عدد رقم 5 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
عبد ملك الكوشي  

   خصي حبشي، كان في خدمة الملك صدقيا، استخدمه الرب لخلاص إرميا من الموت في جب الوحل الذي ألقاه فيه رؤساء الملك الأربعة الأشرار، ومكافأة له على ذلك، أرسل الرب إليه كلمة تعزية بأنه سوف ينجيه من أعدائه ومن الموت عند سقوط مدينة أورشليم في يد الكلدانيين (إر38: 7- 12، 39: 15- 18).

1- أصله: "عبد ملك الكوشي، رجل خصي، وهو في بيت الملك" (إر38: 7)، "عبد ملك" اسم معناه "عبد المَلك" وهو بالفعل كان يعمل كعبد في قصر الملك صدقيا.  لكن هذا العبد يصور لنا الإنسان في بُعده عن الله، فهو عبدٌ للخطية والشيطان (يو8: 34، 35)، "الكوشي" تعني "الأسود" وهنا نرى صورة لطبيعة الإنسان التي لا يمكن إصلاحها، فيذكر الوحي: "هل يُغير الكوشي جلده أو النمر رقطه؟  فأنتم أيضًا (هل) تقدرون أن تصنعوا خيرًا أيها المتعلمون الشر!" (إر13: 23).  إن الخطية طبيعة في الإنسان، فلا يستطيع التخلص منها، تمامًا، كالزنجي الذي لا يستطيع أن يُغير لون جلده.  لهذا قال المسيح: "المولود من الجسد جسدٌ هو" (يو3: 6)، ويصادق بولس على ذلك، فيقول: "فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله" (رو8: 8).  "خصي" يمثل الإنسان في عقمه، فلم يثمر لله، "ولا يقل الخصي: ها أنا شجرة يابسة" (إش56: 3).، ومحظور عليه الدخول في جماعة الرب (تث23: 1).

2- إيمانه: لقد كان "عبد ملك" أمميًا، زنجيًا، أسود الوجه، لكن نعمة الله قد غيرته، نفهم ذلك من كلمات الرب عنه لإرميا "لأنك قد توكلت عليَّ، يقول الرب" (إر39: 18).  والاتكال مرادف للإيمان بالله، فلقد كان لعبد ملك الكوشي إيمان بالله، بل إيمان عامل بالمحبة "لأنه في المسيح لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة" (غلا5: 6، 6: 15).  إن طبيعة الإنسان الفاسدة لا يمكن أن تقف أمام قوة دم المسيح المطهر، وعلى أساس هذا الدم، يستطيع الله ليس فقط أن يزيل الخطية، بل أن يعطي قلبًا جديدًا.  فنعمة الله قادرة على خلاص جميع الناس (تي2: 11)، فقد خلَّصت هنا عبدًا كوشيًا، وبعده خلَّصت وزيرًا حبشيًا أيضًا (أعمال8)، فهل تقبل – عزيزي القارئ- الخلاص الذي تقدمه لك نعمة الله؟

3- نُبُله: مع أن "عبد ملك" كان مجرد عبد، لكن في أخلاقه كان أفضل بكثير من الرؤساء الذين كانوا يتحرقون لقتل إرميا.  "قد رأيت عبيدًا على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد" (جا10: 7). 

* الذوق الصالح: عندما توسط "عبد ملك" وتضرع إلى الملك صدقيا من أجل إرميا، نجده يتكلم بأسلوب راقٍ، "كلامًا بنعمة، مملحًا بملح" (كو4: 6)، فيقول: "يا سيدي الملك، قد أساء هؤلاء الرجال في كل ما فعلوا بإرميا النبي" (ع9)، فهو يعطي الجميع حقوقهم، الإكرام لمن له الإكرام.  ليتنا نحسن الكلام ولتعرف شفاهنا المَرضي، "شفتاكِ يا عروس تقطران شهدًا، تحت لسانك عسل ولبن" (نش4: 11).

* الشجاعة الأدبية: لقد قدم "عبد ملك" في إيمانه فضيلة (شجاعة أدبية)، لم يعبأ بعداوة الرؤساء له، ولم يبالِ قلبه بمركزهم، بل مركزه الوضيع كعبد لم يقف حائلاً أمام عمل استخدمه فيه الرب.  لقد أظهر جراءة وشجاعة في مواجهة ظلم الرؤساء، لم يظهرها الملك صدقيا نفسه أمامهم (انظر إر38: 5).  لقد وقف عبد ملك بجوار إرميا المضطهد والمظلوم والمتألم، فهل لدينا نحن أيضًا استعداد أن نقف في صف الرب وحقه، مهما كابدنا من ضيقات واضطهادات؟

* المشاعر العطوفة: إن القلب الذي مسته نعمة الله وغيَّرته، يظهر بدوره أحشاء رأفات تجاه الآخرين ولا سيما المتألمين.  لقد كان في قلب هذا العبد الأسود قبس من الرحمة والشفقة تجاه إرميا النبي وهو جائع ومطروح في جب الوحل، فيقول للملك: "قد أساء هؤلاء الرجال في كل ما فعلوا بإرميا النبي، فإنه يموت في مكانه بسسب الجوع، لأنه ليس بعد خبز في المدينة" (إر38: 9).  والشفقة التي كانت في صدر هذا العبد الزنجي كانت عامرة بمعرفة وظيفة إرميا النبوية، فأحشاؤه كانت مرتبطة بمعرفة الحق، كان لابسًا "منطقة الحق"، فليتنا نقدم الحق للآخرين مغلفًا بالرحمة والشفقة.  العجيب أن إرميا قد وجد عطفًا من واحد خارج الدائرة اليهودية، في الوقت الذي لم يجد فيه العطف من بني جنسه! 

"وأخذ من هناك ثيابًا رثة وملابس بالية ودلاها إلى إرميا إلى الجب بحبال وقال عبد ملك الكوشي لإرميا: ضع الثياب الرثة والملابس البالية تحت إبطيك تحت الحبال" (إر38: 11، 12).

إن هذا الزنجي أشفق على إرميا الغائص في الوحل والجائع والمتعب، فهل نحن - مؤمنو تدبير النعمة - نشفق على النفوس الغرقى في وحل الخطايا والأدناس؟ هل نشفق على الجياع والعطاش إلى البر ونقدم لهم المسيح خبز الحياة ومروي العطاش؟  ألا يدفعنا ما فعله هذا العبد أن نتحرك بجدية واجتهاد نحوهم والروح القدس يحرضنا: "أنقذ المنقادين إلى الموت، والممدودين للقتل.  لا تمتنع" (أم24: 11)؟

4- مكافأته: في إرميا 39: 15- 18 نجد رسالة شخصية إلى "عبد ملك" على فم إرميا: "اذهب وكلم عبد ملك الكوشي... ولكنني أنقذك في ذلك اليوم، يقول الرب، فلا تُسلَّم ليد الناس الذين أنت خائف منهم.  بل إنما أنجيك نجاة، فلا تسقط بالسيف، بل تكون لك نفسك غنيمة، لأنك قد توكلت عليّ، يقول الرب".  لقد عرف الرب المخاوف التي كانت في قلبه، تمامًا كما يعرف همومنا، ولم يدنه الله بسبب هذه المخاوف.  وإن كان خوف صدقيا قاده للاعتماد على الناس ليهرب من أناس آخرين، فإن خوف "عبد ملك" قاده أن يرتمي على الرب "لأنك توكلت عليّ"، إن تلك الشهادة البديعة فتحت الباب أمام عبد أجنبي متضع ليتمتع بمواعيد الله بالنعمة الواردة في إرميا 17: 7، 8 ( قارن مع مز37: 3، 39، 40، را 2: 12).  لكن من جانب آخر، نجد أن الله لم ينسَ هذا العبد وما فعله تجاه إرميا، حتى لو بدا بسيطًا وتافهًا، وقد سر الله أن يدون ذلك في الكتاب، حيث يبقى ذكره إلى الأبد، بل وعده الرب بالإنقاذ والنجاة من أعدائه ومن الموت، عند ما تقع المدينة في يد الكلدانيين، وهذه المكافأة تذكرنا بكلمات ربنا في الموعظة على الجبل "طوبى للرحماء، لأنهم يُرحمون" (مت5: 7).  وهكذا كم من أعمال تبدو بسيطة، سيُكافأ أصحابها عنها أمام كرسي المسيح (مت10: 42)!

5- رمزه: "ولا يقل الخصي: هل أنا شجرة يابسة لأنه هكذا قال الرب للخصيان...إني أعطيهم في بيتي، وفي أسواري نصبًا واسمًا أفضل من البنين والبنات، أعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطع" (إش56: 3، 5).  في هذا العبد الزنجي نرى لمحة ليوم النعمة الذي نعيش فيه، حيث أمكن دعوة الأمم، لا ليكونوا غرباء ونزلاً، كما كان الحال تحت الناموس، بل ليكونوا رعية مع القديسين وأهل بيت الله (أف2: 19)، لكن بخصوص المستقبل، يمثل عبد ملك الكوشي الأمم (الخراف)، الذين يقبلون كرازة الملكوت التي يكرز بها الأتقياء من إسرائيل في الضيقة العظيمة، بل ويقبلونهم كهاربين وجياع ( مثلما كان إرميا هنا)، فيعولونهم، وبناء على قبولهم للمسيح الملك وإظهارهم لأعمال الشفقة والرحمة تجاه الأتقياء من إسرائيل (الإخوة الأصاغر)، سيرحب بهم الرب في ملكوته الألفي السعيد (انظر مت25: 31- 40)، وكوش من البلاد التي ستعرف الله وتتمتع ببركات العالم العتيد "كوش تسرع بيديها إلى الله" (مز68: 31).

أحبائي.. إن "عبد ملك" الكوشي كان هو الرجل الذي استخدمه الله في الإنقاذ، كان لإرميا النبي "عونًا في حينه"، فهل لدينا الاستعداد أن يستخدمنا الرب في إنقاذ الآخرين؟


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com