عدد رقم 5 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لنأكل ونفرح (2) رد النفس  


انتهينا في المقال السابق برفض ابن يثرون حمي موسى الانضمام لشعب الرب، فخسر التمتع بذات الإحسان الذي يُحسن به الرب إلى شعبه، كما خسر ما تمتع به أبيه، وهو الشركة مع شيوخ إسرائيل، ولذَّة وامتياز أن يأكلوا معًا أمام الرب. لقد ضلَّ هذا الخروف بعيدًا عن قطيع الرب، مفضلاً الذهاب إلى أرضه وعشيرته، وبكل أسف تُختم هذه القصة والخروف ما زال ضالاً!

وكم يذكرنا هذا المشهد بتلميذي عمواس حيث نجدهما أيضًا كخروفين ضلاَّ طريقهما، إذ تركا الرفقة والشركة مع تلاميذ الرب، وفضَّلا أيضًا الذهاب إلى أرضهما وعشيرتهما أعني إلى بلدتهما عمواس! غير أن هنا في ضوء النعمة ولمعانها لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، إذ نجد الرب نفسه، تبارك اسمه، يقترب منهما!! ولا ينتهي هذا المشهد إلا وقد حقق الرب غرضه، حيث نجد ليس أن التلميذين يأكلان أمام الرب، بل الرب نفسه يأكل مع التلميذين!! كيف حدث هذا؟ وكيف استطاع راعي الخراف العظيم أن يرد نفسيهما؟!  هذا ما نراه في المشهد الذي أمامنا.

كما كان هناك لقاء بين موسى ويثرون، كان هنا أيضًا لقاء بين الرب والتلميذين، وكما كان هناك حديث بين موسى ويثرون، كان هنا أيضًا حديثٌ رائعٌ من الرب للتلميذين، وكما كان هناك تجاوب من يثرون ظهر في اعترافه بالرب، وتقديم محرقات له، كان هناك أيضًا تجاوب واضح من التلميذين، حيث التهب قلباهما، وقاما في ذات اللحظة ورجعا إلى أورشليم حيث كان التلاميذ مجتمعين، وهناك أكَّدا أن الرب قام، وأوضحا كيف عرفاه عند كسر الخبز.

وكم هو شيق أن نتتبع بشيء من التفصيل كيف تعامل الرب؛ راعي نفوسنا وأسقفها مع هذين الخروفين الضالين.  كم نندهش أن نجد الرب نفسه يقترب منهما.  نحن نعلم أن ظهورات الرب بعد القيامة كانت محدودة، فكيف يخصص إحدى هذه الظهورات لتلميذين أظهرا فشلاً كبيرًا، فهما من ناحية تركا إخوتهما في أورشليم قاصدين بلدتها عمواس، ومن ناحية أخرى تجاهلا حديث النساء عن قيامة الرب، وما ذكروه من أدلة تؤكِّد ذلك، كما تناسيا أيضًا أحاديث الرب المتكررة عن حتمية موته وقيامته. أيمكن لمثل هؤلاء أن يُظهر الرب نفسه، بل ويسير معهما أكثر من 13 كيلومترًا؟

لم يكن رد نفس هذين التلميذين يحتاج لمجرد أن الرب يُظهر ذاته لهما معلنًا أنه قام، وإلا كان قد فعل ذلك.  لقد كشفا له أن سبب حيرتهما وعبوسهما هو ما يعانونه من إحباط، فمَن كانا يظنانه المسيا، ويرجوان أن يفدي إسرائيل، قد مات.  وبذلك انهارت كل آمالهما ورجائهما! وكان الأمر يتطلب من الرب أن يربط قلبيهما بالمكتوب وليس عيونهما بالمنظور.  من أجل ذلك ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يُفسِّر لهما الأمور المختصَّة به في جميع الكتب.  كان لا بد أن يوضح لهما من خلال المكتوب حتمية موته، وأيضًا حتمية قيامته ومجده (لو24: 26).  «الآلام التي للمسيح، والأمجاد التي بعدها».  وما كان أعظم تأثير حديث الرب عليهما، إذ قالا: «ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب».  وإذ أُخذا بحديثه الشيق، ألزماه أن يمكث معهما، وهكذا نجد أن الضيف العظيم، صار هو المُضيف الكريم، «فلما اتَّكأ معهما أخذ خبزًا وكسر وناولهما»، وتم فيهما قول الرب: «أتعشى معه، وهو معي» (رؤ3: 20). وفي هذه المائدة الرائعة، نجد ذلك الضيف، بل المضيف في نعمة بلا حدود يجلس على المائدة مع هذين التلميذين!! أي امتياز هذا وأي سمو صار لهما، فليس عجيبًا أن تنفتح أعينهما عندما كَسَرَ الخبز وناولهما! وكم نتعجب من سيدنا الكريم، الذي ارتضى أن يسير معهما هذا الطريق الطويل، لينتهي بهما لا ماشيين عابسين يتكلمان ويتحاوران، بل جالسين معه على المائدة يستمتعان برفقة وحديث الرب نفسه!

وكان لا بد أن الفم يخبر عما فاض به القلب، وبرغم أنه نحو المساء وقد مال النهار، نجدهما بكل نشاط وحماس يرجعان إلى إخوتهما، وقد امتلأت أفواههما بكلام طيب، وأخبار سارة، وهناك في أورشليم دار ذلك الحديث المتبادل بين التلاميذ والتلميذن، التلاميذ يقولون إن «الرب قام بالحقيقة، وظهر لصفا»، والتلميذان «يخبران بما حدث في الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز».

إن كان في ظلال الناموس أُسدل الستار على حوباب بن يثرون وهو رافضٌ رفقة شعب الرب والتمتع بإحسانات إلههم، فنحن في نور النعمة نجد راعي الخراف العظيم، لا يغض الطرف عن الخروفين وهما بعيدين عن مكانهما وإخوتهما، إنما يذهب إليهما بذاته، ويرافقهما، ويفتح شهيتهما على شخصه في المكتوب، ثم يمتعهما بالجلوس معه على ذات المائدة، وبيده الحلوة وهي تكسر الخبز وتناولهما!! ما أسمى قصد الرب، وما أروعه إذ يحقق قصده السامي معنا!  فإن ضللنا بعيدًا يفتقدنا ويصل بنا إلى أن نجد أنفسنا جالسين على مائدته يُشبعنا بيديه.

 وسنستكمل بنعمة الرب تلك المشاهد الشيقة، حيث نستعرض المشهد الثالث، وهو "امتياز مفقود"، هذا ما سنتكلم عنه في المقال القادم إذا شاء الرب.

                                                                        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com