عدد رقم 4 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الاقتراب إلى الله  

«أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي» (مز73: 28)
   كان هذا اختبار آساف النبي بعد أن ذاق المرار في البعد عن مقادس الله.  وهو اختبار كل مؤمن في كل مكان وفي كل عصر.  وما أسمى أن يكون المؤمن متمتعًا بالشركة مع الرب، ناسيًا نفسه وظروفه واحتياجاته، ومشغولاً بالرب وحده، مكتفيًا وراضيًا به، واجدًا فيه كل التعويض.  هذا ما وصل إليه آساف عندما قال: «مَن لي في السماء؟ ومعك لا أريد شيئًا في الأرض» (مز73: 25).
   والكتاب قد حدثنا عن أشخاص أحبوا الرب، وأحبوا الشركة معه، وكان محضره والقرب منه كريمًا في أعينهم، فمكثوا معه وتعلموا منه وانتعشوا بمحبته وعُظم جوده.  على سبيل المثال:

1- مريم أخت لعازر: «التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه» (لو10: 39).  كانت تُقدر الشركة والاستمتاع بكلامه أكثر من الحركة والنشاط والخدمة.  ولم تجلس لتشكو ظروفها أو تطرح أمامه مشاكلها واحتياجاتها، مع أنه يقينًا كان لها احتياجات، وكانت زيارة الرب فرصة مواتية لذلك، لكنها لم تفعل ذلك.  وكان الأهم عندها أن تسمع هي لكلامه وحديثه العذب.  وكانت تحفظ كلامه متفكرة به في قلبها.  لقد تميزت بالفهم الغزير والإدراك العميق أكثر من سائر التلاميذ، نتيجة وجودها عند قدميه كثيرًا.  فلقد أدركت أن الرب يسوع هو الوحيد القدوس الذي عبر الرحلة في هذا العالم المدنس بالخطية ولم تتسخ رجلاه.  وبالتالي فهو لا يحتاج إلى ماء لغسل رجليه، ولكنها دهنتهما بالطيب العطر (يو12: 3).  وأدركت أنه لا بد أن يذهب إلى الصليب ليصنع الكفارة ويموت عن البشر الخطاة، ولم تُصدَم بهذه الحقيقة كباقي التلاميذ.  وأدركت أنه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث حسب الكتب، لهذا لم تذهب إلى القبر في صباح القيامة.  وأدركت أنه خلال وجوده في القبر، من لحظة دفنه إلى قيامته المجيدة، فإن جسده الكريم لن يرى فسادًا لأنه قدوس.  لهذا فهو لا يحتاج إلى حنوط وأطياب.  ومن أجل ذلك سكبت الطيب على جسده وهو حي قبل أن يذهب إلى الصليب إكرامًا وسجودًا.  لقد أدركت أن الرب يسوع عاش مرفوضًا وكان هو رجل الأحزان، وقد وصل إلى نهاية رحلته وهو يقترب من الصليب، وما أقل ما أُكرم هنا، وما أقل الهدايا التي قُدِّمت له.  لهذا قررت أن تُقدِّم له قارورة الطيب الخالص الكثير الثمن.  لم تحتفظ به ليوم عُرسها، ولم تسكبه على لعازر أخيها الوحيد عندما مات.  كانت محبتها كثيرة فعملت ما عندها للرب، وقدَّمت كل ما تملك في الحياة.  وعندما ثار يهوذا ومن معه ضدها، ظلت هادئة، والرب دافع عنها وعبَّر عن سروره ورضاه بما فعلته.  وكافأ تضحيتها بأن قال: «حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يُخبَر بما فعلته هذه تذكارًا لها» (مت26: 13). 

2- يوحنا الحبيب، التلميذ الذي كان يسوع يحبه (يو13: 23):  فقد تمتع بامتياز القرب الخاص من الرب حيث كان يتكئ على صدره ويستريح في حضنه.  وضمن النتائج الرائعة لذلك:  التلذذ والاستمتاع والشبع والامتلاء بمحبة المسيح، فأصبح أكثر التلاميذ أحقية وملاءمة أن يستخدمه الروح القدس ليكتب عن محبة المسيح ورد صداها في نفوسنا كمؤمنين.  صار أكثر معرفة اختبارية بالرب، فهو الوحيد الذي عرفه عندما  جاءهم على بحر طبرية، فهتف قائلاً: «هو الرب» (يو21: 7).  كما كانت هذه المحبة تسليته وتعزيته عندما نُفي إلى جزيرة بطمس.

3- عروس سفر النشيد التي باتت في حضنه:  لقد اختبرت هذا القرب العجيب إذ قالت: «شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني» (نش2: 6).  ولقد كانت النتائج مباركة: التمتع بدفء محبة الرب ورقة عواطفه.  وكذا اشتاق قلبها أن تستمر في هذا المكان وهذه الحالة إذ قالت لبنات أورشليم: «أحلفكن ... ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء» (نش2: 6، 7).  ولكونها تمتعت بمحبته وعرفت شخصه استطاعت أن تصفه في روعته وجماله وحلاوته من هامة رأسه حتى قدميه (نش5: 10 – 16).

4- داود: الذي التصق به وحن إليه في وقت رفضه وتغربه في برية يهوذا إذ قال: «لأنك كنت عونًا لي وبظل جناحيك أبتهج.  التصقت نفسي بك، يمينك تعضدني» (مز63: 7، 8).  ونتيجة ذلك تمتع بقوة ذراع الرب وحمايته وتعضيده له.


                                                                           عاطف مصري                  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com