عدد رقم 1 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة كمنارة على الأرض  


(رؤ1 - 3)

                                               المقدمة

   كان يوحنا منفيًا في جزيرة بطمس من أجل كلمة الله، ومن أجل شهادة يسوع المسيح، وقد حاول الشيطان أن يعطل هذا الشاهد الأمين ويخمد نوره، فيبعده عن الكنائس.  لكن الحقيقة أن يوحنا كان له عمل آخر اقتضى أن يكون في خلوة لفترة محددة، غير مُشتت بأي أصوات أو خدمة، حتى يستطيع أن يستقبل الرسائل والإعلانات الإلهية وكانت في غاية الأهمية. 

   كان يوحنا في الروح في يوم الرب، وسمع وراءه صوتًا عظيمًا كصوت بوق (رؤ1: 10).  والبوق يشير إلى الله متكلمًا بالقوة والجلال (خر19).  فالتفت لينظر الصوت الذي يتكلم معه.  كانت مشاعره مليئة بالحزن بسبب الحالة التي وصلت إليها الكنائس، وهو بعيد عنها.  والرب عرف ما تجتاز فيه نفسه.  لقد أعطى ظهره للكنائس يائسًا، لكن الرب صحح اتجاه نظره.  فرأى سبع مناير ذهبية (رؤ1: 12)، وهي تمثل الكنيسة كشاهدة للمسيح على الأرض في ليل غيابه.  ورأى ابن الإنسان ماشيًا وسط المناير في أوصاف قضائية، ليدين كل ما لا يتفق مع قداسته. 

   الثياب كالقاضي أوالديان، وليس كالخادم أو الكاهن أو الشفيع.  فالمنطقة الذهبية ليست عند الحقوين، بل عند الثديين (ع13).  فهي تشير إلى البر والمحبة، فإن الرب يدين شعبه وعلى عبيده يشفق.

   رأسه وشعره أبيضان كالصوف (ع14).  فهو القديم الأيام (دا7: 9)، وفي رأسه نرى الحكمة، واللون الأبيض يتكلم عن القداسة. 

   «عيناه كلهيب نار»، تتكلم عن الفحص الكامل وامتحان كل شيء.  «أنا عرف أعمالك» (رؤ2: 2)، وأيضًا يقول داود: «تيهاني راقبت» (مز56: 8).

   رجلاه مثل النحاس النقي (ع15) الذي يشير إلى بر الله في إدانة الخطية.  وهو يذكرنا بمذبح النحاس الذي يتحمل نيران الدينونة.  والرب في يوم الدينونة العتيد سيدوس الأشرار ويسحقهم بغضبه.

   صوته كصوت مياه كثيرة، وهذا يرينا العظمة والسلطان.  «كخرير مياه كصوت القدير» (حز1: 24).  بزجرته ينشف البحر.

   ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب يمسك بها (ع16).  وهذا يرينا السيادة والملكية والسلطان والقوة والضمان.

   وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه (ع16).  هذا يرينا إجراء الحكم والدينونة طبقًا للكلمة الفاحصة والمميزة. 

   ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها (ع16).  هذا ما ظهر على جبل التجلي في استعلان لمجده الملكي (مت17)، وأيضًا عندما ظهر الرب لشاول الطرسوسي بنور أفضل من لمعان الشمس (أع9).  وقد أشار بطرس إلى حادثة التجلي بالقول «عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه» (2بط1: 16)، مستعلنًا سيادته العليا ومجده.

   «فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت» (ع17).  مرة كان يوحنا متكئًا في حضن يسوع وأسند رأسه على صدره، ومرة غسل يسوع رجليه، وهنا سقط عند رجليه كميت.  إنه تدريب عميق للنفس في حضرة قداسته.  أمام مشهد قداسته، وأمام مشهد الفشل الحادث في الكنيسة، سقط عند رجليه كميت عاجزًا وخائرًا وحائرًا.

   «فوضع يده اليمنى عليَّ» (ع17).  لم يترك الرب خادمه المتضع، بل لمسه وقواه قائلاً: «لا تخف.  أنا هو الأول والآخر».  الأول في المقام، صاحب المجد الرفيع، فهو الأزلي.  هو نبع ومصدر كل شيء، وهو  الآخر أي غاية ومجد كل شيء.

   «والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين» (ع18).  هنا نرى مجده الاكتسابي.  هو رئيس الحياة ومصدرها ومعطيها.  يوحنا يموت والرسل ماتوا أما الرب فيبقى إلى الأبد، وهو حي لأجل الكنيسة ولا يسود عليه الموت بعد.

  «أكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون بعد هذا» (ع19) في الأرض وفي السماء.  سر السبعة الكواكب والمناير السبع الذهبية ترينا الطابع النبوي وليس مجرد تاريخ، لهذا يستعمل كلمة «سر» أي أن له بُعد نبوي هام لا يظهر على السطح.

   «ملاك الكنيسة».  ليس حرفيًا بل رمزيًا، فليس للملائكة إشراف على الكنيسة، بل الملائكة تتعلم حكمة الله وترتيبه بواسطة الكنيسة (أف3: 10؛ 1كو11: 10).  الملائكة المختارون لا يفشلون ولا يسقطون ولا يوجه لهم اللوم كمسؤولين عن الحالة الروحية للكنائس.  هنا يوجه للملاك التوبيخ واللوم.  «اذكر من أين سقطت وتب».  حالة الملاك مماثلة لحالة الكنيسة، فلا بد أن يكون واحدًا منها.  شخص أو أشخاص يشغلون مركزًا في وسطها، وعليهم مسؤولية خاصة تجاههم.  والكلمة هنا ”ملاك“ تعني ”رسول“.  إنهم يمثلون الله أمام الجماعة، والله ينظر إليهم بحكم مركزهم كمسؤولين عن الجماعة.

   الكنيسة كمنارة ليست هي مصدر النور، لكنها مسؤولة عن النور الذي أُعطي لها لتظهره أمام العالم.

   الدروس المستفادة من الرسائل الموجهة إلى السبع الكنائس:

أولاً: 1- صورة تاريخية      2- صورة نبوية        3- صورة تطبيقية عملية

ثانيًا: الفارق بين الكنيسة كجسد المسيح وعروسه، وبيت الله، وبين الكنيسة كمنارة.

ثالثًا: هذه الرسائل تنقسم إلى مجموعتين: ثلاثة عبروا ومضوا ولا نقرأ فيهم إشارة إلى مجيء الرب، ثم أربعة بدأوا تباعًا ويستمرون إلى مجيء الرب.

رابعًا: التحريض: من له أذن، وعلاقته بالوعد للغالب.

خامسًا: الأدوار السبعة: أفسس من بعد العصر الرسولي إلى سنة 167م.  سميرنا (عصر الاضطهاد) من 167م حتى 313م.  برغامس بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية حتى سنة 600م.  ثياتيرا حيث انتشرت الوثنية في المسيحية، وتبلور نظام روما البابوي، واضطهاد قديسي الله في العصور الوسطى المظلمة حيث احتجب نور الإنجيل.  ساردس وتمثل نظام البروتستانتية بعد عصر الإصلاح ورحيل رجال الإصلاح.  فيلادلفيا تمثل النهضة الأخيرة في القرن التاسع عشر حيث أشرق نور الكلمة بشكل مذهل وانتشر الحق في كل ربوع العالم وخاصة الحق الخاص بالكنيسة، والاجتماع إلى اسم الرب، وكهنوت المؤمنين، وكسر الخبز، ورجاء مجيء المسيح كالعريس، والنبوات الخاصة بإسرائيل، والفرق بين إسرائيل والكنيسة، والملك الألفي وغيرها.  ثم أخيرًا لاودكية التي تمثل الدور الأخير للكنيسة على الأرض حيث يسود الفتور والمادية والعجب بالنفس.

سادسًا: في دانيال 2، 9 نجد تاريخ أزمنة الأمم التي بدأت ببابل (الرأس من ذهب)، وتاريخ إسرائيل ممثلاً في السبعين أسبوع.  أما هنا في رؤ2، 3 فنرى تاريخ الكنيسة النبوي في رحلتها على الأرض.

سابعًا: هناك مشابهات بين هذا التاريخ النبوي مع حكم القضاة، ومع تاريخ ملوك إسرائيل ويهوذا، ثم مع أمثال ملكوت السماوات (مت13)، وأخيرًا مع رحلة الكنيسة التي تمثلها رحلة بولس في السفينة (أع27).  فإن السفينة تمثل الكنيسة أو المسيحية كشهادة لله على الأرض باعتبارها مستودعًا للحق.  بولس يمثل صوت الله والتعاليم المسيحية.  أرسترخس الذي معناه خير حاكم يمثل الروح القدس في الكنيسة القائد والمرشد، وقد كان مع الركاب في السفينة من البداية للنهاية، لكن أحدًا لم يلتفت إليه.  ركاب السفينة يمثلون عائلة الإيمان.  الرياح تمثل هياج الشيطان ضد الكنيسة وشهادتها باعتباره رئيس سلطان الهواء. 

   وفي هذه الرحلة نرى بداية محتقرة لكنها مباركة.  لقد سلموا بولس وأسرى آخرين إلى قائد مئة من كتيبة أوغسطس.  وهكذا كان بولس الرسول العظيم مع اللصوص.  وهذا ما أشار إليه بولس: «كمجهولين ونحن معروفون، كمائتين وها نحن نحيا، كمؤدبين ونحن غير مقتولين، كحزانى ونحن دائمًا فرحون، كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء» (2كو6: 9، 10).  هذه هي نظرة العالم للمؤمنين من بداية رحلة الكنيسة.  وقد قنع المؤمنون في البداية بأنهم غرباء ولا يبتغون شيئًا من مجد هذا العالم، مدركين أن لهم وطنًا أفضل أي سماويًا.  لكن بالأسف هذا لم يستمر طويلاً خاصة مع بداية عصر برغامس.   

وللحديث بقية إذا شاء الرب

                                                                       

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com