عدد رقم 1 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ  


نبوات سبقت .. ومشيئة تحققت

سنتوقف بمشيئة الرب – اعتبارًا من هذا العدد – أمام شخصية مُميَّزة للغاية هي «َمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ» والتي دخلت التاريخ المقدس من أوسع أبوابه كما سنرى بحسب نبوات سبقت، ومقاصد تحققت.

Ø     نبوات سبقت

ليس كثيرون أولئك الذين تنبأ الوحي عنهم قبل ميلادهم بمئات السنين فهناك مثلاً يوشيا (بالاسم) (1مل13: 2)؛ ويوحنا المعمدان (ملا4: 5) وفوق الكل: رب المجد نفسه يسوع الذي يمتلئ العهد القديم بنحو 333 نبوة عنه.

ولعل من أوضح النبوات التي أشارت إلى المُطوّبة مريم مباشرة هي تلك الواردة في إشعياء 7: 14 حيث نقرأ «يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (قابل مع مت 1: 22، 23)

والنبوات بصفة عامة هي منظار إلهي عابر للأزمنة تؤكد بوضوح أن الله هو بالحق «ملك الدهور»، الأعلى المسيطر على كل شيء، وصانع الأحداث.

وإن الكتاب المقدس بعهديه هو كلمة نبوية، نفعل حسنًا إذا انتبهنا إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم (2بط1: 19).

ولنا في ذلك درس هام إذ نتذكر أنه ولو لم تذكر أسماؤنا نصًا في الوحي، إلا أن حياتنا بأسرها ليست صدفة، بل هي مُخططة قبلاً، وكمؤمنين مسيحيين، نعرف أنها مُخططة أزلاً (أف 1: 4).  وهذا يعطي حياتنا قيمة عالية وأهمية كبرى تدفعنا للتصرف فيها بمسؤولية ووعي.

 

وهنا يحسن بنا أن نتوقف قليلاً لنتذكر من هو «أعظم الكل»؛ ذاك الذي هو موضوع الكتاب كله وغرض النبوة بأسرها، «فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ» (رؤ19: 10)؛ ربنا يسوع المسيح.  فالنبوة عن مجيء المسيح  باعتباره «نسل المرأة» الذي يسحق رأس الحية (أي إبليس) نقرأ عنها في أول الكتاب المقدس (تك 3: 15).  لاحظ أنه لا يتحدث عن «أنسال» كأنه عن كثيرين؛ بل عن «نسل» أي عن واحد هو بخلاف كل البشر.  ليس« نسل الرجل» – نظيرنا – بل هو الفريد في دخوله للعالم باعتباره «نسل المرأة».

   إن ميلاد المسيح العذراوي بدون زرع بشر، متميز تمامًا عن الطريقة التي جبل بها الرب الإله آدم في الجنة من التراب، أو حتى حواء نفسها من جنب آدم، وقطعًا مختلف كذلك عن جميعنا.

إنها «آية» فريدة في تاريخ البشرية (إش 7) ولا شك.  فلأن الشخص ذاته فريد في شخصه، فريد في طبيعته وجوهره (ناسوت ولاهوت)، فريد في خلوه من الخطية تمامًا، فريد في خدمته، وموته، وقيامته، بالإجمال فريد في كل شيء، كان طبيعيًا أن يكون فريدًا في ولادته من «عذراء».

هذا كله بالطبع إلى جانب حتمية أن يخلو من بذرة الخطية المتوارثة من آدم ونسله جيلاً وراء جيل، وحتى يكون الكفارة والفدية التي تليق بالله.  ولذلك قال الملاك جبرائيل للعذراء المطوبة مريم بصدد ولادة الطفل يسوع: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لو1: 35).

 

Ø     مشيئة تحققت

وفي المطوّبة مريم نجد شيئًا هامًا ولافتًا للغاية، أنه من خلالها تحققت مشيئة الله العظيمة في تجسد المسيح من خلال عذراء يهودية بسيطة مخطوبة لنجار فقير في الناصرة.  لقد قصد الله أن يأتي المسيح المُخلَّص من هذه الشخصية بالتحديد ومن سبط يهوذا ومن نسل داود.

ويمكننا أن نقول بلا مبالغة:

إن مشيئة الله مع المطوَّبة كانت أن يأتي المسيح من خلالها إلى العالم: جسديًا وحرفيًا، وبالنسبة لنا نحن كمؤمنين، كانت هذه المشيئة أن يأتي المسيح من خلالنا إلى العالم روحيًا وأدبيًا، أي أن نُعبِّر عنه في سلوكنا وكلامنا أمام العالم الذي لا يعرفه.  يقول الكتاب: «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.  لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أف2: 8-10).

والسؤال الفاحص الذي ينبغي لكل منا أن يتوقف أمامه بأمانة وصدق: ما هو مدى نسبة مطابقة ما نحياه فعليًا مع مشيئة الله التي قصدها لنا، والأعمال الصالحة التي سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها؟

وما هو مقدار اجتهادنا الروحي لكي يتصوّر المسيح فينا عندما نتغذى فعليًا عليه، وأن يتصوّر له المجد فيمن حولنا عندما نؤثر بالمسيح في كل منهم؟

إن وضوح الإجابات وصدقها هو أول الطريق نحو حياة لها قيمة وتأثير لا يمحوه الزمن.

                

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com