عدد رقم 4 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
دروس من كرنيليوس (أع10)  


   "كرنيليوس" Κορνηλιος ، اسم  لاتيني معناه "مثل القرن " أو " قوي كالقرن".  ومع أن اسمه فيه دلالة على القوة والنفوذ، فضلاً عن وظيفته كقائد مئة روماني، والتي قد توحي لنا أيضًا بقسوة وجفاء وكبرياء صاحبها، لكن المدهش أن ما ذكره الوحي المقدس عن كرنيليوس في الأصحاح العاشر من سفر الأعمال يجعلنا نلتقي بشخص تقي في علاقته بالرب، وراقي في أخلاقياته، ورقيق في علاقاته بالناس.  وسنتأمل بنعمة الرب في بعض الأمور المباركة التي وجدت في هذه الشخصية على النحو التالي: 

 أولاً : تقوى كرنيليوس

   حدثنا لوقا عن أسرتين تميزتا بالتقوى؛ الأولى وقت ميلاد المسيح والأخرى وقت ميلاد الكنيسة.  مع أن البون شاسع بين خلفية ووظيفة وثقافة الرجلين في كل منهما.  الأولى هي أسرة زكريا الكاهن، وهي أسرة صغيرة تخدم الرب، حيث يقول: «كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ».  لكن الأسرة الثانية لم تكن يهودية بل أممية، وهي أسرة كرنيليوس.  ونقرأ عنه في بداية أصحاح10 من أعمال الرسل: «كانَ فِي قَيْصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ، قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ الْكَتِيبَةِ الَّتِي تُدْعَى الإِيطَالِيَّةَ. وَهُوَ تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ».  كان زكريا كاهنًا يهوديًا بينما كان كرنيليوس قائدًا رومانيًا، لكن كل منهما أتاه ملاكٌ من السماء.  أتى لواحد في الهيكل، وذهب للآخر في البيت.  وكل منهما أتاه ببشارة سارة من السماء وهي أن صلواته قد سمعت.  ليس غريبًا أن نرى كاهنًا يهوديًا يخاف الله ويسلك في وصاياه ويصلي في الهيكل، لكن الغريب أن نجد قائدًا رومانيًا يخاف الله ويصلي في بيته بهذه اللجاجة.  لقد نظر الله إلى تقواه وسمع تضرعاته.  ومع أنه لم يكن يعرف المسيح كالمخلص، لكن شُهِد له بهذه الشهادة الجميلة: « تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ».  ليت حياتنا تمتلئ من مخافة الرب، وليت كل من في بيوتنا يوصف بهذا الوصف المشرف!  

 ثانيًا: صلوات كرنيليوس

    « ... وَيُصَلِّي إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ».  ألا تخجلنا هذه الكلمات!!  لقد تميزت صلواته بأنها:

صلوات دائمة ليس فقط في بداية يومه وقبيل نومه، بل كان قلبه مرفوعًا للرب طوال اليوم.

صلوات بلجاجة واشتياق شديد، لا من أجل  تسديد حاجات زمنية بل أمور أبدية وباقية. 

صلوات ممتلئة بالثقة أن الله الذي يصلي له لم يكن إله اليهود فقط بل هو رب الكل. 

صلوات ممتزجة بالصوم مع أنه نشأ في ثقافة القوة التي لا ترضى بالتذلل والروح المنكسرة .

صلوات نابعة من قلب سخي ومتسع ورحيم.  فكانت تضرعاته مقترنة بالإحسانات الكثيرة.

اختبر كرنيليوس فاعلية الصلاة التي تفتح الأبواب:

الصلاة التي تفتح السماء فترسل له ملاكًا، وتفتحها ليرى بطرس رؤيا من الرب.

الصلاة التي تفتح ذهن بطرس ليميز مغزى الرؤيا.

الصلاة التي  تفتح  الباب للخدمة بين الأمم.   

الصلاة التي تفتح البيوت لتقبل مبشرًا يكرز بخلاص المسيح .

الصلاة التي تفتح بصيرة الأممي ليعلم أنه في حضرة الله.

الصلاة التي تفتح  القلوب لتقبل رسالة الإنجيل. 

الصلاة  التي تفتح أفواه التائبين لتعظم الرب.  


 ثالثًا: أحشاء كرنيليوس

   في الأصحاح السابق (أع9) رأينا فتاة بسيطة (طابيثا) لها أحشاء رقيقة تصنع إحسانات كثيرة، لكننا هنا أيضًا نرى رجلاً عسكريًا له أحشاء رقيقة.  في الوقت الذي فيه يركز العظماء على مجاملة أصحاب النفوذ والأثرياء ليبادلوه ذات المعاملة، كان كرنيليوس رجلاً محسنًا عطوفًا يتوق أن يرى البسمة على وجوه المساكين، فكان يصنع إحسانات كثيرة الى الشعب.  مع أن كرنيليوس ضابط روماني أممي، لكنه كان تقيًا ومصليًا وسخيًا.  ما أروع عمل الله في حياته! إنه واحد من الذين أنشأ الله فيهم جوعًا نحو المسيح، وهو ضمن الذين قال عنهم: «وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيع» (يو12: 32).

 رابعًا: أشواق كرنيليوس

 كانت في قلبه أشواق عميقة أن يتمم إرادة الله ويزداد في معرفته، فنظر الرب لأشواقه.  كان الخصي الحبشي رجلاً في مركز عظيم، كان يقرأ باهتمام في كلمة الله ومشتاق أن يفهم ما يقرأ،  وكان كرنيليوس يُصلي دائمًا ومشتاقًا أن يعرف عن المخلص وطريق الخلاص.  الرب دائمًا  يتجاوب مع أشواق القلب العميقة ويوجد لمن يطلبه، فكما أرسل الرب فيلبس للخصي الحبشي هكذا أرسل الرب بطرس لهذا القائد الروماني.  عندما ظهر الملاك له، يقول الكتاب: «شخص إليه» أي ركز نظره مترقبًا أن يسمع ما جاء لأجله هذا الرسول الذي من السماء.  لم ينبهر أو ينشغل بظهور الزائر السماوي لكن قلبه كان مشغولاً بموضوع رسالته.

 خامسًا : تأثير كرنيليوس

 بصفته قائد مئة في الجيش الروماني، كان معتادًا أن يتلقى أوامر من القيادة الرومانية العليا، لكن  ها هو يتلقى أمرًا من قيادة أعظم؛ من القيادة السماوية العليا.  لذلك في طاعة وبسرعة وبدون تردد أرسل كرنيليوس اثنين من خدامه وجنديًا ليستدعى بطرس.  لما دعا جنوده من أجل المهمة التي كلفهم بها لم يصدر لهم أوامر ينفذونها بطاعة عمياء لكنه «أخبرهم بكل شيء».  أراد أن يزيد من تأثير أشواقه وكل ما يشغل قلبه ويكشفها لكل من حوله.  كان الرب يعلم أن كرنيليوس لم يكن وحده الذي كان مشتاقًا وشغوفًا، لكن هذه الأشواق وصلت إلى كثيرين، والعطش القلبي الشديد قد وصل إلى كل أهل بيته وأنسبائه وأصدقائه، وربما بعض جنوده، فصاروا هم أيضًا مشتاقين مثله وشغوفين أن يسمعوا رسالة السماء عن الخلاص والمخلص، ومهتمين بذات درجة اهتمامه.

 سادسًا: إدراك كرنيليوس   

أدرك أن الله هو رب الكل، وأنه يوجد لمن يطلبه ويتجاوب مع أشواق القلب، فثابر على الصلاة بلجاجة.

أدرك أنه قدوس، ولا يطيق الإثم، لهذا عاش تقيًا في مخافته، حريصًا على أن يعمل رضاه في السر والعلن.   

أدرك أن مضمون الرسالة الإلهية تستحق الانتباه والاهتمام، أكثر من شخص الرسول المكلف بتوصيلها، سواء كان من الملائكة أو من البشر. 

أدرك أن جميع أهل بيته وكل معارفه في حاجة إلى الله وخلاصه، فاجتهد أن يدعوهم لاستماع أقوال الله لينالوا هم أيضًا ما ابتغاه لنفسه. 

أدرك أن ما يُميز اجتماعهم ليس في حضور خادم موهوب كبير مثل بطرس الرسول؛ بل أنهم جميعًا «حاضرون أمام الله» ليسمعوا ما يأمر الله به خادمه. 

                                                        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com