عدد رقم 1 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ليلة أخرى في بيت لحم (السجود)  


(مت2: 1 – 12)

   لا شك أن دارسي الكتاب قد لاحظوا الاختلاف بين ما سجله البشير متى وما سجله لوقا فيما يتعلق بولادة الرب يسوع، ومع ذلك فإن كلا الإنجيلين يفتتحان بمشاهد ليلية.  فلوقا يرينا رعاة بيت لحم تأتي إليهم الأخبار السارة بأنه في ذلك اليوم ولد لهم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.  ووصفه يؤكد الحق الخاص بتجسد الابن ليخلص ما قد هلك، وذلك عن طريق صيرورته إنسانًا ليمكنه أن يموت لأجل الناس.  هذا هو محور إنجيل لوقا.  ولكن إنجيل متى له غرض آخر فقد كتب لليهود لا للأمم، وهو يقدم المسيح كالملك، ويتناول تاريخه على الأرض في علاقته بالأمة اليهودية. 

   يفتتح الأصحاح الثاني بأن المجوس، وهم رجال حكماء من الأمم من المشرق، سافروا مسافة شاسعة، وأتوا إلى أورشليم وعلى شفاههم سؤال: «أين هو المولود ملك اليهود»؟  إنه سؤال يلفت النظر، وهو أول سؤال في العهد الجديد، ويختلف كثيرًا عن أول سؤال في العهد القديم حينما قال الله لآدم: «أين أنت»؟  فإذا كان المجوس حسب سؤالهم يطلبون الملك، فإن شرعية حق هذا الملك للعرش، يجب أن تظهر بكل وضوح.  ولذلك فإن الأصحاح الأول من متى يعطينا سلسلة نسب الرب يسوع، من إبراهيم ونازلة إلى داود (الخط الملكي)، إلى أن تصل إلى يسوع مولودًا في هذا العالم بالطريقة التي يصفها متى.  وهكذا تم المكتوب «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعون اسمه عمانوئيل» (إش9: 14)، الذي تفسيره الله معنا.  لقد جاء المجوس من المشرق في مهمة عجيبة، ويوجد شيء له جاذبية في مجيء هؤلاء الناس من الشرق سائرين مئات الأميال ليُحيُّوا ابن الله عند دخوله إلى العالم.  وهو صورة نبوية لما سيحدث في المستقبل.  قبيل ولادة الرب كانت توجد توقعات أن شخصية عظيمة ستولد في العالم.  وربما اعتبر الفلكيون والمختصون بالنجوم أن نهاية مُلك هيرودس هي الوقت الذي سيولد فيه هذا الملك.  وربما رجعوا إلى نبوة بلعام: «أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا، يبرز كوكب من يعقوب» (عد24: 17).  لا شك أن يد الله كانت مع أولئك الرجال الذين كانوا يبحثون عن الحق، أولئك الأشخاص الذين قطعوا مسافة شاسعة وأتوا متسائلين: «أين هو؟ ... فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له».  هذا هو أول سجود في العهد الجديد.  حينما رأوا النجم بدأوا رحلتهم إلى تلك البلاد يتساءلون: أين هو الملك المولود؟ وعندما أتوا إلى أورشليم لم يستطع أحد أن يخبرهم شيئًا عن الشخص الذي يطلبونه، لكن الوحي كان قد تنبأ أين يولد المسيح، في نبوة ميخا، التي حددت المكان في بيت لحم، والكتبة كانوا يعرفون ذلك، لقد كانوا يعرفون الكتب وليس قوة الله، كانت لهم معرفة بلا قلب.  لذلك بناء على أمر هيرودس ذهب المجوس إلى بيت لحم، وعند ذهابهم إلى هناك ظهر لهم المرشد، وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف حيث كان الصبي.  «فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا».  لا شك أن يد الله كانت ترشد أولئك الباحثين عن يسوع ليسجدوا له، فهم مُهيأون للسجود.  ويا له من أمر عجيب، الأمم يسافرون مئات الأميال ليسجدوا له، بينما شعبه لا يدري عنه شيئًا.  لم يوجد ولا واحد في أورشليم من الدائرة الدينية سمع أو فكر قليلاً عن هذا الشخص.  كانت لهم مجرد معرفة عقلية عن النبوات ولكن القلب والفكر بعيدان كل البعد عنه، وهذا ما نستخلصه من إنجيل متى.  ولكن كانت هناك بقية أمينة تنتظر المسيا مثل حنة النبية وسمعان البار وآخرين وقد فرحوا بولادته.  لكن الكهنة اليهود والكتبة والشيوخ ورؤساء الأمة لم يكونوا يطلبونه.  وأول أخبار سمعوها عنه كانت بعد أكثر من سنة من ولادته، وسمعوها من أولئك الرجال الأمم من المشرق.  ويجب أن نفهم أن المناسبة التي فيها شاهد المجوس الرب وقدموا له هداياهم من ذهب ولبان ومر هي غير المناسبة المذكورة في لوقا 2 حيث شاهد الرعاة الطفل من حيث الزمان والمكان.  فالرعاة جاءوا في ذات الليلة التي ولد فيها، أما حضور المجوس فكان بعد نحو سنتين، والرعاة رأوه في المذود، أما المجوس فوجدوه في البيت (عند أحد الأقرباء في بيت لحم).

   إن بيت لحم هي المكان الذي ماتت فيه راحيل، والمكان الذي ولد فيه يسوع.  ومعنى بيت لحم بيت الخبز، ومعنى أفراتة خصبة أو مثمرة، وهناك ولد داود ومُسح.  وفي سهولها كان الرعاة يحرسون حراسات الليل على رعيتهم حينما أذيعت عليهم بشائر السلام لأول مرة.  وإلى هذه القرية الجبلية أتى المجوس ليجدوا الطفل يسوع ويسجدوا له. 

   ونلاحظ أن الاستعداد للرحلة والسير البطيء بالقافلة من الشرق لا بد أنه استغرق شهورًا عديدة منذ أن ظهر النجم أولاً، وعندما حصل هيرودس على المعلومات بشأن ولادة المسيح الذي كان يعتبره منافسًا له، حدد فترة سنتين ليضمن موته، عندما أرسل وقتل كل أطفال بيت لحم من ابن سنتين فما دون.  إن التأثير الذي أحدثته ولادة السيد على هيرودس يختلف عن التأثير على المجوس.  هيرودس اضطرب وجميع أورشليم معه.  وهذا يفضح حالة قلب الإنسان الشرير.  وكم يختلف هذا عن حالة المجوس الذين أتوا ولهم رغبة في الاعتراف به كالملك والسجود له.  وها هو شخص المسيح بعد أن مات وقام جالس الآن في عرش الآب، ولكنه نفس يسوع، وعلى كل شخص أن يتخذ منه موقفًا مُحددًا.

   «وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا. ذهبًا ولبانًا ومرًا».  والذهب يشير إليه كالملك، واللبان كالكاهن، والمر كالنبي وأيضًا كالمتألم.  إلا أن هذه الهدايا تعني أنهم قدموا له أفضل ما عندهم.  وعندما يسود المسيح على القلب، فإن من هذا القلب تصدر عواطف الحب والسجود له، وهي تقابل ما قدمه المجوس للرب.

   ولكن لنسأل هذا السؤال: كم قدم المجوس إلى مريم أمه؟ الجواب: لا شيء.  فالسجود كله كان موجهًا للرب، وكانوا في ذلك أكثر حكمة من كثيرين.  إن مريم قديسة ومطوبة ومختارة من الله لأنبل الأغراض، ولكن السجود يُقدم للرب فقط.  هل تأملنا في لوقا، حينما جاء سمعان إلى الهيكل وأخذ يسوع الطفل على ذراعيه؟ ماذا نقرأ عن يوسف ومريم؟ لقد باركهما سمعان، ولكن هل بارك سمعان يسوع؟ كلا.  فقد كان لسمعان التعليم الإلهي والفطنة.  كان من الممكن، كما هي العادة، أن يضع سمعان يده على رأس الطفل ويباركه.  ولكنه هنا يبارك الأبوين، ولا يبارك الطفل يسوع.  فقد كان يدرك أن على ذراعيه شخص ابن الله، ودائمًا الأصغر يُبارك من الأكبر، وليس العكس.

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com