عدد رقم 1 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الإنجيل الأخلاقي (2)  


  لقد فهمنا من المقال السابق أن الإنجيل الأخلاقي هو ذلك الإنجيل الذي يُقدم المسيح كمعلم لأرقى المبادئ السلوكية، متجاهلاً تقديمه كمخلص مُقام من الأموات على أساس كفارته العظمى، وأرجو أن يلاحظ القارئ العزيز أنني لا أقصد بالتجاهل هنا الإنكار، فمقدمو هذا الإنجيل يؤمنون بهذه الحقيقة، أعني الكفارة، لكنهم يتجاهلونها أو بتعبير أدق يُفرغونها من جوهرها إذ ينظرون إليها على أنها برهان محبته لنا، وهذه بالطبع نظرة ليست خاطئة لكنها قاصرة، واللافت للانتباه أن ليس جميع من يقدمون هذا الإنجيل ينتمون لفريق واحد أو لهم وجهة نظر واحدة في تبني هذا الإنجيل، والآن دعونا نتعرف على الأسباب التي مهدت للإنجيل الأخلاقي.

لماذا الإنجيل الأخلاقي؟

   هناك فريق رأى في الإنجيل الأخلاقي أنه أسهل طريقة لجذب قطاع كبير من غير المسيحيين للمسيح، حيث يُبرز هذا الإنجيل الجوانب الأدبية في تعاليمه: كالمحبة للأعداء في مباينة صارخة مع ما علَّم به غيرُه أتباعَه، ولما وجدوا أن هذا يأتي بنفوس كثيرة من الظلمة إلى النور انخرطوا أكثر في هذا التوجه، وهكذا يبدو جليًّا لنا ما أتحفظ عليه بشدة وهو أنهم لا يقدمون للناس المسيح المصلوب بقدر ما يقدموه كمعلم، وهذا يتنافى مع جوهر الإنجيل كما نتعلم من كرازة بولس الرسول الذي لم يعزم أن يعرف شيئًا بين سامعيه سوى يسوع المسيح وإياه مصلوبًا (1كو2: 2)، ولذا أرجو ألا يخفى على القارئ العزيز أن تبعات هذا الإنجيل هي إتيان الكثيرين إلى المسيحية وليس المسيح.

 غير أن ثمة فريق آخر ظن أنه إذا نجحنا في تهذيب سلوكيات العالم لتتشبه بتعاليم المسيح سيصبح النظام العالمي خاضعًا للمسيح.  بالطبع إن هذا سيحدث في المستقبل شريطة القبض على من يترأس العالم الآن الذي هو الشيطان، الأمر الذي لن يحدث قبل الملك الألفي (رؤ20: 1-3).  أما الآن فنحن نكرز بإنجيل لا يُغيِّر العالم لكنه يفصل من يقبلون المسيح عنه، ليبقى هو على حاله الرديء، حتى يأخذ المسيح ملكه على الأرض، ولذا أرجو من إخوتي الشباب أن يفطنوا إلى أن الحقائق التدبيرية والنبوية كالتمييز بين التدابير، والتفرقة بين الكنيسة وإسرائيل، ومعرفة ما سيحدث بعد اختطاف الكنيسة من استكمال الأسبوع السبعين من نبوة دانيآل النبي، وإقامة الملك الألفي... كل هذه لكي يفهموا أن دراسة هذه الحقائق بتدقيق ليست نوعًا من الترف أو تضييع الوقت، بل إنه ضروري جدًّا لنعرف ما هو الإنجيل الذي نُقدمه وكيف نُقدمه، وماذا ننتظر من وراء تقديمه، إن هذه الحقائق لها أكبر الأثر على حياتنا الروحية وعلى تطلعاتنا الزمنية وعلى خدمتنا للسيد الذي نريد أن نرضيه.

ماذا فعلنا تجاه الإنجيل الأخلاقي؟

  للأسف قد امتعض الكثيرون من انتقاد هذا الإنجيل، وتراخينا في التعليم بأن أي عمل كرازي ينبغي أن يقدم للناس المسيح المصلوب كأساس للكفارة والفداء، بل وفرحنا بنتائج هذا الإنجيل، فكانت النتيجة أن تثبتت دعائم هذا الإنجيل بيننا.  نعم لقد كنا نجهل أفكار إبليس الذي كان يجهز المسرح للضربة القادمة التي أراد بها أن يقصم ظهر الإيمان المسيحي.  لكن إذا أمعنَّا النظر في الجزء الكتابي الوارد في (2تي2: 14-21) سنجد أن الوحي يقول: «ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت، إذ له هذا الختم: يعلم الرب الذين هم له، وليتجنب الإثم كل من يُسمي اسم الرب».  إنه هيهات للعدو أن ينجح في ذلك مع أولاد الله إذ فيهم أساس الله الراسخ الذي لا بد أن يثبت، ذلك الأساس المختوم بختم ذي وجهين، أحدهما يضمن الحفظ الإلهي لأولاده الذين يعرفهم جيدًا من التأثير على إيمانهم بالمسيح، والآخر بمثابة برهان عملي يظهر في تجنبهم لكل إثم تعليمي يتناقض مع حق الإنجيل الذي قبلناه، على أن الحفظ الإلهي ليس مدعاة لعدم تحمل مسؤوليتنا أمام الله كآنية لها استخدامها في ذلك البيت الكبير الذي هو المسيحية المعترفة بوجه عام.  فعلى كل خادم يبتغي أن يكون إناءً للكرامة مقدسًا نافعًا للسيد أن ينفصل، لا عن التعاليم التي تهدم جوهر الإيمان المسيحي فحسْب، بل عمن ينادون بها وحتى عن أولئك الذين أظهروا موقفًا رماديًّا تجاهها، فإناء الكرامة ليس كل اهتمامه أن يكون نافعًا للناس، فالأمر الذي يحظى بالأولوية الأولى لديه هو كيف يكون نافعًا للسيد الذي أقامه للخدمة، ذلك السيد الذي لن يرضى سوى بأن يُقدَّم الإنجيل كاملاً كما هو دون أدنى تدخل منا لوضع بصمتنا البشرية الرديئة عليه، ويقينًا أن ما هو نافع للسيد هو الأنفع للناس بكل المقاييس، ومن هنا نفهم أن الأمانة للحق صارت هي المعيار الأساسي في تقييم الله لكل إناء داخل البيت الكبير، وهكذا يبدو لنا أن عدم اتخاذ أولاد الله موقفًا رافضًا من البداية لهذا الإنجيل بغض النظر عن قداسة دوافع من قدموه وإخلاصهم للمسيح وحبهم للنفوس، بل وبغض النظر عن النتائج التي قد تكون مبهرة في بعض الأحيان للكرازة بهذا الإنجيل، أدَّى لأن يُحرم الكثيرون من سماع الإنجيل الكامل بل والأساس الإلهي المتين لغفران الخطايا، فو إن كنت موقنًا أن أولاد الله الحقيقيين محفوظون له، وسيكتشفون إن عاجلاً أو آجلاً الخطأ في الإنجيل الأخلاقي، إذ يستفيقون من الفخ الذي نصبه لهم إبليس، إلا أنني موقن أيضًا أن نعمة الله التي تضمن الحفظ لا تلغي مسؤوليتنا في العيشة بالأمانة للتعليم الصحيح، فلا بد أننا سنخسر شيئًا من ابتسامة رضا الرب عنا إذا أهملنا معرفة واتباع فكره الكامل من جهتنا، بل وسنشعر بخسارة شهادتنا وخسارة الوقت والجهد اللذان ضاعا في سبيل الخدمة بإنجيل لم يكن نافعًا للسيد على الإطلاق، حتى لو أنه كان نافعًا للناس بقليل أو بكثير.  وهنا يجب أن نتوقف أمام سياسة الله صاحب السلطان الأصلي على البيت، حتى وإن صار كبيرًا أي جامعًا لكل نوع من الآنية، فنحن ليس لنا الحق أن نطالب الله بأن يُفَشِّل خدمة ليس لنا أن نشكك في دوافع القائمين عليها بحجة أنها ليست حسب المكتوب، فها هو بولس يفرح لأن اسم المسيح يُنادى به بواسطة أناس ذوي دوافع في منتهى الرداءة وينادون بإنجيل لا يتفق والتعليم الصحيح، إن فرح بولس هذا كان خضوعًا لسلطان الله الذي من حقه أن يستخدم ما هو صحيح وما هو خطأ لمجده (في1: 14-18).  ولذا فالأحرى بنا اليوم أن نخضع لذات السلطان الإلهي لئلا نوجد محاربين لله.  غير أن هذا لا يعني أننا نتجاسر ونخدم الرب غير مدققين في صحة ما نقدمه من تعليم مستغلين سلطانه هذا لصالح رغبات الجسد الرديء الساكن فينا، فلا مجال هنا للتفريط في أمانتنا للرب.

   إن عدم اكتراثنا بفهم هذا الجزء الوارد في رسالة تيموثاوس الثانية الذي شرحناه في الفقرة السابقة تسبب في كل ما أشرت إليه، ولذا لم يكن شرح هذا الجزء خروجًا عن الموضوع بل هو في صميمه، فكل ما أشرت إليه أنتج الكثير مما نعاني منه اليوم، والذي سيظهر بوضوح عندما ننتقل للفريق الثالث والأخير بين من ينادون بالإنجيل الأخلاقي، حيث أرى أن هذا الفريق صار الأكثر خطورة على الإطلاق من الفريقين السابقين اللذان سبقت الإشارة إليهما، وفي المقال التالي بمشيئة الرب سنتكلم عن هذا الفريق.

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com