عدد رقم 1 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحصاد قد حضر  


   «وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ ٱلْمُدُنَ كُلَّهَا وَٱلْقُرَى ... حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: «ٱلْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَٱطْلُبُوا مِنْ رَبِّ ٱلْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ». (مَتَّى 9: 35-38 )  «... ٱرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَٱنْظُرُوا ٱلْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ٱبْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. وَٱلْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ ٱلأبَدِيَّةِ، ... أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ» (يوحنا4 : 35- 38).

  من الذي يرى أيامنا أنها "موسم للحصاد" أو يرى "الحقول قد ابيضت"؟

  يمكننا أن نجد جوابًا لهذا السؤال إن تأملنا الظروف التي تكلم فيها الرب عن الحصاد في الجزئين السابقين.  في إنجيل متى يصفه بالقول «ٱلْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ»، وفي إنجيل يوحنا يطلب قائلاً «...ٱرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَٱنْظُرُوا ٱلْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ٱبْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ».

أولاً: الحصاد كثير والفعلة قليلون: 

   قبل أن يصف الرب ذلك عن الحصاد أنه كثير (مت 9: 35- 38) نلاحظ هذه الأفعال : يطوف ، يُعلِّم ، يكرز، يشفي...  وكلمتي "كلها" و"كل" ترينا الاجتهاد الشديد في الخدمة.

1-              يُعلِّم:  اجتهد في تعليمه إذ رأى الناس تتخبط في الجهل ولا تعرف شمالها من يمينها ورأى أن الثمين  قد تاه وسط المرذول.  رأى الرب أن الشعب يتبع وصايا هي تعاليم الناس، وأن جموع الشعب تائهين في دروب الضلال بعيدًا عن المكتوب فتبعوا فلسفات الناس، وقادتهم لا يعرفون الكتب ولا قوة الله.

2-              يكرز:  رأى المساكين روحيًا في جوع شديد إليه، العشارين والزناة الذين يُحسبون من قاع المجتمع في نظر رؤساء اليهود، مندهشين أنه يظهر حبه واهتمامه بهم واقترابهم منهم لا ليدينهم بل ليخلصهم.

3-              يشفي:  لم يمنع مراحمه عن البائسين والذين أظهروا احتياجهم الشديد له.  رأى العمي الذين أدركوا أن المسيا ابن داود هو وحده الذي يفتح أعين العميان فصرخوا إليه طالبين الشفاء، ورأى البرص يعلمون مقدار نجاستهم والتمسوا التطهير، ورأى العرج والعسم والخرس يترجون رحمته.  ذهب بنفسه الى المفلوجين ليقيمهم وللمصروعين والمجانين ليطلقهم إلى الحرية.

رؤية الحقول:

نرى في هذا الجزء الرب بسوع المسيح « يطُوفُ ٱلْمُدُنَ كُلَّهَا وَٱلْقُرَى» كالخادم المجتهد، والمعلم الذي يعلم في مجامعهم، والمبشر الذي يكرز في كل مكان، والطبيب العظيم الذي يشفي كل مرض وكل ضعف، والراعي الذي يتحنن على خراف منزعجين ومنطرحين.  لن يمكننا أن نرى الحقول على حقيقتها ونحن في دوائر راحتنا.  لنذهب للمرضى المتألمين في المستشفيات والمصحات؛ لنسمع أناتهم التي تمزق القلوب فنشفق عليهم كما كان سيدنا يتحنن عليهم.  إن ذهبنا لدور المسنين ورأينا وحدتهم وآلامهم،  مشاعرنا سوف تتحرك.  لنذهب إلى الملاجئ وننظر حرمانهم وهناك سندرك احتياجهم.  لنذهب للسجون ونسمع شكاوى المظلومين وننظر دموعهم ستجري الدموع من عيوننا ونقدم لهم حينها نور الرجاء.  لن يرسلنا الرب لنخدمه ونحن على فراش الراحة.  دعا الرب جدعون وهو يخبط حنطة، ودعا أليشع وهو يحرث في الحقل، ودعا التلاميذ وهم يعملون في مراكب الصيد.  الكارزون لا يُصنعون في غرف من زجاج لكن في حقول الخدمة، هكذا الحال معنا، حين نرى ما يجعل قلوبنا تحترق على حال النفوس الضائعة والهالكة سنسعى باجتهاد لنقدم لهم رسالة الخلاص. 

ثانيًا: الحقول قد ابيضت للحصاد:

 متى قال الرب الكلمات التالية؟ «...ٱرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَٱنْظُرُوا ٱلْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ٱبْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ».  في كل مرة يذكر هذا التعبير في العهد القديم «ٱرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ » كان الرب يلفت نظر شعبه إلى أمر غاية في الأهمية.  حين يراهم يوجهون أنظارهم ومشغوليتهم بما هو تحت أقدامهم فقط؛ وهم يركزون اهتماماتهم على أشياء وقتية وقليلة القيمة.  كان يدعوهم أن يرفعوا عيونهم وينظروا الأمور بعين الرب، كما يراها هو من العلاء.

 أين ومتى وصف الحقول إنها قد ابيضت للحصاد؟ ألم يقل ذلك عندما رأى الرب ما يجري في قلوب السامريين! رأى الجوع التي تتقاطر نحوه وأشواقهم الحقيقية أن يعرفوه وعلم طلبتهم.  «لَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ ٱلسَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ» (يُوحَنَّا 4: 40).  فإننا لا يكفينا زيارة عابرة، نريد أن نعرفك عن قرب، لا نريد أن نسمع عنك فحسب بل نريد أن نسمعك ونراك ونشبع بك شخصيًا.  نحن محرومون وعطشى وجوعى إليك فتعال أقم عندنا.  أيمكن أن يُمسك نفسه عنهم ذاك الذي ”يوجد للذين يطلبونه“ كأن لسان حالهم:

تعال بيننا أقم عندنا   وخذ من قلوبنا لك مسكنًا 

نحن جياع أنت خبزنا   نحن عطاش أنت ماؤنا

فمنك يطيب الغذاء... أتستجيب منا الدعاء؟

  ما أكثر أمثال السامريين! هؤلاء الذين سئموا الأطعمة المُسمَّمة التي أفسدت أذهانهم وقسَّت قلوبهم، فاشتهوا أن يطعموا على الخبز الحقيقي النازل من السماء الواهب حياة للعالم، فتشبع قلوبهم وتتغير حياتهم.  الرب يسمع صراخهم ويعلن نفسه لهم بطرق متنوعة.  هل لهم في وقتك الغالي مكان؟ هل لهم في قلبك الساهي حنان؟ هل لهم في صلواتك اهتمام؟

لكي تكون عاملاً لا يخزى في أيام الحصاد.

1- اجتهد في الخدمة التي أعطاك الرب أن تنجزها وهناك سترى الحقول كما يراها الرب.  ويجب أن تطيع الرب وتقوم بالدور الذي يكلفك به.  قد يكون دورك الحالي أن تؤازر العاملين في الحقول بالصلاة معلنًا استعدادك أن تشارك في عمل الله العظيم إن كلفك بشيء تفعله.

2- لا تحتقر الخدمة الصغيرة أو التي تعمل في الخفاء ولا تستغرب الخدمة غير المألوفة.

 مقاييس نجاح الخدمة وتقييمنا لما نعمله يختلف عن مقاييس البشر.  العبرة ليست في حجم الخدمة ولا نوعيتها لكن بمقدار طاعتنا للرب.  بلا شك يوجد مؤمنات أو مؤمنون لا نعرف شيئًا عن خدماتهم، عملوا للرب أمورًا عظيمة في الخفاء أو صغيرة في أعين الناس لكنها عظيمة جدًا في تقدير الرب.

3- تذكر أنه موسم للعمل سواء للخدمة وسط المؤمنين أو للشهادة للبعيدين.

الخدمة وسط المؤمنين بالتعليم والوعظ والرعاية والمشاركة في الاحتياجات وإظهار أحشاء المسيح تجاه المتألمين. تذكر أنك وكيل على ما أعطاك الرب كي تخدم به إخوتك فكن وكيلاً صالحًا وأمينًا في وكالتك.  أيضًا لا تفوِّت فرصة فيها تشهد عن خلاص المسيح ولا تستحي بإنجيله لأن فيه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن.  ما أكثر العطاش البائسين حولنا الذين يطلبون ماء الحياة والتائهين الذين يلتمسون من يرشدهم إلى طريق الحياة!

 عزيزي.. الحصاد يأتي بعد تعب كثير والحاصد يكلل تعب السابقين ففيه فرح للزارع والحاصد معًا، والحاصد يجمع ثمرًا للحياة الأبدية، وله أجرة بمقدار عظمة قيمة النفوس.  الأمر يستحق التعب والاهتمام والحصاد فرصة للجميع أن يعملوا، فنعمًا لمن يعمل باجتهاد، ويا لخزي النائم في الحصاد!

هبني يا إلهي رؤية الإيمان حتى أنظر نحو الحقول     فأرى الحصاد يملأ البقاع وكذا الجبال والسهول

النفوس جاعت النفوس ذابت النفوس تطلب النجاه      فأعني حتى أشهد بحب أنك الطريق والحياة


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com