًا.  إنهم يفكرون في اسمه ويتكلَّمون عنه.  مثلما كانت البقية في أيام ملاخي وسط حالة التشويش والخراب العام، «حينئذ كلَّم مُتَّقُو الرب كل واحدٍ قريبه، والرب أصغى وسمع، وكُتِبَ أمامه سِفْرُ تذكرة للذين اتَّقُوا الرب، وللمُفكِّرين في اسمه» (ملا 16:3).  إن هدفهم أن يعظموا ويعلوا اسمه معًا.  وهم يُقدِّرون كل البركات المرتبطة بهذا الاسم.  ليتنا نقنع بذلك ولا نتبع سواه.  

 المواعيد للفيلادلفي الحقيقي:
1-    «هنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان، من القائلين إنهم يهودٌ وليسوا يهودًا، بل يكذبون- (هم مُعلِّمون كذبة أرادوا خلط اليهودية بالمسيحية، وسخروا من التعاليم الكتابية التي نادَى بها رجال النهضة الفيلادلفية: كالحق الخاص بالكنيسة والفرق بينها وبين إسرائيل، ورئاسة الرب للاجتماع، وقيادة الروح القدس، وكهنوت جميع المؤمنين، والرجاء بمجيء الرب للاختطاف والفرق بينه وبين الظهور، والمُلك الألفي ... إلخ)- هنذا أصيِّرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك، ويعرفون أني أنا أحببتكَ».

2-    «لأنك حفظت كلمة صبري، أنا أيضًا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتُجرِّب الساكنين على الأرض».  مُشيرًا إلى أن  الكنيسة لن تجتاز الضيقة إذ سيأتي الرب لاختطافها قبل وقوع الضربات المُخيفة على العالم خلال السَّبع سنين بعد رفع الكنيسة.  وبينما سيحفظ الرب البقية اليهودية التقيَّة في وسط الضيقة ويُدخلهم إلى المُلك الألفي السعيد، فإنه سيحفظ الكنيسة من ساعة التجربة والأهوال التي ستأتي على العالم كله لتجرِّب الساكنين على الأرض.

3-    «أنا آتي سريعًا».  فهذه أشواق العريس نحو عروسه.  إن ما ميَّز هذه الكنيسة هو لمعان الرجاء بمجيء الرب للاختطاف، وهو المُعبَّر عنه في مَثَل العشر عَذَارَى بصراخ نصف الليل «هوذا العريس مُقبلٌ فاخرجنَ للقائه!».  هؤلاء المؤمنون كانوا ينتظرون ويتوقعون مجيء الرب أكثر من المُراقبين الصبح، وهذا ما ينبغي أن يكون فينا.

«تمسَّك بما عندك لئلا يأخذ أحدٌ إكليكَ».  فهناك خطر ارتخاء الأيدي والتفريط في الحق إذا غالبنا النعاس أو ضعفت المقاومة وحملنا التيَّار.  إن الحصول على البركة شيء والاحتفاظ بها شيءٌ آخر، وهو الأصعب والأهم.  ليتنا نكون مثل أليعازار بن دودو، من أبطال داود، الذي حارب حتى كلَّت يده ولصقت بالسيف.  إن الرب يعرف ضعفنا ويقدر كل الصعوبات التي نواجهها لكي نظل متمسكين بالحق الذي وصل إلينا للنهاية، وهو يشجعنا بوعده أنه آتٍ سريعًا، وأن هناك إكليلاً ثمينًا لمَنْ يصمد للنهاية.  إن النهاية وليست البداية هي التي تُحدِّد مَنْ سيفوز بالإكليل.  ولو تقاعس المؤمن وارتخت يده فإن الله سيستخدم آخر ليقوم بالعمل، أما هو فسيخسر المكافأة والإكليل.

  الغالب ومكافأته في فيلادلفيا:
1-    «أجعله عمودًا في هيكل إلهي»: والعمود يكلِّمنا عن القوة والثبات بعد أن عاش هنا قانعًا بالقوة اليسيرة.

2-    «ولا يعود يخرج إلى خارجٍ»: بعد أن خرج إلى المسيح خارج المحلَّة (النُظم الدينية البشرية)، وانفصل عن كل أنواع الشرور الأدبية والتعليمية والكنسية، وتألم واحتمل العار والرفض والاحتقار لأجل المسيح.

3-    «أكتب عليه اسم إلهي»: وتُذكر كلمة «إلهي» 4 مرات في هذه الوعود.  فهو يعرفه في أقرب وأعمق علاقة، ويريد أن يُمتِّع الغالب بهذه الشركة مع إلهه، كما قال لمريم المجدلية: «إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم».

4-    «واسم مدينة إلهي أُورشليم الجديدة»: وهذا الاسم يرتبط بالكنيسة في الحالة الأبدية.  وهكذا فإن مجد هذه المدينة سيُرى على الفيلادلفي الغالب بطريقة مُميَّزة.
5-    «واسمي الجديد»:  وهو الاسم الذي أخذه بعد القيامة من الأموات والمرتبط بكل ما هو جديد.  فهو رأس الخليقة الجديدة ورأس الجنس الجديد.  وكتابة الاسم يعني الاستحسان والتقدير والإعجاب والسرور من جانب الرب للفيلادلفي الحقيقي.
ليتنا نكون في هذه الحالة المباركة فنحظى برضاه ومُصادقته هنا حتى يجيء، وبالمكافأة والمُجازاة عندما نقف أمام كرسي المسيح.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com