عدد رقم 4 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أفتيخوس الذي حُمل ميتًا  


«وكان شاب اسمه أفتيخوس جالسًا في الطاقة ... فسقط من الطبقة الثالثة ... وحُمل ميتًا» (أع20: 9)

   لماذا حُمل هذا الشاب ميتًا؟ لأنه تثقل بنوم عميق، فسقط إذ كان جالسًا في الطاقة.  ولماذا جلس فيها؟ لأن الزحام كان شديدًا عندما كان بولس يعظ، وشدة الزحام جعلت الجو حارًا، فأراد أفتيخوس أن يتخلص من حرارة المكان، وفي نفس الوقت لا يحرم نفسه من أقوال بولس الرسول، وتوسطًا بين الأمرين، جلس في الطاقة جاعلاً أذنه نحو بولس، وأنفه نحو النسيم الخارجي.  فكان هذا النسيم الذي ظن أنه سينعشه ويوقظه، هو نفسه الذي أثقله بالنوم فسقط سقوطًا عظيمًا، وحُمل ميتًا.  أليس هذا ما يحدث معنا مرارًا وتكرارًا؟ نريد دائمًا أن نتوسط بين الروحيات والجسديات، ونعرج بين الفرقتين، ونصبح مثل لاودكية «لست باردًا ولا حارًا، هكذا لأنك فاتر»، ونقول: حسنًا أن نفعل هذا ولا نترك ذاك، فنأتي إلى حافة الدائرة الروحية، وتكون النتيجة أننا نقف على حافة هوة سحيقة.  وإذ نطيل الوقوف ننسى الخطر، فيكون أن أخف نسيم، وأقل مظهر حسن وجذاب، وأضعف قوة للعالم تثقلنا وتخدعنا وتجذبنا فنسقط، ويكون سقوطنا عظيمًا.  وهل ننسى شمشون النذير الذي جذبه نسيم الشهوة الجسدية، فنام وسقط سقوطًا عظيمًا. 

   مسكين أفتيخوس، فلا هو تمكَّن من الإصغاء إلى أقوال بولس الثمينة، ولا هو احتفظ بحالته الجسمانية، ولكنه إذ حاول أن يفوز بالاثنين خسرهما معًا.  بل مساكين نحن أيضًا إذا أردنا أن نتمتع بالمسيح والعالم في وقت واحد.  فتصبح النتيجة أننا نفقد تعزياتنا وبركتنا، ثم نعرض أنفسنا لتأديبات القدير، و«مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي» (عب10: 31).

   أما كان أولى بأفتيخوس أن يصبر قليلاً ويتحمل المشقة والتعب والجو الحار، مع ما سيحصل عليه من بركة وفائدة عظيمة لا تقاس بالتعب والمعاناة.  بل ما أحرانا نحن أن نتخلى عن ثقافة الترفيه التي تميز روح العالم، ونقنع بالقليل مما نحتاجه في رحلتنا، ونبذل كل اجتهاد ونحن على أرض المعركة، ونصبر على ضيق محدود، لا يقاس بما يقابله من مجد أبدي.  «فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا» (رو8: 18).  لقد قال السيد: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني» (مر8: 34).  وكأنه يضع شرطًا كهذا أساسًا للدخول في الشركة معه.  لكننا إذا نسينا شرط إنكار الذات، فإننا نفقد لذة الشركة معه.  ويا له من امتياز لا يُقدر أن نكون في شركة معه!

                                                                                             و. ج. ترنر

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com