عدد رقم 5 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الشركة والشكر (ذبيحة السلامة)  


   مما ورد عن هذه الذبيحة نتعلم أن مُقدم هذه الذبيحة يملأ قلبه الشعور بالامتنان، والشكر العميق لله على ما أجزله له من عطايا وشمله به من مراحم، وما غمره به من إحسان وأمانة، وكم هو ملذ لنا أن تمتلئ قلوبنا بالشكر لله فلا نكون بعد مُتمركزين حول إعوازاتنا واحتياجاتنا، بل يسبق ذلك الشكر الجزيل لله على إنعامه لنا في الابن الحبيب.

   ونورد فيما يلي بعض الملاحظات على هذه الذبيحة لفائدتنا وبنياننا

1-   يأتي الكلام عن هذه الذبيحة في ص3 من سفر اللاويين بعد الكلام عن قربان المحرقة وقربان الدقيق، وهذا له معناه وله مغزاه، إذ نتعلم منه درسًا جوهريًا عظيمًا، وهو أنه ما كان بإمكاننا أن نتواجد في شركة مع الله أبينا وتمتلئ قلوبنا بالشكر نحو شخصه الكريم إلا بعد شبعه وسرور قلبه بالابن الحبيب الذي قدَّم نفسه على الصليب مرة واحدة (عب10: 9)، وحياته العطرة كاللبان، والنقية الطاهرة كالدقيق.  حقًا ما أسعدنا به، وما أطيب قلوبنا بحبه.  ولا يوجد حديث مشترك بيننا وبين الله أبينا سوى عن الابن الغالي، ذاك الذي في حياته كان طعامًا، وفي ذبيحة صليبه كان بخورًا عطرًا اشتمه الآب فملأ قلبه بالسرور والرضى.  فهل بعد ذلك نبحث عن شيء فينا أو عندنا أو حتى عند الآخرين نقدمه لله أبينا كتعبير عن امتنان قلوبنا وشكرها سوى ابنه المحبوب؟ أحبائي ماذا عن اختباراتنا هل تصلح بديلاً عنه؟ ماذا عن كفاءاتنا ومعرقتنا بل ومواهبنا هل تصلح بديلاً عنه؟ كلا أحبائي فالله أبينا لا يرضى بشيء أو شخص بديلاً عنه.  ليتنا لا نقبل البدائل لنحاكي الآخرين ونساير روح العصر، الروح اللاودكية السقيمة، وليعطنا الرب نعمة لنحكم على كل باطل ونستبعد كل مرذول.

2-   أما في شريعة ذبيحة السلامة في ص7 من سفر اللاويين فنجدها تأتي بعد الكلام عن شريعة ذبيحة الخطية والإثم، وهذا أيضًا له معناه ومغزاه، ومنه نتعلم أننا ونحن في جو الشركة مع الله أبينا ندرك من جديد أن ذبيحة الابن كانت من أجل الخطية والخطايا، وكفارته الأبدية هي أساس استمرار شركتنا معه، وعليها يستقر سلامنا الأبدي.  وكتعبير منا على ما يعتمل في نفوسنا من شكر عميق لله أبينا نضع شحم هذه الذبيحة فوق المحرقة ليتصاعد مع رائحتها الزكية وقود رائحة سرور لقلب الله، وهذا هو السجود.

3-   إنها الذبيحة الوحيدة بين كل الذبائح التي يأكل منها ويشترك فيها كثيرون.  الكاهن، ومقدم الذبيحة وضيوفه وأهل بيته، وهنا نرى فكرة الشركة ليس فقط مع الله الآب، بل مع بعضنا البعض، ولكن لنلاحظ أن موضوع الشركة مع الله أبينا هو ذاته موضوع الشركة بعضنا مع بعض وهو شخص الابن، وهذا ما نراه في العجل المُسمَّن الذي قُدم للإبن الراجع من الكورة البعيدة (لو15).  فلا يجب أن يكون شيء آخر سواه وإلا فقدت الشركة قوتها وقيمتها وضاعت نتائجها وتشوهت ملامحها.  ونحن لهذا دعينا لشركة ابنه يسوع المسيح، لذا لا يجب أن يشذ أحدنا عن تلك النغمة المنعشة لقلوبنا، بل لقلب الآب.  ولا ننسى أن أي خروج عن شريعة هذه الذبيحة لا يجعل منها في نظر الرب سوى نجاسة، وهذه ليست مبالغة من جانب الله، بل هو الحق الذي لا يجب أن تفلت منه النفس. 

4-   لقد كانت هذه الذبيحة ضمن مجموعة القرابين والتقدمات الاختيارية وليست الالزامية، كذبيحة الخطية والإثم مثلاً، ومن ذلك نتعلم أن الشكر والتعبد القلبي للرب ونحن في جو الشركة ينبع بل يجب أن ينبع من الشعور الداخلي في القلب، وليس تحت أي تأثير آخر تمليه علينا طقوس أو فرائض أو أنظمة من صنع الناس أو مؤثرات حسية ونفسية.  لكن الكلمة الحية وحدها فيها كل الكفاية لتصور أمام القلب والنفس شخص الابن في كمالاته وكفايته فتتحرك أرواحنا متعبدة لله بخشوع وتقوى، مرددين مدحه منشدين له أغاني السرور لمجده ومدحه.  وبذلك نجلس على مائدة الله أبينا نسمع صوت نعمته المتفاضلة "نأكل ونفرح"!

5-   صحيح كان للكل نصيب في الأكل من لحم ذبيحة السلامة، بشرط أن يكون الشخص طاهرًا، لكن ما ينبغي أن ندركه هو ألا يأخذ أحد شيء قبل أن يوضع نصيب الله على المذبح.  فنصيب الله أولاً، وكان نصيب الله من هذه الذبيحة هو الشحم بالكامل والدم.  أما الآخرون فنصيبهم من اللحم فقط.  من ذلك نتعلم أننا قبل أن نبحث عما لنا ونحن في حضرته نقدم نصيب لرب أولاً.  وربما يكون ذلك نورًا لنا يجيب عن التساؤلات حول: لماذا نبدأ اجتماعاتنا حول اسم الرب بالترنيم والشكر؟ فهذا يعتبر نصيب الله ثم يأتي نصيبنا نحن من التعزية والبنيان.  أما الأمر الآخر الذي نتعلمه من الشحم والدم كنصيب لله هو أنه مهما بلغنا في الإدراك والمعرفة للابن فلن نصل لما للآب من معرفة به وتقدير له.  فسيظل نصيب الله أولاً ومُميزًا، وهذا نقبله بكامل السرور، ويعظم في عيوننا شخص ربنا يسوع المسيح.

6-   كما نلاحظ أيضًا أن هذه الذبيحة ممكن أن تكون أنثى.  والأنثى تكلمنا عن الضعف.  ومن ذلك نتعلم أننا ونحن في جو الشركة مع الله قد يظهر فينا أو منا القصور والضعف في الإدراك والتعبير.  وهذا ليس غريبًا أو مستبعدًا.  ولكن هذا ليس تصريحًا بأن نقصر أو نضعف، بل في حالة ظهوره منا يلتمس لنا الرب عذرًا ويحتوي هذا الضعف في خدمة الرب يسوع كالكاهن الذي يحمل إثم الأقداس.

7-   في هذه الذبيحة لا نجد تصريحًا بتقديم الطير كالحمام أو اليمام.  وهذا ليس إقلالاً من قيمة الطيور حين تقدم كمحرقة، ولكن الأمر هنا مختلف.  فالطيور لا تصلح لوليمة الشركة التي تعبر عنها ذبيحة السلامة.  فكما لو كان الروح القدس ينبر لنا عن أن الشكر في جو الشركة ليس فرديًا بل بلسان الكل وتعبيرًا عن حالة قلوب المجتمعين حول شخصه واسمه الكريم.  آه لو أدركت نفوسنا عظمة وروعة هذا الحق، لتحررنا من الأنانية الروحية التي تحرم إخوتنا من متعة الشركة في الشكر والمشاركة في السجود والتعبد للرب.

 

ليعطنا الرب بالروح القدس قوة لندرك قيمة ما تعلمه لنا الكلمة من حق ثمين مختص بربنا يسوع المسيح، ولا سيما ونحن نحيط حوله في اجتماعنا فلا ننحرف يمينًا أو يسارًا عما رسمته لنا الكلمة المقدسة لطريق الاقداس، حيث الحبيب وسطنا، ومجد وبركة اسمه غرضنا وهدفنا، وبالتالي يبنى إخوتنا ويتعزوا، وهكذا نبلغ إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح.  هذا ما نسعى إليه وننموا نحوه، من حيث الإدراك والفهم، إلى أن تأتي لحظة مجيئه لنا واجتماعنا الأبدي حوله، وهناك لا يكون ضعف في السجود ولا في المشاعر جمود.  له من القلب كل الشكر لآباد الدهور . آمين

   

         ي أي

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com