عدد رقم 4 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
دروس من تاريخ الإخوة:  


الأخت سارة (2)

 

التجربة الثانية: موت الابن

لازال هناك رحيق في الزهرة لم يُستخلص بعد، ويلزم أن تعصر أكثر لتجود به.  والرب يعرف كيف يظهره ليشبع به هو، ونشبع نحن أيضًا معه.  فكانت التجربة الثانية لتخرج علينا الأخت سارة برائعة من روائع ترنيماتها، تكشف عن مدى تقدير هذه الأخت للرب ولكنيسته، وكيف عاشت تكرم الرب وتشهد عنه، وتهتم بمصالحه، مهما كانت ظروفها الشخصية ساحقة.

في أثناء غياب زوجها في إحدى القرى البعيدة كارزًا بالحق الخاص بالمسيح والكنيسة، بغرض تأسيس شهادة للرب فيها، أصيب الابن الأكبر بالحمى، وحضر الطبيب، ووصف العلاج.  لكن حالة الابن ازدادت سوءًا، حتى أخبرها الطبيب بأن الأمل في الشفاء قد تضاءل، وأن الموت يدق أبواب البيت طالبًا الابن المحبوب.

للقارئ أن يتخيل مشاعر الأم في موقف كهذا، كان المتوقع منها أن ترسل لتستدعي زوجها، ولكن ذلك يعني أن تتعطل خدمته في المكان الذي هو فيه، وهذا سيعطي الشيطان فرصة ليفسد العمل، ويعطل تأسيس كنيسة محلية هناك.  وماذا يمكن أن تجتنيه من استدعائه، فإن كان الرب سيشفي الغلام فإنه لا يحتاج إلى حضور أبيه، وإن أراد أن يأخذه فلن يمنعه حضور أبيه من ذلك، وفقط سيتعطل عمل عظيم يقوم به خادمه.  كان الموقف حرجًا جدًا بالنسبة لها، واشتد الصراع في داخلها بين عاطفة الأمومة وذهنها الروحي، فكان أنها دخلت إلى غرفتها وصلت إلى الرب قائلة:

يا رب سد أنت على
ولتنظرن عيني إليك

 

شعوري وعواطفي
في أحرج المواقف

وكان بعد ذلك بقليل أن مات الولد بالفعل، وحضر الجيران والجارات، وكعادة أهل الصعيد في تلك الأيام بدأت النساء في ما يسمونه "العديد"، وهو الرثاء بكلمات تحمل التذمر وتعبر عن مرارة تجاه الله الذي أخذ الابن الفقيد، يعقبونها بصرخات عالية تدخل في قلب الأم الثكلى كخناجر حادة، وكانوا يعملون ذلك من قبيل المجاملة.  فكانت الأخت سارة تحاول منعهم من ذلك، وتظهر تسليمها للرب الذي سمح بهذا، فكانوا يصرخون بكلمات التجديف وهم يضحكون في قلوبهم ظانين أن المرأة أصيبت بحالة غير طبيعية، فهي تبدو متماسكة بالرغم من هول الموقف، وترفض استدعاء زوجها ليكون معها.  لم تكن أقل من المرأة الشونمية في يومها.  لم يفهمها الآخرون، وأما هي فدلفت إلى مخدعها وأغلقت بابها وصرخت إلى الرب:

يا رب حول نظري
فكل منظر سواك

 

عن كل منظر هنا
فيه المرار والعنا

وانفضت الجنازة وذهب المعزون المتعبون، وتركت الأخت وحدها، وازدادت حرب الشيطان ضراوة، وبدأ يفزعها بالأفكار ويهاجمها بالأحزان، فماذا تفعل؟ ليس لها ملاذ سوى حضن الرب، فارتمت في حضنه وعادت تصلي إليه قائلة:

مادمت أنت منيتي
ما دمت أنت غرضي

 

ففيك دومًا أفرح
فكل ثقل أطرح

 وحضر القس جرجس من خدمته بعد أن اطمأن إلى ثبات الشهادة التي استخدمه الرب في إقامتها، ولما علم برحيل ابنه الغالي حزن أشد الحزن، وزاد من حزنه أنه كان غائبًا عن البيت.  لكن زوجته الفاضلة ظلت تشد أزره حتى لا ينحني أمام هذه التجربة ويتعطل عن خدمة الرب، فالولد قد ذهب إلى السماء عند الرب المحب، ونحن أمامنا سعي ينبغي أن نكمله، فلنطرح كل ثقل، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ولتشجيعه رنمت قائلة:

دعني أعيش في رضاك      
عيني  إليك  لا  سواك

 

وأستمر في الجهاد
حتى   أفوز      بالمراد

إن حياتي المتعبة
يا نفسي كوني شاكرة

 

ستنتهي بعد القليل
وصابرة الصبر الجميل

وعن قريب تنظرين
وله دومًا تشكرين

 

في السحب فاديك الودود
هناك في دار الخلود

وبالفعل بتأثير تشجيع هذه الزوجة العظيمة قام خادم الرب الأمين، متجاوزًا كل الأحزان، مكملاً جهاده في خدمته التاعبة.

ولم يكن لهذه الترنيمة أثرها على زوجها وحده، بل لا زلنا إلى يومنا كلما ترنمنا بها نجد فيها لنا تعليمًا وتشجيعًا وإنذارًا، ولازال يفوح منها عطر الزهرة التي عصرتها التجربة.

هكذا كان تقدير تلك الأخت الفاضلة للحق وللشهادة للمسيح، ولخدمة زوجها، فما هو تقديري أنا وتقديرك أنت؟ إن الرب هو الحق (يو14: 6)، ومن يحب الرب يحب الحق.  ليتنا نعطي الرب مكانه اللائق به، ونعيش الحياة المكرسة لمجده في زمان الغربة، وشعارنا مع بولس: «لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي، والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع» (أع20: 24).


                                                                                                                                                                                                        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com