عدد رقم 1 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الولادة الجديدة  


(يو3: 1 – 8)

   في يو2: 23 – 25 يعلن الرب رأيه في الإنسان، فلم يكن محتاجًا أن يشهد أحدٌ عن الإنسان، لأنه علم ما  كان في الإنسان.  إن هؤلاء المذكورين في هذه الأعداد لم يكونوا رافضين له أو أعداء، ولم يكونوا ملحدين، بل كانوا من المعترفين به، وقد اقتنعوا أنه هو المسيا من خلال الآيات التي صنعها.  لقد قيل إنهم آمنوا باسمه إذ رأوا الآيات.  ومجرد القراءة السطحية تجعلنا نستنتج أن هؤلاء الناس هم الذين نقرأ عنهم في (يو1: 12) «كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا (أو الحق) أن يصيروا أولاد الله».  لكن عن هؤلاء يذكر في نهاية أصحاح 2 أن «يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع».  لقد اقتنع هؤلاء الناس لكنهم لم يرجعوا إلى الله بالتوبة.  لقد آمنوا باسمه لكنهم لم يقبلوه بقلوبهم.  كان يوجد كثيرون مثل هؤلاء في ذلك الحين، كما يوجد ملايين مثلهم الآن.  إنهم لا يشكون في الحقائق المسيحية، فعقولهم ومشاعرهم تجعلهم مدركين لما هو منطقي ومعقول، وما هو سامٍ وفائق في هذه الحقائق.  وبهذه الطريقة قبلوا المسيحية.  هذا بالضبط ما يريده الإنسان الطبيعي، لأنه بهذه الطريقة يكون فوق الحق ويحكم عليه.  وكم يكون الأمر مختلفًا عندما يأتي الضمير إلى نور محضر الله.  إنه يرى حالته الهالكة والمذنبة واحتياجه إلى الله.  وحينئذ لا تفكر النفس في الحكم على الله أو على ما أعلنه الله من حق.  فلا يوجد إلا الحكم على الذات والصراخ إلى الله لكي يقبله كإنسان خاطي.

   إن الإنسان الطبيعي سيقبل بالتأكيد ضرورة الولادة الجديدة لأولئك الذين يعبدون الأوثان أو لأولئك الذين يعيشون في خطايا جسيمة.  لكن كون كل إنسان يجب أن يولد ثانية، فهذا ما لا يقدر الإنسان الطبيعي أن يفهمه.  لقد كان هنا بعض الفريسيين، ومنهم من سعى إلى الرب حسنًا ومن آمن باسمه مثل نيقوديموس، الفريسي، رئيس اليهود، ومعلم إسرائيل، والذي أعطى للرب يسوع أعظم إكرام يُعطى لإنسان: «قد أتيت من الله معلمًا، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه» (يو3: 2).  إن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يفهم أنه حتى مثل هذا الشخص يجب أن يولد ثانية (ع7).  لكن الذي يقول هذا هو ذاك الذي يتكلم بما يعلم (ع11).  إن الرب يقول هذا ليس فقط عن أعدائه، لكن أيضًا عن أولئك الذين اعترفوا به.  ألا يجعلنا هذا نتحقق كيف أن الإنسان قد فسد تمامًا، وكيف أنه من المستحيل على الإنسان الطبيعي أن يأتي إلى محضر الله ويكون مقبولاً.

   «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله».  إن الرب هنا يتكلم عن الملكوت كما أعلن في ذلك الوقت.  إن الأرض كلها سترى الملكوت عندما يستعلن بالمجد قريبًا.  أما اليوم وبالنسبة للطابع المسيحي لهذا الملكوت، فإن السائد هو حالة مختلفة حيث يأخذ الصفة السرية بالنظر لغياب الملك.

   لكن عندما أتى الرب يسوع إلى الأرض أتى الملكوت مُمثلاً فيه.  والذين رأوا الملكوت في ذلك الحين هم فقط أولئك الذين عرفوا الرب وآمنوا به، الذين رأوه كما كان بالحقيقة: كابن الله.  كان أولئك فقط هم الذين ولدوا ثانية (من جديد).

   لا بد أننا أصبنا بصدمة وألم أمام حقيقة كون إخوة الرب يسوع لم يؤمنوا به.  نعم في مرقس 3: 21 قيل عنهم: «ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا: إنه مُختل».  ألم يعرفوا الرب؟ ألم يعاينوا حياته القدوسة الكاملة أثناء تلك السنوات في الناصرة؟ ألم يخبرهم يوسف ومريم عما قاله الملاك عن ولادته وحقيقة شخصه؟ ألم يسمعوا بما كان يشهد به قريبهم يوحنا المعمدان عنه وكيف انفتحت السماء له ونزل عليه الروح مثل حمامة، وصوت الآب أعلن قائلاً: «أنت ابني الحبيب بك سررت»؟ ألم يشاهدوا معجزاته ويسمعوا أقواله التي عبَّرت عن مجده؟ كيف قالوا عنه: إنه مُختل؟!  هذا برهان واضح على كلمات الرب يسوع: «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (ع3).  إن المسألة ليست تعليم الخاطي وتهذيبه، بل زرع حياة جيدة وطبيعة جديدة كلية.

   هذا لا يعني ما كان يدور بفكر نيقوديموس: إن الشيخ يولد ثانية كطفل صغير أو يتجدد شبابه، وبذلك يصير شابًا مرة أخرى.  إن الطفل المولود حديثًا له نفس الطبيعة كوالديه بدون أية ذرة من التحسن.  وشيث ابن آدم الساقط كان على صورة وشبه أبيه الخاطي (تك5: 3).  وأيوب سبق وقال: «من يخرج الطاهر من النجس؟ لا أحد» (أي14: 4).  كما أن كلمة الله تخبرنا أن جميع نسل آدم قد جُعلوا خطاة بمعصية آدم (رو5: 19).  «المولود من الجسد جسد هو» (يو3: 6).  وحتى لو أن نيقوديموس أمكنه أن يولد ثانية عشر مرات بنفس الطريقة التي ولد بها في المرة الأولى، من والدين خاطئين، فلن يتغير شيء من جهة علاقته بالله.

   ينبغي أن يولد الإنسان ثانية أي من جديد، من فوق أي بحالة جديدة تمامًا، من مصدر جديد للحياة.  والرب يسوع يخبرنا في (ع5) عن ما هية هذا المصدر أو النبع الجديد: «الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله».  وفي الكتاب المقدس نجد أن الماء هو رمز معروف وواضح لكلمة الله في تطبيقها على الإنسان بواسطة الروح القدس.  وبالطبع لا علاقة بين الماء هنا والمعمودية التي هي دفن وليست ولادة (رو6: 4).  إن كلمة الله في (أف5: 26) تخبرنا بهذا بكل وضوح وجلاء وكذلك (يو13: 10) و(يو15: 3).  كذلك في العهد القديم نجد نفس الشيء (تث32: 2؛ إش55: 10، 11؛ حز36: 25).

   إن كلمة الله مطبقة بواسطة الروح القدس تطهر ميول وأفكار وأفعال الإنسان، وفي نفس الوقت يستخدم الروح القدس الكلمة لينتج حياة جديدة في الإنسان، حياة مختلفة تمامًا، لا تحمل صفات الوالدين الطبيعيين، لكن تحمل صفة ذاك الذي كان سببًا في وصول هذه الحياة للمؤمن.  «المولود من الروح هو روح» (يو3: 6).

   حقيقة أن الولادة الثانية تحدث بواسطة كلمة الله ثابتة ومؤكدة في مواضع عديدة تكررت مرارًا في الكتاب المقدس.  فالرسول بولس يكتب إلى المؤمنين في كورنثوس قائلاً لهم: إنه قد ولدهم في المسيح يسوع بواسطة الإنجيل (1كو4: 15).  وفي يعقوب 1: 18 يقول: «شاء فولدنا بكلمة الحق»، ويكتب بطرس الرسول في (1بط1: 23) «مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد».  إن الرب يتحدث هنا عن ضرورة الولادة الثانية لكل إنسان لكي يرى ويدخل ملكوت الله.  ومن سقوط الإنسان إلى نهاية العالم فإن الولادة الثانية هي ضرورة حتمية للدخول في علاقة مع الله.

          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com