عدد رقم 4 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الفرق بين الكنيسة في العصر الرسولي والكنيسة في الأيام الأخيرة (2)  

   رأينا في المرة السابقة الفرق بين المواهب التأسيسية في بداية تكوين الكنيسة، والتي تضمنت آيات وعجائب وقوات معجزية في العصر الرسولي، وبين المواهب التكميلية المستمرة مع الكنيسة عبر تاريخها الطويل حتى مجيء المسيح لاختطافها، والتي لا تتضمن المواهب المعجزية التي كانت في البداية، وإنما ما يستمر وتحتاجه الكنيسة هو التبشير، والوعظ، والتعليم، والنبوة بمعنى إعلان فكر الله في المكتوب، والرعاية، والتدبير، والعطاء بسخاء، والأعوان ... الخ (رو12؛ أف4) لأجل تكميل القديسين وبنيان جسد المسيح. 

   أما الفارق بين عصر الكنيسة الأولى وبين الكنيسة في الأيام الأخيرة فواضح جدًا على صفحات الكتاب، كما على أرض الواقع.  ويستطيع كل مؤمن بسيط أن يلمح هذا الفارق الكبير.  وكل دارس للكتاب يلاحظ أنه حتى في العهد القديم فإن أيام موسى ويشوع تختلف تمامًا عن أيام حكم القضاة، مما جعل جدعون يتساءل: «إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟ وأين كل عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا قائلين: ألم يصعدنا الرب من مصر؟ والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان» (قض6: 13).  وأيضًا أيام مجد المملكة في إسرائيل في البداية، في عصر داود وسليمان، تختلف تمامًا عن الحالة قبل السبي البابلي وأثناءه في أيام يهوياقيم وصدقيا ويهوياكين، وهذا ما نقرأه في نبوة إرميا ومراثيه.  كذلك حالة البقية التي رجعت من السبي إلى أورشليم في أيام زربابل ويهوشع الكاهن العظيم لبناء بيت الرب،  هل كان البيت الأخير الذي بنوه نظير البيت الأول؟ ألم يَبكِ الشيوخ الذين عاصروا مجد البيت الأول عندما رأوا هذا البيت؟ (عز3).  ثم عندما جاء نحميا هو ورجال قليلون معه لبناء الأسوار، ألم يختلف شكل الأمور عن أيام موسى ويشوع؟ أين القوات المعجزية التي صاحبت الأيام الأولى؟ ماذا قال زكريا النبي وهو يُشجع البقية على استمرار العمل لبناء البيت؟ لقد قال: «لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود» (زك6:4)، بمعنى أن الله لن يتدخَّل بواسطة قوات معجزية كما فعل قديمًا، بل سيقف معهم ويُعضِّدهم بواسطة الروح القدس.  هل معنى ذلك أن المعونات أقل؟ كلا البتة.  فيقول بعد ذلك: «مَنْ أنت أيها الجبل العظيم؟ أمام زرُبَّابل تصيرُ سهلاً ... لأنه مَنْ ازدرى بيوم الأمور الصغيرة» (زك4: 7، 10).  ثم نلاحظ حالة نفس البقية في أيام ملاخي، والحالة عندما جاء المسيح بالجسد في وسطهم، وكيف توالى الانحدار بشكل محزن.  هذا هو تاريخ الإنسان في كل العصور، ونفس الشيء يُميز تاريخ الكنيسة.  والدارس لسفر أعمال الرسل يلحظ أن الأصحاحات الأولى تختلف عن نهاية السفر.  فالفارق كبير بين أيام القوة والمجد في بدايتها، وبين طابع الضعف والفشل الذي يسود في الأيام الأخيرة، كما نراه في لاودكية.  أما من يظن أن الأيام الأخيرة أفضل، وأن النهضة قادمة، والعالم سيرجع إلى الرب عن طريق الكرازة بالإنجيل، فواضح أنه يتوهم أشياء ليست حقيقية، وهي أبعد ما تكون عن الواقع الذي يخبرنا به الكتاب.      

   والآن ماذا قال بولس لتيموثاوس عن الأزمنة الأخيرة في رسالته الأولى «ولكن الروح يقول صريحًا: إنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحًا مُضلة وتعاليم شياطين، ... موسومة ضمائرهم، مانعين عن الزواج، وآمرين أن يُمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتُتناول بالشكر» (1تي4: 1 – 3).  وأيضًا عن الأيام الأخيرة في رسالته الثانية قبيل رحيله إلى المجد، قال: «أنت تعلم هذا أن جميع الذين في أسِيَّا ارتدُّوا عني» (2تي 15:1)، (عن التعليم الذي نادى به وحارب لأجله بولس).  «لأنهم يتقدَّمون إلى أكثر فجور، وكلمتُهم ترعَى كآكلة ... يعلم الرب الذين هم له، وليتجنبْ الإثم كل مَنْ يُسمِّي اسم المسيح (الرب).  ولكن في بيت كبير (الذي كان قبلاً بيت الله)، ليس آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان.  فإن طهَّر أحدٌ نفسه من هذه، يكون إناءً للكرامة، مُقدَّسًا، نافعًا للسيد، مُستعَدًّا لكل عمل صالح» (2تي 16:2-21).  «ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنةٌ صعبة، لأن الناس يكونون مُحبِّين لأنفسهم، محبِّين للمال، مُتعظمين، مُستكبرين، مُجدِّفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، ... مُحبِّين للذات دون محبة لله، لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قُوَّتها ... أناسٌ فاسدةٌ أذهانُهم، ومن جهة الإيمان مرفوضون» (2تي1:3-8).  «ولكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردأ مُضِلِّين ومُضَلِّين» (2تي3: 13).  هذا هو الطابع العام في المسيحية، لكنه في نهاية الأصحاح تكلم عن «إنسان الله» الكامل المتأهب لكل عمل صالح (2تي3: 17) الذي يمثل البقية وسط المجموع الذي فسد.  «لأنه سيكون وقتٌ لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم مُعلِّمين مُستَحِكَّةً مسامعُهُم، فيصرفون مسامعَهم عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات» (2تي 3:4، 4).  وأيضًا كتب بولس للمؤمنين في تسالونيكي موضحًا أن يوم الرب (ظهوره بالمجد واستعلان الدينونة) لا يمكن أن يأتي إن لم يأتِ الارتداد أولاً (2تس 3:2) «... لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، ولأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يُصدِّقوا الكذب» (2تس 7:2-11).  إذًا الارتداد هو الذي سيأتي وليس النهضة والرجوع إلى الرب.  وهل ما نراه يحدث في المسيحية الآن، وما ينادي به الليبراليون على الفضائيات، وهم يشككون في وحي الكتاب اللفظي، وعصمته، وصحة وتاريخية الأحداث التي وردت فيه، وأنه كتاب الله لكل البشر في كل الأجيال، ويشككون في المعجزات التي وردت في العهدين طالما لا يقبلها العقل والمنطق.  وينكرون التعليم الرمزي في كلمة الله.  ويشككون في قداسة ناسوت المسيح المطلقة.  ويشككون في حتمية الكفارة لإرضاء الله، وفي حتمية الإيمان بالمسيح وصليبه للحصول على الحياة الأبدية والغفران والقبول أمام الله.  ويعتبرون أن الذي يعيش بالمحبة مع الناس، ويقبل الآخر من أي دين ويتبع أي عقيدة سيُقبل عند الله، بدون المسيح وصليبه.  وينكرون حقيقة البدلية، وأن المسيح احتمل عقوبة خطايانا على الصليب، وواجه الدينونة والغضب في ساعات الظلمة، ومات موتًا كفاريًا لكي نحصل على غفران أبدي يتفق مع بر الله.  وينكرون الدينونة الأبدية والموت الأبدي وطرح الأشرار في بحيرة النار والكبريت وعذابهم إلى أبد الآبدين، ويعتبرون أن جهنم هي مجرد الانفصال عن الله.  وبالإجمال يهدمون كل الأساسات في المسيحية، ويتحولون إلى إنجيل آخر وإلى إيمان آخر، وبالقطع فإن دينونتهم عادلة.  هل كل هذا لا يُنبئ بالارتداد الذي يزحف وسيصل إلى ذروته بعد الاختطاف، حيث سيُرفع الذي يحجز (الروح القدس)، وما يحجز الآن (الكنيسة على الأرض)، وهذا سيُؤدي إلى اكتساح الشر والارتداد الشامل والعلني، ويمهد لاستعلان إنسان الخطية (النبي الكذاب)، الأثيم، المتمرد، الذي سيزيح الله من على عرشه، ويجلس في هيكل الله، ويظهر نفسه أنه الله (2تس2: 3، 4)، والناس سيقبلونه.  وسيجري آيات كاذبة بقوة شيطانية يخدع بها الملايين (2تس2: 9، 10).  إن «سر الإثم الآن يعمل فقط» (2تس2: 7)، (أي الإثم والتمرد يعمل في السر) طالما الكنيسة على الأرض، ولكن بعد الاختطاف سيصبح في العلن، وسيعم الظلام والفساد، فلا نور ولا ملح. 
    
   وماذا قال بطرس الرسول عن الأيام الأخيرة محذرًا من الارتداد القادم؟ «سيكون فيكم أيضًا معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك.  وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا.  وسيتبع كثيرون تهلكاتهم» (2بط2: 1، 2).  «عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قومٌ مستهزئون، سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين أين هو موعد مجيئه؟» (2بط3: 3، 4).  إن الليبراليين الآن ينكرون حقيقة الاختطاف وقرب مجيء الرب، كذلك ينكرون ظهوره بالمجد والقوة للدينونة، وينكرون مُلكه الألفي السعيد على كل الأرض.  وكل هذا يخفى عليهم بإرادتهم.

   وماذا قال يهوذا في رسالته التي تتكلَّم عن الارتداد في الأيام الأخيرة؟ «لأنه دخل خُلسةً أُناسٌ ... فجارٌ يُحوِّلون نعمة إلهنا إلى الدعارة ... وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقًا رسل ربنا يسوع المسيح ... إنه في الزمان الأخير سيكون قومٌ مُستهزئون، سالكين بحسب شهوات فجورهم» (يه 4، 17، 18).  

   وفي تاريخ الكنيسة النبوي كما ورد في سفر الرؤيا 2، 3 نقرأ في خطاب الروح لملاك كنيسة ساردس، وهي الدور الخامس من الأدوار السبعة، يقول: «أنا عارفٌ أعمالك، أن لك اسمًا أنك حيٌّ وأنت مَيْتٌ.  كُنْ ساهرًا وشَدِّدْ ما بقي، الذي هو عتيدٌ أن يموت ... عندك أسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم، فسيمشون معي في ثياب بيض» (رؤ1:3- 4).  وفي خطاب الروح لملاك كنيسة فيلادلفيا، وهي الدور السادس في تاريخ الكنيسة، وتُمثِّل عصر النهضة الكتابية في القرن التاسع عشر، يقول: «قد جعلتُ أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحدٌ أن يغلقه، لأن لك قوةً يسيرة» (رؤ8:3).  هذا هو طابع الشهادة في أحسن الحالات في الأيام الأخيرة.  فلسنا مطلقًا كأيام الكنيسة الأولى من حيث القوات والآيات والعجائب التي صاحبت العصر الرسولي، ولا من حيث نجاح الشهادة المُبهر.  وفي خطاب الروح لملاك كنيسة لاودكية، وهي الدور السابع والأخير، وتُمثِّل الحالة الأدبية المُنحطَّة للمسيحية قبل مجيء الرب، يقول: «أنا عارفٌ أعمالك، أنك لست باردًا ولا حارًا  ... أنا مُزمعٌ أن أتقيأك من فمي ... لأنك تقول إني أنا غني ... ولست تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان ... فكُنْ غيورًا وتُبْ» (رؤ15:3 -19).

   هذا ما قاله الكتاب وصفًا صادقًا للحالة في الأيام الأخيرة.  ومن خلال ذلك نفهم أن الضعف وليس القوة هو سمة الأيام الأخيرة، وأن الارتداد وليس النهضة هو الذي سيأتي، وأن الناس سيرفضون التعليم الصحيح ويُرَحِّبون بالمُعلِّمين الكذبة الذين يصرفون مسامعَهم عن الحق فينحرفون إلى الخرافات، وأن الأمناء سيكونون بقية وسط المجموع الذي فسد، وأن الفتور وليس الحرارة الروحية والغيرة والأشواق المقدسة هي طابع الأيام الأخيرة، وأن النوم والكسل والاسترخاء وليس السهر والاجتهاد وانتظار العريس هو ما يُميز الحالة قبل مجيء المسيح.  إن الأعداد الكبيرة ليست مؤشرًا يدل على النجاح مطلقًا وبأي شكل.  والرب وحده هو الذي يعرف القلوب ويعرف من هو حقيقي وسط هؤلاء، فلنحذر من هذا الخداع والوهم، ولا نسمع لمن يقول: إن يوم الخمسين قد عاد مرة أخرى، وأن النهضة قادمة، والعالم سيرجع للمسيح!!  

   نعم إن يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد لا يتغيَّر، والروح القدس  أيضًا لا يتغيَّر من يوم الخمسين إلى الآن، بل وإلى الأبد، وإنما الوضع من الناحية التدبيرية هو الذي قد تغيَّر، وبالتالي فإن شكل الأمور قد اختلف، والطريقة التي كان يعمل بها الله قد اختلفت طبقًا لطبيعة المرحلة ومقتضياتها.


   إن الفترة التأسيسية الأولى بعد يوم الخمسين ميَّزتها القوات والمواهب المعجزية التي صاحبت حضور الروح القدس إلى الأرض بشكل مذهل، حيث كان الرب يُرسي وضعًا جديدًا، ويُؤسس شهادة جديدة.  أما الآن فالوضع مختلف وشكل الأمور مختلف بعد أن استقرت الأمور واكتمل الوحي وتأسست الكنيسة، ولا توجد بداية أخرى جديدة ستحدث تستدعي القوات المعجزية غير الاعتيادية.  لكن الرب لا يزال يعمل ويشدِّد الأمناء ويُعضِّدُهم في شهادتهم إلى أن يجيء.
   ويبقى السؤال: هل لا توجد معجزات الآن؟ وهل الله توقف عن أن يصنع عجائب؟ الجواب: كلا البتة.  إن الذي توقف هو الآيات وليس المعجزات.  فالمعجزة يجريها الله بنفسه في أي وقت، وقد تكون استجابة لصلاة المؤمنين، أو تدخلاً مباشرًا من الله حتى دون أن يطلب أحد.  وأعظم معجزة يجريها الله إلى الآن بصور مختلفة هي خلاص الخاطي وتغييره كُلِّيَّة، مثلما حدث مع شاول الطرسوسي مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا.  أما الآيات فكانت مواهب خاصة في العصر الرسولي الأول أُعطيت لأفراد، كما فعل بطرس إذ قال للأعرج: قم وامشِ، فقام ومشى (أع3).  هذه الآية أجراها بطرس بسلطان رسولي دون أن يُصلِّي.  كذلك عندما أقام طابيثا من الموت (أع9).  هذه الآيات بهذا الشكل هي التي توقفت.  فلا يوجد الآن شخص يدَّعي أنه يمتلك مواهب معجزية كأيام الرسل بسلطان خاص، ولا حاجة إلى ذلك.  لكن الله يستجيب الصلوات ويعمل المستحيلات طبقًا لمشيئته وقصده.  وهذا ما يُعلنه الكتاب.  أما ما يُشاهَد أو يُسمَع فلسنا مُطالبين أن نحكُم فيه.  ليتنا نعود إلى ماذا يقول الكتاب، فنقف راسخين غير متزعزعين حتى يأتي الرب ويجدنا ساهرين.
   



© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com