عدد رقم 4 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
البقية في الأيام الأخيرة (10)  
البقية في أيام عزرا
(عز10)
حساسية إيجابية ... وتوبة حقيقية
نواصل بنعمة الرب تأملنا في البقية الأمينة الراجعة من السبي أيام عزرا، ونتوقف الآن أمام محطة هامة ولازمة لكل من يريد نهضة روحية حقيقية، أصيلة وعميقة الجذور.. إذ نقرأ «فَلَمَّا صَلَّى عَزْرَا وَاعْتَرَفَ وَهُوَ بَاكٍ وَسَاقِطٌ أَمَامَ بَيْتِ اللهِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ إِسْرَائِيلَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأَوْلاَدِ، لأَنَّ الشَّعْبَ بَكَى بُكَاءً عَظِيمًا.

وَأَجَابَ شَكَنْيَا ... وَقَالَ لِعَزْرَا: إِنَّنَا قَدْ خُنَّا إِلهَنَا وَاتَّخَذْنَا نِسَاءً غَرِيبَةً مِنْ شُعُوبِ الأَرْضِ. وَلكِنِ الآنَ يُوجَدُ رَجَاءٌ لإِسْرَائِيلَ فِي هذَا. فَلْنَقْطَعِ الآنَ عَهْدًا مَعَ إِلهِنَا أَنْ نُخْرِجَ كُلَّ النِّسَاءِ وَالَّذِينَ وُلِدُوا مِنْهُنَّ، حَسَبَ مَشُورَةِ سَيِّدِي، وَالَّذِينَ يَخْشَوْنَ وَصِيَّةَ إِلهِنَا، وَلْيُعْمَلْ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ. قُمْ فَإِنَّ عَلَيْكَ الأَمْرَ وَنَحْنُ مَعَكَ. تَشَجَّعْ وَافْعَلْ.

   ثُمَّ قَامَ عَزْرَا مِنْ أَمَامِ بَيْتِ اللهِ ... وَهُوَ لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً، لأَنَّهُ كَانَ يَنُوحُ بِسَبَبِ خِيَانَةِ أَهْلِ السَّبْيِ. وَأَطْلَقُوا نِدَاءً فِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ إِلَى جَمِيعِ بَنِي السَّبْيِ لِكَيْ يَجْتَمِعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَكُلُّ مَنْ لاَ يَأْتِي فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ حَسَبَ مَشُورَةِ الرُّؤَسَاءِ وَالشُّيُوخِ يُحَرَّمُ كُلُّ مَالِهِ، وَهُوَ يُفْرَزُ مِنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ السَّبْيِ.
فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ ... فَقَامَ عَزْرَا الْكَاهِنُ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ خُنْتُمْ وَاتَّخَذْتُمْ نِسَاءً غَرِيبَةً لِتَزِيدُوا عَلَى إِثْمِ إِسْرَائِيلَ. فَاعْتَرِفُوا الآنَ لِلرَّبِّ إِلهِ آبَائِكُمْ وَاعْمَلُوا مَرْضَاتَهُ، وَانْفَصِلُوا عَنْ شُعُوبِ الأَرْضِ وَعَنِ النِّسَاءِ الْغَرِيبَةِ. فَأَجَابَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ وَقَالُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «كَمَا كَلَّمْتَنَا كَذلِكَ نَعْمَلُ. إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَثِيرٌ، وَالْوَقْتَ وَقْتُ أَمْطَارٍ، وَلاَ طَاقَةَ لَنَا عَلَى الْوُقُوفِ فِي الْخَارِجِ، وَالْعَمَلُ لَيْسَ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ لاثْنَيْنِ، لأَنَّنَا قَدْ أَكْثَرْنَا الذَّنْبَ فِي هذَا الأَمْرِ. فَلْيَقِفْ رُؤَسَاؤُنَا لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ. وَكُلُّ الَّذِينَ فِي مُدُنِنَا قَدِ اتَّخَذُوا نِسَاءً غَرِيبَةً، فَلْيَأْتُوا فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَمَعَهُمْ شُيُوخُ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ وَقُضَاتُهَا، حَتَّى يَرْتَدَّ عَنَّا حُمُوُّ غَضَبِ إِلهِنَا مِنْ أَجْلِ هذَا الأَمْرِ ... وَانْتَهَوْا مِنْ كُلِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا نِسَاءً غَرِيبَةً فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ فَوُجِدَ بَيْنَ بَنِي الْكَهَنَةِ مَنِ اتَّخَذَ نِسَاءً غَرِيبَةً» (عز10: 1-18).
هذا ما حدث عقب صلاة عزرا التوسلية مباشرة (عز9) ويا له من تصرف عظيم يرينا أمرين في غاية الأهمية: 

أولاً: الحساسية الإيجابية
لطالما وقع هذا الشعب القديم في خطية الاقتران بأجنبيات منذ أيام القضاة وحتى حكم الملك سليمان الذي في أيامه صار ذلك سببًا واضحًا في ضياع المملكة وانقسامها بعد أن أدى ذلك إلى دخول العبادة الوثنية بقوة إلى شعب الله.  لكن الحقيقة أننا لم نر مثل هذه الحساسية الإيجابية  ضد هذا الشر مثلما نراها هنا لشخص مصل بتذلل متشفع لأجل إخوته، باك على حال شعب الله.  والواقع أحبائي الشباب أننا نعيش أيامًا لا تُسمى فيها الشرور بمسمياتها الحقيقية.  فالعلاقات غير المنضبطة بين الجنسين صارت انفتاحًا، ودراسة الشرور الفلسفية الإلحادية صارت ثقافة، والدراسات غير الكتابية في المجال الديني صارت علمًا لازمًا "للخدمة"، وقس على ذلك ما لا يُحصى من الأمور التي هي كلها أخطاء واضحة بل وكثير منها خطايا لا تحتاج إلى تبرير، بل بالحري تحتاج إلى اعتراف وتوبة مصحوبة بالتذلل والانكسار والرجوع إلى الرب وإلى كلمته.

فهل لنا اليوم بعزرا جديد يشعر بأن الحيود عن كلمة الله "خطية عظمى"؟  وأن ما لا يتفق مع الحق الكتابي هو "خيانة للحق"؟  والمؤسف والمؤلم أننا نجد هنا كيف أن المتقدمين كانوا مشاركين في هذه الخيانة "أبناء الكهنة" و ياللعار! أو ليس هذا واقع اليوم بكل أسى وأسف؟ فليرحمنا الرب ويمنحنا بصيرة روحية تُميِّز الأمور المتخالفة (الأسمى) وتصير لنا الحساسية الروحية المرهفة اللائقة بقداسة شخصه الكريم وبيته العظيم.

ثانيًا: التوبة الحقيقية:
على أن الأمر يتطلب أكثر من مجرد التمييز الروحي والحساسية المرهفة ضد الخطأ والشر.  إنه يستلزم التوبة.  والقارئ العزيز يعرف من كلمة الله ومن الواقع أن التوبة ليست مجرد اعتراف بالخطأ، أو حتى شعور بالأسف والندم عليه.  إن التوبة الحقيقية بحسب كلمة الله هي رجوع فعلي مصحوب بقرارات تنفيذية على الأرض وليست مجرد كلام جميل أو صحيح.  وهذا ما فعلته هنا هذه البقية الأمينة للرب وللحق الكتابي.
إن فهمهم الصحيح لأن غضب الرب لن يرتد عنهم إلا بحسم هذا الأمر تنفيذيًا (ع14) هو ما دفعهم للتصرف الصحيح باستدعاء كل من شارك في هذه "الخطية".  بنظام وترتيب في أوقات معينة ومعهم شيوخ مدينة فمدينة وقضاتها، وانفصل عزرا الكاهن ورجال رؤوس آباء للفحص عن الأمر.
وجيد في أمور شعب الله أن لا نتهاون مع الشر من الجهة الواحدة، ولكن أن نتأنى ونفحص وندقق قبل إصدار الأحكام من الجهة الأخرى، والتي يجب أن يسبقها تذلل ودموع وصلوات توسلية مثلما حدث سابقًا في أصحاح 9 قبل الأحكام التنفيذية هنا في أصحاح 10 وهو ترتيب هام جدًا ولازم.
وفي النهاية «أَعْطَوْا أَيْدِيَهُمْ لإِخْرَاجِ نِسَائِهِمْ مُقَرِّبِينَ كَبْشَ غَنَمٍ لأَجْلِ إِثْمِهِمْ» (ع19).
ليت لنا تمييزًا وحساسية كهذه ضد الشر والخطأ... وليت لنا روحًا مثل تلك في التوبة الحقيقية والرجوع عن الشر بخطوات وأحكام تنفيذية لا كلامية.

                                                                      يتبع
      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com