عدد رقم 1 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تقدمة الدقيق بين المطلوب والمرفوض  


   يسجل لنا الروح القدس في سفر اللاويين التقدمات التي تقدم للرب بواسطة الكهنة في أقداس العلي، ومن هذه التقدمات تقدمة الدقيق، والمذكورة في الأصحاح الثاني من هذا السفر.  وفي هذه التقدمة يضع الرب المحاذير أمام الشعب، حتى يفعلوا تمامًا ما هو مطلوب، ومتوافق مع فكر الرب وطبيعته وصفاته.  ونحن نعلم قيمة التعليم الرمزي في هذه الأمور وغيرها، لذا سيكون الكلام في هذه التقدمة من الناحية الرمزية والتطبيقية علينا، حتى نتعلَّم ما يريدنا الرب أن نقدمه ويحظى بسروره.  وما كان قديمًا في الرمز يخاطب الحواس الطبيعية (الجسدية)، فإنه اليوم يخاطب الرب به حواسنا الروحية، والتي من المفترض أن تكون مُدربة على التمييز والإدراك فيما يخص القدوس ومقدساته.

   في هذه التقدمة كان هناك متطلبات يجب توافرها، وهي تصور العمل الإيجابي فيما نقدمه للرب، وما يقودنا إليه الروح القدس لنعمله، كما كانت هناك محاذير من أشياء مرفوضة لا يجب أبدًا إضافتها للتقدمة، وهذه بدورها تكلمنا عما لا يجب أن نعمله في محضره، فنحن مدعوون لنقدم ما يتناسب ويتوافق مع الرب وقداسته، لا مع ما يتوافق مع رغائبنا واستحساننا نحن.  وكما كان الكهنة قديمًا وهم يخدمون شبه السماويات وظلها، حريصون تمام الحرص، وملتزمون بالتعليمات الإلهية، وكل انحراف، مهما كان حجمه، استدعى التدخل الإلهي بالقضاء، مثلما رأينا في النار الغريبة (لا10)، هكذا بالنسبة لنا نحن يجب أن يكون الحرص مع الحقيقة ذاتها، ذلك لأننا الآن الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون للآب بالروح والحق.

   ولنتقدم الآن للتأمل في ما هو مطلوب، وما هو مرفوض في هذه التقدمة:

أولاً:- المتطلبات

   بالتأمل في ما ورد عن هذه التقدمة في سفر اللاويين الأصحاح الثاني نجد أربعة أمور يشدد عليها الوحي، ترتبط بمجد ربنا يسوع المسيح الأدبي كمن عاش هنا على الأرض كالإنسان الكامل وأشبع قلب الله.  

1-    الدقيق:

وهو يكلمنا عن ناسوت المسيح القدوس الذي لم يعرف خطية، ولم يفعل خطية، ولم تكن فيه خطية.  إنه الناصع البياض، الذي تحدَّى الكل قائلاً: من منكم يبكتني على خطية (يو8: 46).  وهو الناعم الملمس، أي الوديع والرقيق الذي أظهر كل حنو ورفق، وقط لم يُجرِّح أحدًا.  وهو المتجانس الذرات الذي أظهر كل الصفات الكاملة ولم تطغَ صفة على الأخرى في أي موقف من حياته.  هذا ما نقدمه للآب في سجودنا، ويجب أن نعرفه حق المعرفة ونمتلئ به حتى نستطيع أن نتكلم عنه بشكل صحيح.

2- الملح:

يقول الكتاب عن هذا الملح: "وَكُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ تَقَادِمِكَ بِالْمِلْحِ تُمَلِّحُهُ، وَلاَ تُخْلِ تَقْدِمَتَكَ مِنْ مِلْحِ عَهْدِ إِلهِكَ. عَلَى جَمِيعِ قَرَابِينِكَ تُقَرِّبُ مِلْحًا" (لا2: 13).  والملح يكلمنا عن القداسة والحق كما ظهرا في المسيح، وهذا ضد الشر الأدبي وضد الشر التعليمي الموجود في العالم.  وهذا ما يجب أن يُميِّز المؤمنين الآن حيث أننا امتلكنا حياة المسيح ونعيش لكي نمثل المسيح.  والملح هو القوة الحافظة من الفساد سواء في سلوكنا العملي أو في عبادتنا ونحن في محضر الرب.  والحق المقصود به هنا ليس فقط المعرفة الكتابية، بل هو كل ما يخص مجد المسيح وكرامته.  إن الحق الصريح لاذع وغير محبب لأذن الطبيعة البشرية الفاسدة.

3-    الزيت 

الزيت في كلمة الله هو رمز للروح القدس، وله دورٌ كبير في تقدمة الدقيق، والتي تكلمنا عن ربنا يسوع المسيح، والذي يجب أن تملأ به أيدينا، ونحن نأخذ موقفنا أمام الله أبينا ككهنة ساجدين، أو كمن هو موضوع طعامنا وشبع قلوبنا في مكان مقدس.  ففي دخولنا للأقداس هو يملأ اليد، وفي خروجنا للعالم هو يملأ القلب، ولا يوجد من يساعدنا على ذلك، سوى الروح القدس الذي يملأ ويتخلل كل ذرات الدقيق.  ونحن نعلم أن شخص الرب يسوع المسيح قد حُبل به بالروح القدس، وفي المعمودية مُسح وخُتم بالروح القدس، ورجع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس، وكل معجزاته كانت بقوة الروح القدس، كذلك تعليمه كان مؤيدًا بقوة الروح القدس، وحتى وهو ذاهب إلى الصليب بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، وفي القيامة تبرهن أنه ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.  فلو تخلينا عن كل ما هو روحي (الزيت)،واستبدلناه بما هو طبيعي من العالم والجسد سنُحرم من متعة ملء اليد (السجود والعبادة)، وملء القلب (الشهادة)، والخسارة لا تعوض، ونحن لا يمكن ان نقدم سجودًا مقبولاً لدى الله إلا بقوة الروح القدس، ولا يمكن أن نخدم خدمة حقيقية أو نشهد شهادة مُؤثرة إلا بقوة الروح القدس.  ويجب أن نتدرب على الخضوع لقيادة الروح القدس لنا في الحياة وفي داخل الأقداس.

4-    اللبان

وهو يكلمنا عن الرب يسوع صاحب الكمالات والسجايا المتناسقة والعجيبة، والتي لم تظهر قط في مخلوق، بل تجلت وتبرهنت في حياته العطرة القدوسة وما تميَّز به من طاعة فريدة وصبر واحتمال، لقد امتُحن إلى أقصى حدود الامتحان، فلم يوجد فيه سوى الكمال الرائع والخضوع الفريد لمشيئة الآب.  كانت حياته كاللبان الذي عندما يُقرَّب من النار تفيح منه الرائحة العطرة كأذكى طيب.  وهل يوجد شيء يُعطر جو الأقداس أفضل من الحديث عنه؟ أما أدخنة الفلسفات البشرية السوداء، لا يأتي من خلفها سوى التشويش وما هو خانق، ونزع البركة والهدم لا البنيان، ولا تعبر إلا عن كونها صفحة إضافية من صفحات تاريخ الإنسان الفاسد، والمشوه بكل علامات العصيان والتمرد والاستقلال عن فكر الله، والموصومة بكل وصمات العار والفشل.  

  وهكذا نجد في هذه الأشياء نموذجًا للسجود المقبول لدى الله بالروح والحق.

 

ثانيًا:- المحظورات

 

   والآن بعد أن تأملنا فيما هو مطلوب ولازم لهذه التقدمة نستعرض ما كان محظورًا وضعه وتقديمه مع هذه التقدمة.  وبهذا الخصوص نجد أمرين يحذرنا الروح القدس منهما وهما الخمير والعسل.

1-    الخمير

يقول الكتاب عن هذا: "كُلُّ التَّقْدِمَاتِ الَّتِي تُقَرِّبُونَهَا لِلرَّبِّ لاَ تُصْطَنَعُ خَمِيرًا"(لا2: 11).  وبالرجوع لكلمة الله المقدسة، لا نجد موضعًا فيه يكلمنا الكتاب عن أن الخمير صورة للبركة، لكنه في كل المواضع يأتي كصورة للشر أدبيًا وتعليميًا (1كو5: 6، غل5: 9)، لهذا يجب أن نتحذر من الخمير في تقدماتنا للرب، أي احتضان الشر وعدم إدانته والحكم عليه (1كو11: 31)، فالطبيعة الساقطة يجب إدانتها ووضعها في حكم الموت لكي لا تسيطر علينا، فالسيادة منتزعة من يدها (رو6: 11–14)، والكتاب يقول: اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد (غل6: 16).  فإذا لم نعش في مجال يناسب الروح القدس حتمًا سنسقط ويحكم تصرفنا الجسد حتى ونحن في محضر الله، وهذا هو الخمير.

2-    العسل

   الأمر الثاني الذي لا يجب وضعه في التقدمات هو العسل، وعنه يقول الكتاب لنا: "لأَنَّ كُلَّ خَمِيرٍ، وَكُلَّ عَسَل لاَ تُوقِدُوا مِنْهُمَا وَقُودًا لِلرَّبِّ" (لا2: 11)، ومما لا ريب فيه، أن العسل يكلمنا بصورة واضحة عن كل ما هو مستعذب ومستحسن ومستساغ من الطبيعة وللطبيعة الساقطة التي فينا، الأمر الذي لا يتوافق مع طبيعة الله الأبية القدوسة التي من اللازم والضروري احترام كل متطلباتها المعلنة في الكلمة، والمرتبطة بنا كشعب الله، أما إذا استحسنا شيئًا في عبادتنا يروق لنا وللآخرين ولا يتوافق مع رغبات الرب وما يطلبه فإن هذا لن يكون مقبولاً لدى الله.  ولا أنسى ما كتبه رجل الله ماكينتوش بهذا الصدد قائلا: "إنه يسهل علينا أحيانًا أن نضحي بسلامة التعليم على مذبح الصوالح الزمنية، أو لأجل خدمة موهومة لمجرد إرضاء الناس.  ويجب أن يتوفر لدينا الإخلاص الحقيقي الذي يضع كل شيء في محله" 

هذا وأرجو في الرب أن يجعل لكلمته سلطان على قلوبنا، وضمائرنا، حتى نختبر رضى القدير، ونعيش في ظله صانعين مسرته لمجد ربنا يسوع المسيح.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com