عدد رقم 1 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كسر الخبز  


   لا زلنا نتحدث عن الكنيسة كجسد المسيح وما يرتبط به من ممارسات كنسية، وسنتحدث في هذا العدد عن "كسر الخبز"، حيث تجتمع الكنيسة لتصنع ذكرى موت الرب، وتُعبِّر عن وحدة الجسد.  وسنقسم الموضوع إلى النقاط التالية:

1-  لماذا نكسر الخبز؟

2-  من الذي يكسر الخبز؟

3-  متى نكسر الخبز؟

4-  أين نكسر الخبز؟

5-  كيف نكسر الخبز؟

6-  ما هي المدلولات الرمزية للخبز والكأس؟

7-  ماذا بعد كسر الخبز؟

 

1-           لماذا نكسر الخبز؟

1-  لكي نطيع الوصية التي تركها الرب لتلاميذه ولنا في الليلة التي أُسلم فيها، وكانت هي الوصية الأخيرة قبل أن يذهب إلى الصليب.  فبعد عشاء الفصح، رسم لهم العشاء الرباني، إذ أخذ خبزًا وشكر، وكسر وناولهم قائلاً: "هذا هو جسدي المبذول لأجلكم، اصنعوا هذا كلما أكلتم لذكري".  وكذلك الكأس أيضًا قائلاً: "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي.  اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري".  ومن الطبيعي أن كل مؤمن حقيقي يحب الرب يجد لذة في حفظ وصاياه، ووصاياه ليست ثقيلة.  إنه امتياز وليس فريضة أوطقس أو واجب يُؤدَّى.

2-  في هذا المحفل المُقدَّس يأخذنا الروح القدس قرب الصليب، ويستعرض أمامنا آلام المسيح وأحزانه سواء من البشر أو الشيطان أو العدل الإلهي.  هناك نعايش الحدث ونسمع تأوهاته وعباراته التي نطق بها، هناك ننظر كيف يداه سُمرت فوق الخشب، وكيف كُلل بالأشواك، وكيف طُعن بحربة فللوقت خرج دم وماء.  هناك نراه وقد نكس الرأس أخيرًا مائتًا عن الخطاة.  هناك نراه وقد دُفن في ضريح كالبشر.  هناك نعرف الحب الحقيقي الذي بدا عند الصليب في أعلى قياس للبذل والتضحية.  وأمام هذا المشهد يتجدد حبنا له ويزداد تكريسنا له، كما يزداد بغضنا ورفضنا للخطية التي سببت له كل هذه الآلام.

3-  إننا في هذا الاجتماع نذكر شخصًا أحبنا ومات لأجلنا في عالم ينساه.  وفي سفر الجامعة نقرأ عن مدينة صغيرة فيها أُناسٌ قليلون، قام عليها ملك عظيم وحاصرها وبنى عليها أبراجًا عظيمة، ووجد فيها رجلٌ مسكين وحكيم، فنجى هو المدينة بحكمته، وما أحد ذكر ذلك الرجل الرجل المسكين (جا9: 14، 15).  إن أهل المدينة أظهروا كل جحود ونكران.  فمع أنه خاض معركة شرسة، وضحى بحياته لكي يخلص الذين كانوا تحت الحصار، لكنهم تجاهلوه ولم يذكروه.  هذا هو موقف العالم الجاحد من المسيح الذي أحبهم ومات لأجلهم.  لقد أبغضوه وأهانوه وعيروه وجرحوه، وعلى عود رهيب رفعوه سمروه.  وبعد كل هذا ما ذكروه أو قدَّروه، بل كان لسان حالهم: "متى يموت ويبيد اسمه" (مز41: 5).  لكننا سنفترض وجود بعض الأوفياء الذين شعروا بالمديونية لهذا الشخص، وأخذوا موقفًا مختلفًا عن المجموع، وبمشاعر الحب والوفاء قرروا أن يذهبوا ومعهم باقات الورود إلى قبر هذا الشخص العظيم، ويقفوا هناك بكل الحب والتقدير ومشاعر الامتنان، ليذكروه ويحيوه، وكأنهم يقولون له نحن نحبك ولا يمكن أن ننساك.  وبهذا التوجه، وبذات المشاعر نحن نجتمع ككنيسة، ليس عند قبر، فالقبر فارغٌ، وإنما نجتمع إلى شخص حي، وهو الآن في قمة المجد بعد أن قام من الأموات وصعد، وليس بباقات وأكاليل الورود الحرفية، وإنما بمشاعر الحب والتكريس نأتي لنسجد له، ونذكره، ونذكر كل ما يرتبط به وبقصته الرائعة بكل حلقاتها، وكيف خرج من عند الآب وأتى إلى العالم، وكيف عاش هنا على الأرض مظهرًا كل كمال، وكيف ختم الرحلة بالصليب، حيث رفضوه وقتلوه معلقين إياه على خشبة.  وكيف ترك العالم وذهب أيضًا إلى الآب بعد أن أكمل عمل الصليب، وكيف استقبلته السماء بفرح عظيم.    

4-  تخبرون بموت الرب.  أي أن الكنيسة المجتمعة حول الرب لتصنع ذكرى موته هي شهادة أمام العالم عن حقيقة موت الرب وسفك دمه على الصليب.  فعندما يدخل عامي ويتساءل: ما هذا الذي تفعلون؟  الجواب: إننا نعلن حقيقة موت الرب.  فالخبز يرمز إلى جسده المبذول والكأس يرمز إلى دمه المسفوك.  ويجب فصلهما عن بعضهما، فلا يصح أن يوضع الخبز في الكأس، وكأن الدم لا يزال في الجسد، لأن هذا إنكار لحقيقة الموت، ولو بشكل غير مقصود.

5-  إلى أن يجيء.  أي أننا سنظل نصنع هذا التذكار طالما نحن هنا، وطالما هو هناك في المجد.  في ليل غيابه عنا وفي ليل تغربنا عنه.  إلى أن نلتقي معه في ذلك الصباح المُرتقب، عندئذ لن نحتاج إلى تذكار إذ سنكون مع الحقيقة عينها وجهًا لوجه.  وكلما عيوننا ترى هذا التذكار فإن نفوسنا تحن وتتوق لرؤياه والوجود معه بطول الأبدية.  وفي كل مرة نجتمع حوله لهذا الغرض ونراه بالإيمان، فإننا نتمنى أن تكون هي المرة الأخيرة هنا على الأرض، وقبل أن يأتي أول الأسبوع التالي نكون قد وصلنا إلى المجد، ونراه عيانًا كالخروف القائم كأنه مذبوح، ويكمل سجودنا من حوله في بيت الآب.  وهناك لا يكون ضعف في السجود حين نرى الأمجاد في وجه الحبيب، ولا يكون في المشاعر جمود، إذ نذكر حبًا بدا عند الصليب.

6-  عندما نجتمع معًا ككنيسة في مكان واحد، فإننا نُعلن ونُمثل الجسد الواحد الذي كوَّنه الروح القدس عندما نزل إلى الأرض.  فالخبز الواحد يُمثل الجسد الواحد في هذه المنطقة.  وهذا ما قاله الرسول: "لأننا نحن الكثيرين خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد" (1كو10: 17).  وكيفما كان العدد، فإن المجتمعين يكسرون رغيفًا واحدًا رمزًا لوحدة الجسد.  وهذا هو المعنى المكاني للجسد والذي نجده في قول الرسول للمؤمنين في كورنثوس: "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا" (1كو12: 27).

7-  الاشتراك في "مائدة الرب" هو أسمى صور الشركة لعائلة الله حينما تجتمع معًا، والله بنفسه يشركنا معه في التمتع والشبع والتلذذ بشخص ابنه الوحيد.  وهي تذكرنا بذبيحة السلامة في العهد القديم التي كانت أيضًا تُعبِّر عن الشركة، وكان فيها لكل واحد نصيب: الله، الكاهن، العائلة الكهنوتية، الذي يقدم الذبيحة، وكل من معه بشرط أن يكون طاهرًا، وهذا ما نراه في قصة ألقانة وحنة (1صم1).  وأيضًا نرى ذات المنظر في قصة رجوع الابن الذي ضل، إلى أبيه، حيث استقبله بالأحضان والقبلات، وقال لعبيده: "أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاء في رجليه، وقدموا العجل المُسمن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالاً فوجد" (لو15).  ومن هذا المنظور نفهم أن الاشتراك في الخبز والكأس هو شركة مع الجماعة التي تكسر الخبز، في كل ما تمارسه وتُعلِّم به، وهذا يجعل الأمر أكثر خطورة.

 

2-           من الذي يكسر الخبز؟

   إن كل مؤمن حقيقي مولود من الله، وسكن فيه روح الله، وأصبح عضوًا في جسد المسيح، وله اختبار واضح مع الرب والحياة الإلهية واضحة فيه، صار من حقه أن يصنع ذكرى موت الرب.  إنه في علاقة مع الرب ويحب الرب وقد تمتع بالفداء، لهذا فهو يُقدِّر هذا الامتياز ويحرص عليه.  أما غير المؤمن فليس له علاقة بالرب ولا يعنيه أن يذكره، وهو لم يستفد من موته لأجله على الصليب.  إنه نظير العالم الجاحد والرافض للمسيح.  والرب قد رسم هذا العشاء وأعطى هذه الوصية للتلاميذ الأحد عشر بعد خروج يهوذا الذي أكل فقط من عشاء الفصح (يو13: 30).

   والشخص الذي يكسر الخبز يجب أن يكون خاليًا من الخمير (الشر) الأدبي في سلوكه، بمعنى أنه لا يحتضن شرًا يُصر عليه ويتمسك به، لأن "خميرة صغيرة تُخمر العجين كله" (1كو5: 6).  فالخمير إذا  دخل ولم يُعزَل سينتشر ويلوث الشهادة ككل.  وعلى الكنيسة المحلية مسؤولية التدقيق في قبول الشخص للشركة في كسر الخبز، وملاحظة ظهور أي خمير في أي وقت للحكم عليه وإدانته حتى لا ينتشر ويفسد شهادة الجماعة بالكامل.  وهذا ما قاله الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس: "إذًا نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا (من حيث الحالة الأدبية)، كما أنتم فطير (من حيث المقام أمام الله) ... ألستم أنتم تدينون الذين من داخل؟ أما الذين من خارج فالله يدينهم.  فاعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو5: 7، 12).  وهناك فارق بين شخص مُخْلِص ويريد أن يعيش في القداسة العملية ويرفض الشر، لكنه ينغلب وينخدع ويسقط في الخطية أحيانًا، ثم يشعر بالحزن والندم ويتوب، وبين شخص آخر يحب الخطية، ولا يرفضها ويُصر عليها وقد اعتاد على ذلك، ولا يشعر بمشكلة فيما يفعله، وأحيانًا يُسر بالذين يفعلون.  فهذا هو الخمير.  إن الضعف يُعالَج أما الخمير فيجب عزله.

   كذلك يجب أن يكون الشخص خاليًا من خمير التعليم، أي أنه لا يحتضن شرورًا تعليمية ضد كلمة الله، لا سيما فيما يخص الأمور الجوهرية مثل: وحي الكتاب، والثالوث، ولاهوت الابن، وقداسة ناسوته، وكمال كفارته، وأقنوم الروح القدس وما يرتبط به، والتبرير بالإيمان وليس بأعمال الناموس، والضمان الأبدي، والتعليم الرمزي في كلمة الله، والحق الخاص بالكنيسة، وكهنوت جميع المؤمنين، والرجاء المبارك ... الخ.  وهناك فارق بين الإدراك المحدود أو القصور في فهم بعض الآيات، مع توفر الإخلاص في الرغبة للتعليم الصحيح وعدم رفضه أو مقاومته، وبين الإصرار على التعليم الخطأ ومحاولة نشره، فإن "خميرة صغيرة تُخمر العجين كله" (غل5: 9).  ويجب أن نفهم أن التعليم الصحيح هو الضمان للسلوك الصحيح والعبادة والخدمة الصحيحة. 

   أخيرًا نقول: إن الشخص الذي يكسر الخبز مع جماعة محلية هو في شركة مع كل الجماعات التي تجتمع إلى اسم المسيح على مبدأ الجسد الواحد في كل العالم بعيدًا عن الأنظمة البشرية.  وعلى ذلك لا يجوز أن يكسر الخبز مع جماعة أخرى لا تعترف بهذا المبدأ، بل تجتمع على مبدأ طائفي أو حزبي.  ونحن نعلم أن الروح القدس عندما نزل كوَّن جسدًا واحدًا يضم كل المؤمنين ويربطهم بالرأس الواحد في السماء، ولم يُكوِّن طوائف أو أحزاب، فهذه من صنع الناس عبر القرون المختلفة في تاريخ المسيحية.

وللحديث بقية إذا شاء الرب


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com