عدد رقم 1 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
التحزب والروح الحزبية  


   التحزب في الكنيسة هو انتماء المؤمنين لأشخاص، ويحدث عندما يحاول أحد المؤمنين فرض رأيه الخاص على إخوته بدون أساس من الحق والمحبة، فيجد معارضة من الأغلبية، ومن ثم يحاول أن يجتذب البعض لصفه ليساندوه في رأيه، فتحدث انقسامات وانشقاقات وتتكون أحزاب في جماعة الرب.

   وبالرغم من أن التحزب من أعمال الجسد، كما يقول الرسول: "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ... هِيَ: ... سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ" (غل5: 19، 20)، فإن يعقوب يبين أن الأساس في القلب: "وَلكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، ... لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ" (يع3: 14-16)، والشر يبدأ دائمًا في القلب فإن «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ ..." ؟ (إر17: 9)، "لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ ...» (مر7: 21).  والتحزب هو نتاج حكمة أرضية نفسانية شيطانية، وهو أشد آلات الهدم تأثيرًا، إذ يقود إلى الانشقاق ويسيء إلى شهادة المؤمنين.

أسباب الحزبية:

1-   عدم سهر الرعاة على قطيع الرب:

انشغال داود الملك (الراعي) بأمور كثيرة، وإهماله في أمور شعب الرب، هو الذي أعطى الفرصة لأبشالوم ليستميل وراءه جمعًا من أناس لم يجدوا من يستمع إلى شكواهم ويعطف عليهم.  "وَكَانَ أَبْشَالُومُ يُبَكِّرُ .. وَكُلُّ صَاحِبِ دَعْوَى آتٍ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ الْحُكْمِ، كَانَ أَبْشَالُومُ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ ... فَيَقُولُ ... «انْظُرْ. أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ ... لَيْسَ مَنْ يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ» ... «مَنْ يَجْعَلُنِي قَاضِيًا ... فَيَأْتِيَ إِلَيَّ كُلُّ إِنْسَانٍ ... فَأُنْصِفَهُ؟» ... فَاسْتَرَقَّ أَبْشَالُومُ قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ" (2صم15: 2-6 ).

 نحتاج إلى أن نسهر على حالة قطيع الرب! قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ ... «ارْعَ خِرَافِي» ... «ارْعَ غَنَمِي» (يو21: 15-17)، وكتب بطرس: "أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ ... ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ ..." (1بط5: 1، 2). وقال بولس لأساقفة أفسس "اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ ..." (أع20: 28).

2-   البساطة والجهل

كل اﻠ 200 رجل الذين انطلقوا مع أبشالوم كانوا «... قَدْ دُعُوا وَذَهَبُوا ببساطة وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا (2صم15: 11)»، لم يسألوا أنفسهم إلى أين هم ذاهبون ولماذا؟ ونحن لا نكلف أنفسنا عناء التساؤل والاستفسار ما هو الموضوع أصلاً؟  لماذا أنحاز إلى رأي الأخ فلان؟ هل رأيه يتفق مع المكتوب؟ " اُذْكُرْ هذَا .. وَشَعْبًا جَاهِلاً قَدْ أَهَانَ اسْمَكَ" (مز74: 18).

 إن اللجوء إلى كلمة الله يحكم ويعقل، حيث "شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا" (مز19: 7)، "فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ، يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ" (مز119: 130).  وينبغي أن نفحص كل شيء في ضوء كلمة الله لتظهر الأمور على حقيقتها، "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ"؟ (1يو4: 1).

المعلمون الكذبة والكلام الزائف

حذر الرسول بولس من هذا "وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ" (أع20: 30)، " وَأَطْلُبُ ... أَنْ تُلاَحِظُوا الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ .. لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ" (رو16: 17، 18).

إن خطورة هؤلاء أنهم في جماعة الرب، فينخدع الكثيرون بواسطتهم، الله يريدنا أن نكون حكماء «... فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ" (مت10: 16)، وأيضًا  "... وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا حُكَمَاءَ لِلْخَيْرِ وَبُسَطَاءَ لِلشَّرِّ" (رو16: 19)، "وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ" (يع1: 5)، حتى لا ننخدع بالكلام الطيب الزائف.  وعلينا أن نفرق بين البساطة والجهالة، فالمحبة تصدق كل شيء (1كو13: 7)، لكن هذا لا يعني أبدًا أن نتخلى عن الحكمة والفطنة والفهم بل أن نصدق كل شيء جاء في كلمة الله، وأما من جهة الناس، فنصدق ما هو معقول ويمكن تصديقه، وأن نؤمن بالخير وبالأفضل طالما لا يوجد دليل واضح عكس ذلك، حتى وإن شك الآخرون.   

3-   المنفعة الشخصية

هكذا كان أبشالوم الذي كان يريد أن يستولي على الملك من أبيه عنوة، وهكذا كان ديوتريفوس الذي يحب أن يكون الأول (3يو9).

ليت أفكارنا تتوحد في الرب، وأن لا نكون أنانيين نفتكر فيما يخصنا فقط ومثالنا المسيح نفسه! ".. تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا .. لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ .. بل .... لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا. فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا (في2: 2-5).

4-   الطفولة الروحية

الالتفاف حول أشخاص أيا كانت مكانتهم هو نوع من الطفولة الروحية، فالطفل لم يخرج من دائرة ذاته، ويضخم الحقيقة، ويمكن تشبيه هذا الأمر بالأعمى الذي فتح الرب عينيه على مرتين (مرقس8: 22- 26)، فبعد المرة الأولى "أبصر الناس كأشجار يمشون" أي رآهم أكبر من حقيقتهم ووضعهم الحقيقي، لكن بولس يضع البشر في حجمهم الطبيعي، متسائلا: "من هو بولس ومن هو أبولس؟ ما هما إلا زارع وساقي ولكن الله هو الذي يُنمي" (1كو3: 5- 9). والطفل، عادة، يرى الناس أكبر من حجمهم الطبيعي بل أيضا يفتخر بالارتباط بمن هو أكبر وأقوى منه.  الطفل في الإيمان، يفتخر بأن يتبع الأخ فلان ذو المواهب، والإمكانيات الروحية العالية، وقد يكون الأخ فلان لا ذنب له في هذا، فقد انقسم الكورنثيون وكل واحد منهم قال: «أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا لِلْمَسِيحِ» (1كو1: 12)، فكتب إليهم الرسول بولس "وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ" (1كو3: 1).

لمواجهة ذلك نحتاج أولاً: الاجتهاد للنمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح (2بط3: 18).  ثانيًا: إلى من يتهافتون على الالتفاف حول البشر، نسوق قول الكتاب: "كُفُّوا عَنِ الإِنْسَانِ الَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ، لأَنَّهُ مَاذَا يُحْسَبُ؟" (إش2: 22).  ثالثًا: على الشخص الذي التف الناس من حوله دون رغبة منه أن يتولى العلاج وتصحيح المفاهيم، ويضع السيد، شخصه وعمله، أمام ضمائر وقلوب الجميع، هكذا فعل بولس! لم يقل: "أنا لم أُجْبِر أحدًا على فعل هذا، أو الناس تريد هذا، بل صرخ فيهم بكل قوة: "هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ لأَجْلِكُمْ، أَمْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ"؟ (1كو1: 13)، "فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا" (1كو3: 5). ليكن المسيح هو الغرض الأوحد في اجتماعاتنا وحياتنا وخدمتنا.

5-   الكبرياء والتمركز حول الذات

"مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا، لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ! بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (في2: 2، 3).  "فكر واحد" يعني أن يكون لهم فكر المسيح، فيرون الأشياء كما يراها ويسلكون كما سلك ويحبون كما أحب.  و"العجب" هو البيئة الخصبة ليترعرع التحزب ويزدهر، هو اﻟ "أنا" مجسمة.

ليتنا نتحذر بشدة، فلا نعطي فرصة لظهور الذات إذ هي موجودة في كل منا مهما كان مستواه وتقدمه الروحي! ولنجتهد في أن نتوحد في الفكر، ولنتحلى بالتواضع وإنكار الذات وأمامنا "المسيح مثالنا" الذي تنازل عن كل شيء من أجلنا حتى الموت.  "وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (في2: 8).  

·        نتائج التحزب: للتحزب نتائج مريرة نلخص بعضها فيما يلي:

1-   يعطل النمو، وينمي الحسد والخصام

التحزب له نتائج مُريعة، إذ يظل المؤمن الجسدي طفلاً لا ينمو، لا وقت عنده للنمو الروحي، لأنه يقضي وقته في المشاحنات لنصرة نفسه والفريق الذي ينتمي إليه، فتحدث الشقاقات، وهذا ما حدث مع مؤمني كورنثوس (1كو3: 1-3)، والمؤمن الجسدي (الطفل) في حد ذاته مشكلة كبيرة لنفسه ولأسرته ولاجتماعه ولكل من حوله.

2-   يشوه الشهادة:

بدلا من أن تنتشر الأخبار الطيبة عن الإخوة، مثل المؤمنين في تسالونيكي "لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، ..... قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِاللهِ" (1تس1: 8)، .. "نَشْكُرَ اللهَ .. من جِهَتِكُمْ ...، لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيرًا، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ ... تَزْدَادُ" (2تس1: 3)، تنتقل أخبار المنازعات والحسد والخصام مثل الكورنثيين "لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ "(1كو1: 11)، وهكذا تُلام الشهادة ويعثر الآخرون.

3-   ينشر التشويش والتخبط وعدم الانسجام،

"لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ" (يع3: 16)، وعلينا أن نعي جيدًا الفرق بين الشركة المتميزة بين بعض المؤمنين، نتيجة التقارب في أمور معينة مثل الخدمة معًا، الصلاة ودرس الكتاب معًا، الاهتمام المشترك بالأمور الخاصة بجماعة الرب، وبين التحزب.

                                                             فرنسيس فخري 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com