عدد رقم 1 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الصلاة على الموتى ماذا؟ ولماذا؟  

  الإنسان يحدد مصيره الأبدي في حياته، ولعله من المفيد أن نرجع إلى قصة الغني ولعازر المدونة في إنجيل لوقا الأصحاح السادس عشر لندرك أن أي طلب بعد الموت مرفوض مهما بلغ من البساطة، حتى ولو كان قطرة ماء (لو16: 24).  إذًا فإن طلب الرحمة للموتى لن يفيدهم.  وإذا كان ذلك كذلك فما فائدة الصلاة على الموتى؟

إن الكتاب المقدس بعهديه يعلن وبكل وضوح أنه لا يوجد مطلقًا ما يُسمى بالصلاة لأجل الموتى، ولم يسجل لنا حالة واحدة حدث فيها صلاة لأجل موتى.  فنحن نقرأ عن موت سارة (تك23)، وإبراهيم (تك25)، وإسحاق (تك35)، ويعقوب (تك49)، ويوسف (تك50)، وموسى (تث34)، ويشوع (يش24)، وصموئيل (1صم25)، وأليشع (2مل13)، ويوحنا المعمدان (مت14)، واستفانوس (أع8)، وغيرهم، دون أية إشارة إلى صلاة رُفعت لأجلهم.

   وما أريد أن ألقي الضوء عليه هو توضيح بعض الأفكار فيما يخص الصلاة على الموتى:

1-    الصلاة في الجنازات لا تتدخل في مصير المتوفي: فالروح والنفس فارقت الجسد من لحظة الوفاة واستقر الشخص المتوفي إما في الفردوس (مقر راحة أرواح الأبرار) ليكون مع المسيح وذاك أفضل جدًا (في1: 23)، أو في الهاوية حيث العذاب في مكان انتظار الأشرار، وهذا ما نفهمه من (لوقا 16) في قصة الغني ولعازر، وحتى ولو ظن البعض أنه مَثَل وليس قصة، فالرب قصد من خلاله توضيح هذه الحقيقة.  "مات المسكين (لعازر) وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم .. ومات الغني أيضًا ودُفن، ورفع عينيه وهو في الهاوية في العذاب".  فلو قُدمت أعظم الصلوات، حتى لو كانت من موسى وصموئيل، (مزمور99 :6؛ إرميا15: 1)  فإنها لن تفيد الشخص الراحل شيئًا أو تنقله من مكان لآخر.  وهذا ما قاله إبراهيم للغني في نفس القصة: "بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أُثبتت".

2-    صلاة الجناز هدفها الأحياء وليس الأموات: أولاً: عظة لأهل المتوفي: عندما تُقدَّم كلمة الرب من الخدام تكون بمثابة مادة تعزية لهم: "عزوا بعضكم بعضًا بهذا الكلام" (1تس4: 18).  ثانيًا: عظة للمشاركين فالموت هو أكبر عظة لدرجة أنهم مرة قالوا ليوحنا ذهبي الفم: عظ في جنازة، فقال: إن لم يعظ الموت فلا فائدة من وعظي.  فأكبر واعظ هو الموت، والواقع يشهد أن بعض المشاركين لا يدخلون الكنائس إلا في المشاركات الحزينة أو المفرحة فتكون هذه فرصة مباركة لتقديم كلمة الله لهم وهم تحت تأثير الواقع المؤلم، وأن الموت حقيقة مؤكدة، وكما رحل الآخرون سنرحل نحن أيضًا.  ثالثًا: عظة حياة الراحل نفسه ففي الجنازات عادة تأتي سيرة الشخص المتوفي وحياته وأعماله وهذا يزيد من تأثير حياته خاصة عند الذين لم يعرفوه عن قرب وإنما أتوا ليشاركوا أحد أقاربه فرصة العزاء.

3-    الراحلون لا يحضرون جنازاتهم: تمنى البعض أن العزيز الذي رحل يحضر بروحه الجنازة ويسمع ما قيل عنه ويرى مشهد إكرامه من خدام الكلمة على الملأ، وربما هذه الأمنية لسبب أننا لا نرى سوى المنظور، فنظن أن ما يقال هو أفضل مدح ممكن أن يحظى به الراحل، وحفل الوداع هو أفضل حفل يليق بحياته وتضحياته.  لكن الحقيقة أن الشخص المؤمن يكون في حفل استقبال أروع بما لا يقاس من حفل الوداع.  فنحن نقول له وداعًا، والسماء تقول له مرحبًا.  حيث يأتي المسيح نفسه ويشرف على لحظة انطلاقه في حفل فيه الرب والملائكة واستقبال بهيج من الذين سبقونا يستقر الشخص نفسًا وروحًا في الفردوس وينفصل نهائيًا عن عالمنا.

4-    لماذا نأتي بجثمان الميت للكنيسة إن كانت الصلاة لا تفيده: كما سبق وأشرت لتأكيد حقيقة الموت أمام المشيعين.  فهذا الشخص الذي كان معنا وتعاملنا معه، قد رحل وجسده يرقد في الصندوق، مع علمنا أن ما داخل الصندوق هو الجسد الترابي، كما قال الرب: "لأنك تراب وإلى تراب تعود".  فكيان الشخص الحقيقي هو في روحه ونفسه.  هذا ما قاله الكتاب: "مات المسكين وحملته الملائكة"، ولم يقل حملت روحه.  فعندما يفارق الإنسان الجسد يخرج من هذه الخيمة التي سكن فيها فترة مؤقتة، لهذا فالحقيقة أن الراحلين، مؤمنين كانوا أو خطاة، لا يسكنون صناديق صنعناها لهم أو يسكنون قبورًا بنيناها لهم، إنما نحن نفعل هذا مع الجسد الترابي والذي يعود للتراب.  وفي يوم قادم سيقيم الرب هذا الجسد ويجمع ذرات التراب في صورة ممجدة، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء.  فالجسد الذي تهالك بالمرض، ونُقض بالموت دُفع ثمن فدائه على الصليب، فسيُفتدى بمجيء الرب، "متوقعين التبني فداء أجسادنا" (رومية8: 23).  

5-    خرافة صرف الروح: الحقيقة هذه الخرافة ليس لها أساس في الكتاب المقدس، وعندما تناقشت مع بعض القساوسة والآباء قالوا: إنها مجرد صلوات تُرفع في اليوم الثالث في منزل المتوفي من خلالها يزور الرعاة أسرة المتوفي لصرف روح الحزن وليس روح الشخص، فروح الشخص لن تحوم بالمنزل ثلاثة أيام إلى أن يأتي من يظن إدعاءًا أنه قادر على صرفها بصلاته.  وحتى بهذا الفهوم الأكثر اعتدالاً نقول إنه لا علاقة بين صرف روح الحزن واليوم الثالث.  ولا علاقة بين أشخاص بعينهم ودورهم في صرف روح الحزن.

6-    صلاة الجنازة لا تجلب المراحم للمتوفي: بداية نقول إن كلمة "مرحوم" التي تُقال عن المنتقل يجب أن تقال عن الأحياء المؤمنين "الذين كنتم غير مرحومين، وأما الآن فمرحومون" (1بط2: 10).  وعندما ذهب الغني إلى الهاوية ورفع عينيه في العذاب قال لإبراهيم: "ارحمني"، لكن هذا الطلب رُفض.  فلا رحمة بعد الموت.  ومن يقول إن صلاة الجنازات لا تنقل الميت من مكان لآخر بل هي لجلب المراحم له، مستندين على قول بولس الرسول عن أنيسيفورس، فإن بولس صلَّى لأجل أُنيسيفورس بعد موته لكي يعطيه الرب رحمة في ذلك اليوم (2تي 1: 18).  وفي هذا الصدد ننقل ما قاله الراحل الفاضل عوض سمعان:

 صلاة بولس هذه، لا يُستنتج منها أن صلاة الأحياء لأجل الموتى تنقلهم من السجن إلى الفردوس (على فرض أن أُنيسيفورس كان قد مات وقتئذ).  لأنه لا مجال لذلك على الإطلاق. ولذلك فإن صلاة بولس الرسول إلى الله كانت لكي يعطى أنيسيفورس أن يجد فقط رحمة، وهذه الرحمة بعينها هي التي طلبها لأهله الذين كانوا أحياء على الأرض (ع16)، الأمر الذي يدل على أن الرحمة التي طلبها له ليست هي النقل من السجن إلى الفردوس بل هي اللطف والسعة والجود، أو بالحري المكافأة الطيبة عن أعمال المحبة التي كان يقوم بها أُنيسيفورس من نحو الرسول (ع 16و 17).

ومن البديهي أن يكون الأمر كذلك، لأن هذه الأعمال، وإن كانت لا تستطيع أن تُكفِّر عن الخطية لكن لها مكافأتها.  إن الذين يقولون إن أنيسيفورس كان قد مات وقتئذ، يبنون قولهم هذا على أن الرسول طلب الرحمة لبيته، لكن هذه الطلبة لا تقوم دليلاً على أن أنسيفورس كان قد مات.  فنحن في حاجة إلى رحمة الله ليس فقط بعد أن يموت مَنْ يعولنا، بل نحن في حاجة إليها في كل وقت من الأوقات.  ومع كلٍّ فإن أنيسيفورس (كما يتضح من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس) كان يسكن في مدينة أفسس مع أفراد عائلته، لكن عمله كان يدعوه للذهاب إلى روما من وقت إلى آخر، ومن ثم كان يتغيَّب عنهم كثيرًا، ولذلك كان من البديهي أن يطلب بولس الرحمة لأجلهم، أو بالحري اللطف والعناية والمساعدة.  

    لكن بحسب ظني أن الأمر هو تمني من بولس لأنيسيفورس تقديرًا لتعبه، فقد زرع رحمة وسيحصد رحمة في ذلك اليوم أمام كرسي المسيح.  مثلما أشار إلى الجزاء لإسكندر النحاس على ما أظهره من شرور كثيرة (2تي4: 14).

 

   أخيرًا أختم مقالي بكلمة مقتضبة لأهل العروسين اللذين انتقلا في ليلة عرسهما قي قرية إتليدم، فقد علمت من المقربين لهما أنهما كانا في علاقة حية مع الرب، فطوباهما لأن السماء عملت لهما حفل استقبال أروع من حفل العرس في يوم فرحهما، وهذا تعويض لهما عن حفل الوداع الذي ضن عليهما به البشر.  فهنيئًا لهما سلامة الوصول وهما أكثر سعادة بما لا يقاس مما لو قضيا شهر العسل، أو حتى العمر كله، في دنيا الشقاء والأتعاب.

 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com